حوار مع شيلا كارابيكو
صُوِّر التدخل العسكري السعودي في اليمن كحملة قصيرة ودقيقة، ستنجز بسرعة هدف إعادة تنصيب حكومة عبد ربه منصور هادي في السلطة. لكن الحملة لا تبدو في ضوء ما يجري اليوم قريبة من تحقيق هدفها الذي أعلنته حين انطلقت في آذار 2015. في غضون ذلك، تم تدمير الكثير من اليمن ومن بنيته التحتية فيما تمر البلاد في أزمة إنسانية حادة، ويشتد عود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية اللذان يستغلان الفراغ السياسي الناجم لتوسيع قاعدتيهما ويشنان هجمات عنيفة، فيما بدأت الشكوك تُثار حول مستقبل اليمن نفسه.
ومن أجل أن نعرف المزيد حول تأثير هذا الصراع الذي لم يحْظ بتغطية إعلامية جيدة لجأت "جدلية" إلى شيلا كارابيكو Sheila Carapico الباحثة الأكاديمية والمتخصصة في الشؤون اليمنية وأستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند.
جدلية: ما هي أهداف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن؟
شيلا كارابيكو: كان الهدف الأولي لما سُمِّيَ في البداية "عاصفة الحزم" في أواخر آذار 2015 هو إعادة حكومة عبد ربه منصور هادي الانتقالية المدعومة من السعودية إلى سدة الحكم الرئاسي. لكن المسح التاريخي للعلاقات بين المملكة العربية السعودية واليمن يبين لنا أن السعوديين يسعون إلى تحقيق هدف طويل الأمد وهو الهيمنة على جارهم الجنوبي المضطرب وذو الكثافة السكانية العالية. يجب أن نضع في أذهاننا أيضاً أن الرياض عارضت الصراع ضد الاستعمار في اليمن الجنوبي، ودعمت نظام الأئمة الزيدي ضد الضباط الجمهوريين الأحرار في الشمال في الستينيات، ودعمت علي عبد الله صالح وعارضت الوحدة اليمنية في 1990، وسخرت من العملية الانتخابية اليمنية، وفضلت الانفصاليين الجنوبيين في 1994 وموّلتْ بشكل دائم الفصائل المتصارعة. بتعبير آخر، إن الانفتاحات الديمقراطية، والانتفاضات الجماهيرية أخافت دوماً الأنظمة الملكية الخليجية. ولسبب جيد، ارتعبَ آل سعود وأشقاؤهم من الأنظمة الملكية النفطية في مجلس التعاون الخليجي من انتفاضات الجماهير في تونس ومصر في 2011، لكن ما أثار هلعهم أكثر هو الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في فنائهم الخلفي في اليمن.
إن الجهود لإعادة تنصيب ما اعتبره الملك سلمان وابنه ولي ولي العهد محمد بن سلمان والمتملقين العالميين حكومة هادي "المعترف بها عالمياً"، والتابعة فشلت فشلاً رهيباً، وسببت بدلاً من ذلك حمام دم مروّع، وارتد تأثيرها إلى داخل المملكة السعودية نفسها.
وهكذا، لأكثر من عام بدا كأن الهدف هو تجويع اليمن من أجل إخضاعه. فالحصار البحري المدعّم بقصف المستشفيات والموانئ والجسور والبنى التحتية الأخرى، مَنَعَ استيراد الأغذية الأساسية والوقود والدواء، وأوقفَ إيصال الخدمات الاجتماعية الأساسية كالكهرباء والماء. إن عدداً من التقارير بما فيه التقرير الذي نشرته الغارديان وكتبه غيث عبد الأحد، والتقرير الذي أعدته فرغال كين من البي بي سي، تشير إلى أنّ الوفيات والإصابات الناجمة عن الصدمة تشحب بالمقارنة مع المعاناة من سوء التغذية والحرمان والأمراض التي تمكن الوقاية منها.
جدلية: ما هو الوضع الحالي للمفاوضات لإنهاء الصراع في اليمن؟
شيلا كارابيكو: إن المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحد كذبة كبيرة. وكما أشرتُ في حينه، كانت مليئة بالعيوب منذ البداية. وتستند هذه المفاوضات إلى قراري مجلس الأمن 2201 و2216 الصادرين في 14 نيسان 2015، واللذين يذكران أن السعودية وسيط محايد بدلاً من كونها طرفاً أساسياً في صراع تصعيدي، كما لو أن الخطة الانتقالية لمجلس التعاون الخليجي تقدم "عملية انتقال سلمية وشاملة ومنظمة بقيادة يمنية تلبي المطالب الشرعية وطموحات الشعب اليمني، بما فيه النساء.
ورغم أنه لم تمر إلا ثلاثة أسابيع على التدخل الذي تقوده السعودية وعلى تصريح نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بأن غالبية ال 600 شخص الذين قُتلوا سابقاً هم من المدنيين الذين سقطوا ضحية للغارات الجوية التي شنتها السعودية والتحالف فإن قرار مجلس الأمن 2216 دعا فقط "الأطراف اليمنية" لإنهاء استخدام العنف. وعلى نحو مشابه، لم تكن هناك دعوة من أجل وقف إطلاق النار أو ممر إنساني. وفي الحقيقة، إن العقوبات التي فرضها قرار مجلس الأمن 2216 على عائلات صالح والحوثيين، بما فيه تجميد الأرصدة العامة، وحظر السفر، وحظر الأسلحة، كانت حجة من أجل حصار أكبر فرضه التحالف الذي تقوده السعودية بدعم أمريكي ضد بلاد يبلغ عدد سكانها 26 مليون 80% منهم محرومون من الضرورات الأساسية.
إن الدبلوماسية المزيفة لوزير الخارجية جون كيري والمبعوث الأممي الخاص إسماعيل أولاد شيخ أحمد تبقى مرتبطة بقراري مجلس الأمن 2201 و2216 اللذين شرّعا أيضاً لطموحات الهيمنة السعودية في اليمن وأبطلا مفعول التطلعات الديمقراطية لشرائح واسعة من الجماهير اليمنية. وما تزال الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمملكة المتحدة يواصلون الإلحاح على استسلام غير مشروط لقوى "التمرد" لحكومة هادي "الشرعية" (هادي الذي "انتخب" في استفتاء شعبي عام لرجل واحد في شباط 2012 لولاية عامين).
يجب ألا نكون عاطفيين بشكل مبالغ فيه حيال "المتمردين"، الذين نسميهم الحوثيين والذين يقودهم إلى حد كبير ويمولهم ويسلحهم الدكتاتور المخلوع علي عبد الله صالح. إن عقوده الثلاثة من سوء الحكم قادت إلى هذا الخلل الكبير.
إن أصدقاء السرير الغريبين هؤلاء (الخصوم السابقون) لهم بعض الأتباع في المناطق الشمالية وخاصة بين الجماعات التي استهدفتها الحملة الجوية السعودية بما فيه العاصمة صنعاء. لكن الهجمات التي لا ترحم المنفذة من التحالف الشاذ بين صالح والحوثيين على ميلشيات الجماعة في مدينة تعز المحاصرة وأجزاء كثيرة من الجنوب التاريخي صنعت له أعداء كثيرين.
إن “المفاوضات" غير النزيهة بين "حكومة هادي المعترف بها دولياً”، و"المتمردين" الخاضعين لعقوبات دولية ليس من المحتمل أن تكون مثمرة. أما الجهود الدبلوماسية لوزير الخارجية جون كيري فتركز على “رباعية دولية" تتألف من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين هم أطراف في الصراع وليسوا وسطاء محايدين.
جدلية: هل تتوقعين أن ينجو اليمن من هذا الصراع كدولة موحدة؟
شيلا كارابيكو: كلا. من المحتمل أكثر أن يتجزأ. منذ بضع سنوات كانت الحركة الجنوبية الانفصالية (حراك) تنشد إعادة الانفصال. هدد هذا بإعادة تقسيم الدولة التي "توحدت" في 1990 كجمهورية اليمن من خلال دمج الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب. ثم، لعدة أشهر في 2011 بدا الشباب في الشمال والجنوب مجمعين تقريياً على رفضهم لدكتاتورية علي عبد الله صالح العسكرية. على أي حال إن الجنوب التاريخي ممزق الآن بين الجهاديين والآخرين، ضد الإرث الاشتراكي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وللانتفاضة الشعبية لعام 2011. وحتى إعادة تقسيم نظيفة بين الشمال والجنوب تبدو غير مرجّحة الآن. ثمة انقسامات عميقة في كثير من الأقاليم في الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقتين.
من ناحية أخرى، حلت اللغة الطائفية مؤخراً مكان الانقسامات السياسية بين التقدميين والرجعيين وبين الجنوبيين وغالبية الشماليين. لقد كان اليمنيون يتحددون قبل عشر أوعشرين سنة كاشتراكيين أو إسلاميين أو أعضاء المؤتمر الشعبي العام الحاكم، حزب صالح. في هذه الأيام يتحددون كسلفيين وزيديين ويتحدثون بلغة طائفية تتمحور حول طائفة سنية متنابذة مع هويات شيعية، وصار ذلك الخطاب رسمياً.
جدلية: ما هي العوائق الرئيسية أمام إنهاء هذا الصراع، وما هي التحديات الرئيسية حالما ينتهي هذا الصراع؟
شيلا كارابيكو: إن شبه الجزيرة العربية منقسمة بين الملكيات المهيمنة ودول المدينة في الخليج، التي يعتمد رخاؤها على ملايين العمال الآسيويين المهاجرين والمسخَّرين، والمزارعين المغلوبين على أمرهم، والتجار، والناس العاديين المتركزين في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة ذي الكثافة السكانية العالية. إن هذا الصراع لن ينتهي إذا بقيت الأنظمة الاستغلالية وكارهة النساء محورية للاقتصاد السياسي العالمي. إن ما يغذي هذا الصراع بشكل كبير هو صفقة النفط مقابل السلاح بين قوى شمال الأطلسي ومصدّري الكربون على الساحل العربي للخليج الفارسي.
إذا توقف القتال، أو حين يتوقف، سيكون التحدي هو إعادة بناء كاملة لبنية تحتية واقتصاد وطنيين مخربين. من الصعب أيضاً تصور احتواء الضرر الذي حل بالبيئة البحرية والزراعية الفقيرة الناجم عن الكثير من التدمير الوحشي.
جدلية ما هو دور الولايات المتحدة في هذا الصراع؟
شيلا كارابيكو: إن الولايات المتحدة طرف في الصراع وشريكة في جرائم الحرب. وقد وجد الرئيس أوباما نفسه، ربما دون رغبة، في دور رئيس مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية وأبناء أشقائها الخليجيين. وفي السنوات الثماني الماضية بلغت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المملكة 115 بليون دولار، دون أن نحسب مبيعات أميركية إضافية للإمارات العربية المتحدة والبحرين، أو عمليات نقل أسلحة بريطانية أوربية أخرى وكندية. وقد استنتج تقرير استقصائي أن صفقات الأسلحة الاثنتين وأربعين المنفصلة التي أبرمتها إدارة أوباما مع السعودية شكلت "نعمة لعدد من شركات صناعة الأسلحة من التي تتمتع بصلات جيدة كبوينغ التي تشكّل طائرتها المقاتلة إف 15 إس العمود الفقري للقوة الجوية السعودية، ولوكهيد مارتن، التي تبيع للملكة العربية السعودية طائرة النقل سي – 130 جي، وجنرال دايناميكس، التي تبيع دبابة إم 1إي 1". وقد شملت جهود الضغط التي مارستها هذه الشركات أكثر من 7 مليون دولار أمريكي لجنرال دايناميكس في 2016 لوحده، كما كشفت التقارير.
إن الولايات المتحدة منخرطة أيضاً بشكل مباشر في عمليات قتالية، وبشكل رئيسي من خلال عمليات التزويد بالوقود في الجو للقاذفات المقاتلة والمشاركة في الحصار البحري، وبشكل غير مباشر من خلال المراقبة والتدريب وأشكال أخرى من الدعم التقني. فضلاً عن ذلك، إن واشنطن – حيث، بحسب الواشنطن بوست، “أنفقت الحكومة السعودية وأتباعها ملايين الدولارات على شركات قانونية وجماعات ضغط وعلاقات عامة أمريكية" كي تنشر رسالتها – تبدو كأنها تردد كالببغاء السرد السعودي عن الحرب. هكذا نسمع إشارات متواصلة إلى "المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران" و"مخاوف مشروعة من الاعتداء الحوثي". وفي خضم الغطاء الدبلوماسي، ونقل الأسلحة، والمساعدة المباشرة، يجب ألا نفاجأ حين يشير كثير من اليمنيين إلى الحرب الأمريكية السعودية التي تدمر حيواتهم.
ترجمة: أسامة إسبر
* شيلا كارابيكو باحثة أكاديمية أميركية و أستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند والجامعة الأميركية في القاهرة، وهي متخصصة في الشؤون اليمنية.