[يسرّ "جدليّة" أن تقدّم للقراء ملفاً جديداً يعرف بعدد من الشعراء الأكراد الذين يكتبون بالعربية. سننشر مواد هذا الملف بالتسلسل على مدار الأيام القادمة وسنفعّل الروابط أدناه حال نشر كل مادة. اضغط/ي هنا للإطلاع على جميع مواد الملف]
قبل الحريق
كانت شجرة تحاول أن تتحدث قليلاً للغيوم عن نفسها
قبل الفؤوس
كان الحطّاب رجلاً طيباً ويكتفي بالقليل ولا يعرف معنى القتل
قبل الخريف
كانت الشجرة خضراء ولا تخجل أمام الناس من عريها
تؤرجح الصغار وتمشط صلعتها بالشمس
قبل الحديقة كانت الشجرة تشعر بالوحدة
قبل أن ينثر الربيع ما لديه من زهور
قبل العصافير
لم يفكّر سكّان الغابة بالغناء
كانوا مشغولين بالخبز وبعطب المخالب
قبل السكاكين
كان عنق المرأة شهيّاً ومشرئبّاً إلى الأعلى
قبل العام الجديد
كنتُ متشائماً وأنفجر لأصغر الأسباب
قبل جراح بلادي
كنت أعشق بلاد الدنيا ومازلتُ
أفرح وفي عيني ينابيع من الدموع
ي قلبي أطنان من الحسرة.
***
قبل الزلازل والبراكين
كانت الأشجار تثق كثيراً بالمطر
قبل أن تعرف المشارط طريق قلبي
كان للقبلة سطوة وغيم شبق يهطل على الجسد
قبل أن يتزحلق العام المسكين في النسيان
أضمرتُ وردة وأجّلتُ بكاء الأيام
قبل أن أكتشف عينيكِ تحرسانني من بعيد
كنتُ أرتجف من الحزن والوحدة
قبل أن يطلق العالم ألعابه النارية
كنت أتوجّس من الظلام وأنا مستلق على ظهري
ألعب بالنجوم وأفتح شهية الليل على العناق.
روحي معافاة وقادرة على التحليق
في فمي أغنية تتقافز منها العصافير والبشائر.
لا أقف بجانبك ولا أضع يدي في الفراغ
خوف بخوف وفرح بفرح تتماسك الأيدي
وأنت يدك بعيدة وصدرك مرجل من البارود.
الحرب في بلادي لها اسم آخر
الثورة عندي يعرفها الصغار وينكرها أباطرة العالم
الثورة سهلة النطق وفصيحة على الألسنة
الثورة عندها صورة مختلف عن الحلم
ولمن يزيّفها ربطة عنق طويلة الأذرع كالمشنقة
وعندي صورة الأمل واضحة ولا تتبدل.
***
قبل النزف
كل أنثى حامل تستبشر بالخير
وكذلك بلادي تستبشر رغم النزف
عقود من العقم والمخاض العسير
قبل الحمل
أرسلت رسائل ابتهالاتها إلى آلهة الكون
فلم يأت رد قاطع من كل الجهات
حملت وحملها بلا أب
من سنين القهر والحرمان كان الوحام
العروس على فمها القليل من حمرة الخجل
سكتت سنيناً على وجع الاغتصاب
كانت الحياة قابلة للعيش كما الموت
قبل أن يأخذ القاتل ضربة أولى على الرأس
لم يفكّر أبداً أن يأخذ إجازة يوم من القتل
كان يبتسم والبلاد تحتضر دون أن يشعر بالذنب
قبل أن تأتي بشارات الصباح
كنت أكبر كل يوم عاماً كاملاً من تلقاء حزني في العام الجديد
من يستطيع أن لا يتجهم ويحمل وردة ويأتي معي؟
أن لا ييأس ولا يغلق قلبه على الألم
هناك ولادات مختلفة ستحدث كل صباح
***
قبل الحريق
كان الشاعر مشرفاً على الرحيل بكل غاباته
والشجر حفنة من الفرات في قلبه تكفي ما تبقى من الحلم
يلقّن العصافير آخر نشيد مفرح عن الصباح
يصوغ أحاديث الطفولة بطقسها الأرضيّ الفريد
يصغي بفرح إلى جدولين يتخاصمان على جهة المسيل
ضجيج مكتمل وزحام يفتح شهيّته على الحياة
ينظر إلى الطريق ويتنهد جيلاً كاملاً من الحنين
ماذا ينقص البلاد كي تكون قريبة من القلب؟
ماذا ينقصها كي تشبه أمّي قبل شيبها بعقود
يديها اللتين قمطتاني وزادتا من بكائي
هدهدتني على ركبتيها بصوتها الكردّي الحزين
علبة الحلوى الصغيرة الفارغة بعد انتهاء احتفال العائلة
ثياب العيد التي تلمع كنجوم بعيدة في الأعالي
رغبات الصغير العصية على التحقيق وصعبة المنال
كل ما جعل الذكرى مليئة بنفيس الوجوه والأماكن.
***
بعد كل هذا الحريق
ماذا ينقص البلاد كي تكون بستان عائلة كبيرة؟
تجلس الأنهار فيها مع الصحارى على طاولة واحدة
تقاسم الهرّة جارها العصفور ما لديها من طعام
يهدل حمام القرى في عرس الخراف والحمير
ينزل الله إلى الساحة بثياب مزركشة
يشارك الفلّاحين الفرح ويدبك مع العباد
يفك شجاراً بين مذهبين يتخاصمان إذا غاب العقل
تحتاج البلاد إليها ذهبيّة الوشوم وشمسيّة الخلاخيل
تحتاج إلى اسمها الفاتن وإلى طقوس عبادتها الطليق
هي تشبه الحليب في بياضه والخبز وقمحه الوسيم
يسمّونها آلهة الفصول والينابيع والخيرات
ويسمّون ولادات البنات باسمها المبارك المجيد.
***
بعد الحريق على الغابة أن لا تثق بأي مطر عابر
عندما تفطّرت روحي
عليها أن تثق كما وثقتُ أنا
بمطر الحارات الخفيف
بأعشاب الأرض وبزهور الحريّة.
***
فواز قادري في سطور:
فواز قادري شاعر كردي مواليد ديرالزور 1956 .
صدر له الأعمال الشعرية التالية :
1 ــ وعول الدم 1992
2- بصمات جديدة لأصابع المطر 1993
3- لايكفي الذي يكفي 2008
4 ــ نهر بضفة واحدة 2009
5 ــ لم تأت الطيور كما وعدتك 2010
6-في الهواء الطلق 2011
7-قيامة الدم السوري 2012
8 ــ أزهار القيامة 2013
9-كتاب النشور 2014
10-تفتح قرنفل أبيض 2014
11-في الليل مختارات مترجمة للألمانية 2014