في كتابها الصادر مؤخرًا عن "منشورات المتوسط" في إيطاليا، والموسوم بـ«غبش المرايا – فصول في الثقافة والنظرية الثقافية»، تعمل الباحثة الأكاديمية والروائية والمترجمة العراقية خالدة حامد على تحليل نصوص ثقافية لعشرة من أهم الكُتّاب والمنظرين الغربيين، هي عماد «النظرية الثقافية» التي يرتكز عليها كل واحد من هؤلاء الكتّاب الذين وقع عليهم الاختيار.
جاء الكتاب الذي أعدته وترجمت فصوله وكتبت له "التوطئة" صاحبة «في الشعر وترجمته»، في 229 صفحة من القطع المتوسط، وهو محاولة لتبديد الغبش الذي يعلو سطح المرايا التي يعكسها كل واحد من رموز الثقافة الغربية الكبار، التي مثلت نصوصهم المنتقاة بصمة كلّ واحد منهم، وهي نصوص أساسية مكتوبة بقلم هؤلاء الأعلام لا نقلًا عنهم مثلما هو شائع في الكثير من الترجمات اليوم. ويحسب للكاتبة العراقية أنها ذَيّلت كافة النصوص بهوامش للتوضيح والتعريف بكل المصطلحات والأعلام والأفراد والأماكن والحركات الثقافية التي ورد ذكرها في العديد من المواضع.
عن مفهوم "الثقافة" وتطوره .
أحتوى الكتاب بين دفتيه بعد "التوطئة" على عشرة فصول، وهي: الفصل الأول: «تحليل الثقافة» (ريموند وليامز)، الفصل الثاني: «صناعة الثقافة» (ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر)، الفصل الثالث: «الدراسات الثقافية وإرثها النظري» (ستيوارت هول)، الفصل الرابع: «ثقافات» (كليفورد غيرتز)، الفصل الخامس: «الثقافة والهيمنة الأيديولوجية» (أنطونيو غرامشي)، الفصل السادس: «الذوق الفني ورأس المال الثقافي» (بيير بورديو)، الفصل السابع: «ممارسة الحياة اليومية» (ميشيل دي سيرتو)، الفصل الثامن: «خبرة الثقافة» (مايكل ريتشاردسون)، الفصل التاسع: «ثورة القيم: الوعد بتغيّر متعدد الثقافات» (بيل هوكس)، وأخيرًا، الفصل العاشر: «الثقافة في أزمة» (تيري ايغلتون)، مع كشف بمصادر ومراجع الكتاب.
وفي كل واحد من هذه المقالات المختارة بعناية فائقة من قبل الأكاديمية في «جامعة بغداد» خالدة حامد، يعرض الكاتب تصوّراته الخاصة لمسألة أو قضية ثقافية، هي انعكاس للرؤية الذاتية المنطلقة من همومه المعرفية، القائمة في جزء كبير منها على الربط والمقارنة والتحليل والدرس التاريخي.
تؤكد صاحبة «البنيوية والتفكيك» في توطئتها التمهيدية للكتاب، أنّ "واحدًا من أبرز مايميز البشر هو محاولتهم فَهْمَ أنفسهم وفهم السلوك الذي يمارسونه. ويمكن التكلم أنثروبولوجيًا بالقول إنه لا توجد جماعة لم تتمكن من تطوير خطاطة، تفسّر أفعال أفرادها. ولعل الإضاءة التي يمكن أن تقدمها الأنثروبولوجيا للإجابة عن السؤال الذي يطرحه البشر، باستمرار، هي مفهوم الثقافة". وأنّ "ثمّة من يقول إنّ الأهمية التي تحظى بها مفردة «ثقافة» – عمومًا - توازي أهمية التطور في البايولوجيا، أو مفهوم الجاذبية في الفيزياء". مشيرة إلى أنّ هذا المفهوم مرَّ بتحولات وانتقالات كثيرة حتى وصل إلينا. فأستاذ الأنثروبولوجيا الشهير كلايد كلوكهوم عرفها، في كتابه «مرآة الإنسان» (Mirror for man)، بأنها مجمل حياة الإنسان والإرث الإجتماعي الذي يكتسبه الأفراد، من انخراطهم، في جماعة ما".
وتأخذنا "حامد" عبر فصول الكتاب العشرة في رحلة فكرية شيقة لنتعرف على أبرز النظريات الثقافية وأعلامها في التاريخ المعاصر، مع تسليط الضوء على المنحى الذي سلكته الثقافة بدءًا مما ذكره إدوارد تايلور عام 1871 عن مفردة «الثقافة» بأنها: "ذلك الكل المعقّد الذي يشمل المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والعادات التي يكتسبها الإنسان، بوصفه فردًا، في مجتمع ما"، وصولًا إلى تحولها إلى واحدة من أصعب مفردتين أو ثلاثة في اللغة الإنكليزية، مثلما يقول ريموند وليامز في سياق مختلف.
ولعل الحديث عن «الثقافة» هنا مشوبًا، بالتعقيد، ولا ريب؛ فقد يحلو للمرء الحديث عن ثقافة الطبقة العاملة، أو ثقافة النخب الحداثية، أو عن ثقافة موسيقى "الهب هوب"، أو ثقافة مشاهدي المسلسلات التركية، في مكان ما، لكن الثقافة لا تقتصر على ذلك فقط، بل تندرج في معناها الكثير من الممارسات الأخرى.
تتبع الأثر وتعدد المرايا في التاريخ المعاصر .
أخذ البحث في مفهوم «الثقافة» منذ القرن الثامن عشر وحتى اليوم الكثير من اهتمام الباحثين في العالم وخاصة في الغرب الذي ماج بأمواج متلاطمة من الأفكار والنظريات والأيدولوجيات، وانشغل العالم بالبحث في جذور هذا المفهوم «الثقافة» وتاريخه، ومعناه ومدلوله، وهذا الأخير له إشكاليات متعددة، متعلقة بالقائل والكاتب والراوى والبيئة والمكان والزمان والحدث والجنس وربما الدين والعصر، أي أنّ المنظور لمفهوم «الثقافة» هو منظور متعدد المرايا، ومتعدد الحقول المعرفية، وربما ينطبق ذلك أيضًا على مجموعة كبيرة من المفاهيم والمصطلحات تقف على رأسها «الثقافة والفن والعلم والأدب والفلسفة والتاريخ وغيرها»، تحمل معانى مراوغة وغير حقيقية، كما أنّ لكل منا مفهومه الخاص رغم أي قراءات قد تكون مشتركة.
وفي هذا السياق، تقول صاحبة «عصر الهرمنيوطيقا»، حول مقال ريموند وليامز «تحليل الثقافة» (الفصل الأول) من الكتاب، والمستمدّ من كتابه "الثورة الطويلة» أنّ وليامز (1921 – 1988)، يحاول في مقاله المهم هذا تعريف الثقافة وتصنيفها، مسلطًا الضوء على مختلف الطرق التي سلكها هذا التعريف، مستنيرًا برؤياه الشخصية، على نحو، تتجلى فيه صعوبة تعريف هذه المفردة.
ويتضح ذلك، بمناقشة وليامز وهو أحد أهم النقاد الانجليز المعاصرين، والأهم بين مؤسسي ما يعرف الآن «بالدراسات الثقافية»، وقد عمل أستاذًا للدراما بجامعة كامبريدج إلى أن تقاعد عام 1983، لثلاث فئات عامة لتعريف الثقافة. كما يؤكد ضرورة أن يتم "تمييز ثلاثة مستويات للثقافة، حتى في أكثر تعريفاتها عمومية". وهو يركز - في مشروعه الذي يرمي إلى تتبع أثر الثقافة - على الكيفية التي يمكن بها فَهْمُ العلاقة بين المجتمع والثقافة؛ فهو يقول إن "الثقافة طريقة حياة معينة، تعبّر عن معانٍ وقيم معينة غير موجودة في الفن والتعلم فقط ، بل - أيضًا - في المؤسسات والسلوك الاعتيادي". مؤكدًا أنّ "نظرية الثقافة هي دراسة العلاقات القائمة بين العناصر في طريقة حياة بأكملها، أما تحليل الثقافة؛ فهو محاولة اكتشاف طبيعة التنظيم التي هي عقدة هذه العلاقات".
وترى الباحثة العراقية خالدة حامد أنّ الفيلسون الألماني ثيودور أدورنو (1903 – 1969) ومواطنه الفيلسوف وعالم الإجتماع ماكس هوركهايمر (1895– 1973) برعا في مقالهما المشترك الموسوم بـ«صناعة الثقافة» (الفصل الثاني)، في تحليل وسائل الإعلام، بوصفها صناعة ثقافة. ويذكر أنهما من أعضاء "مدرسة فرانكفورت" التي برغم ارتكازها على الماركسية والفلسفة الهيغلية، إلا أنها تفيد - أيضًا - من رؤى التحليل النفسي والسوسيولوجيا والفلسفة الوجودية، وغيرها من الحقول المعرفية عبر استعمال المفاهيم الماركسية، في تحليل العلاقات الإجتماعية داخل النظم الاقتصادية الرأسمالية. وقد نتج عن هذه المقاربة - التي صارت تُعرف باسم «النظرية النقدية» - نقد مهم، يخص الشركات والاحتكارات، ودَور التكنولوجيا، وتصنيع الثقافة، وانهيار الفرد داخل المجتمع الرأسمالي. وتبين "حامد" أنّ هذا المفهوم «صناعة الثقافة» صيغ في الكتابات المبكرة عن «النظرية النقدية» في كتابات ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر. فالثقافة نفسها تتحول إلى مؤسسة اقتصادية، تتضمن عمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، ويتم التعامل معها، بوصفها ظاهرة من ظواهر السوق، تتجلى فيها أشكال الهيمنة الثقافية التي تعمد فيها الطبقات الحاكمة إلى فرض وعي زائف عن الاستهلاك، على الجماهير، من خلال توظيف التكنولوجيا ووسائل الإعلام، على وجه الخصوص. مشيرة إلى أنّ كلًا من أدورنو وهوركهايمر حينما شرعا بكتابة مقالهما هذا - مستهل أربعينيات القرن العشرين - كانا يعارضان التأثير المتنامي لصناعة الترفيه والتحولات التي طرأت على الفن، في بلد هجرتهما، الولايات المتحدة. وكانا ينظران إلى التلفزيون، بوصفه شاهدًا على الهيمنة الصناعية السلبية التي تستولي على الفرد؛ "فثمة شيء يتم توفيره للجميع حتى لا يفلت أحد، ويتمّ التركيز على الفروق وتوسيعها".
...
«الدراسات الثقافية وإرثها النظري» للمفكر الكاريبي ستيوارت هول (الفصل الثالث)، يعود فيه هول (1932 – 2014) - الذي يعد من الشخصيات الفكرية البارزة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وتميز بإنتاجه الفكري الغزير وبدوره كأكاديمي عالمي-، إلى الدراسات الثقافية ومساراتها وتمثلاتها تاريخيًا، خاصة البريطانية في صراعها مع الماركسية وتأثرها بأفكار غرامشي. وارتداده التاريخي هذا يهدف إلى فهم واقع الدراسات الثقافية السائدة في زمنه ومستقبلها كذلك.
النصوص المنتقاة والمترجمة تضم كذلك مقالًا بعنوان «ثقافات» لكليفورد غيرتز (الفصل الرابع)، وفيها يؤكد غيرتز (1926 – 2006) - وهو واحد من أبرز علماء الأنثروبولوجيا الأميركيين وأكثرهم تأثيرًا خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين -، أنه "كلما كانت الصياغة (صياغة مفهوم الثقافة) أوضح، زادت حدّة الهجوم. وهطل وابل من الأسئلة، واستمر بالهطول، بخصوص فكرة الخطاطة (scheme) الثقافية تحديدًا". لافتًا إلى أنه "وسط مناخ ذي صلة وانحياز ووهم، وعدم قدرة على التطبيق، انبثقت الأنثربولوجيا، أو ذلك النوع الذي يدرس الثقافات، وتتواصل بغض النظر عن مقدار الفرد في تدريب عنايته بحقائق الوجود الإجتماعي التي يُفترض أنها صعبة، وبغض النظر عمَّن يملك وسائل الانتاج، ومن لديه الأسلحة، أو الملفات، أو الصحف، أو حقائق ذلك الوجود التي يُفترض أنها بسيطة، والتي تخص ما يتصوره الناس عن شأن الحياة الإنسانية عمومًا..".
وفي مقاله «الثقافة والهيمنة الأيديولوجية» للفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي (الفصل الخامس)، فقد انطلق غرامشي (1891 – 1937) بنصه بأنّ "تدمير الوهم الشائع الذي مفاده أن الفلسفة شيء غريب وصعب فقط تبدو ضرورة؛ لأنها نشاط فكري مقصور على فئة معينة من المتخصصين، أو الفلاسفة المحترفين والمنهجيين. لابد – أولًا – من البرهنة على أن البشر كلهم "فلاسفة"، من خلال تعريف حدود "الفلسفة العفوية"، وسماتها المعرفية لدى كل فرد". مؤكدًا أنه "لا يمكن فصل الفلسفة عن تاريخ الفلسفة، مثلما لا يمكن فصل الثقافة عن تاريخ الثقافة. ولا يمكن أن يكون المرء فيلسوفًا، ضمن أكثر المعاني مباشرة وصلة بالموضوع، وأعني بذلك لا يمكن أن يكون له تصور نقدي ومتماسك، من دون أن يمتلك وعيًا بتاريخانية (historicity) هذا التصور، وبمرحلة التطور التي يمثلها، وبحقيقة أنه يناقض تصورات أخرى، أو عناصر اتصورات أخرى".
بينما يدعونا عالم الإجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930 - 2002) في مقاله الموسوم بـ«الذوق الفني ورأس المال الثقافي» (الفصل السادس)، بأن نتذكر أنّ "الثقافة هي ليست ما يكون عليه المرء، بل ما يملكه، أو بالأحرى ما صار يملكه؛ وأن نتذكر أن الظروف الإجتماعية التي تجعل من الخبرة الجمالية ممكنةً، وتمكن من وجود تلك الكينونات – عشاق الفن، أو "أصحاب الذوق" - والتي تكون ممكنة من أجلهم؛ وأن نتذكر أن العمل الفني لا يعطى إلا للذين تلقّوا وسيلة اكتساب وسيلة امتلاكه، والذين لا يستطيعون السعي لحيازته، لو لم يكونوا قد حازوه أصلًا – في ومن خلال حيازة وسيلة الحيازة بوصفها إمكانية فعلية لإحداث أخذ الحيازة".
فيما يدرس المفكر الفرنسي الشهير ميشيل دي سيرتو(1925 – 1986)، في مقاله المعنون «ممارسة الحياة اليومية» (الفصل السابع)، استعمالات الأفراد والجماعات للتمثل الإجتماعي وأنماط السلوك الإجتماعي. مشيرًا إلى أنّ "الكثير من الأعمال البارزة غالبًا، سعت وراء تمثيلات المجتمع من ناحية وأنماط سلوكه من ناحية أخرى". وأنه "بالاعتماد على معرفتنا بهذه الظواهر الإجتماعية، يبدو ممكنًا وضروريًا، في الوقت نفسه أن نحدد الاستعمال الذي تبنّته الجماعات والأفراد لها؛ فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يكون تحليل الصور التي يبثّها التلفزيون (التمثل) والوقت الذي يتم قضاؤه في مشاهدة التلفزيون (السلوك) مكملًا بدراسة لما "يخلقه" المستهلك الثقافي أو "يفعله" أثناء هذا الوقت، وبهذه الصور. والأمر نفسه ينظبق على استعمال الفضاء الحضري والمنتجات التي يتم شراؤها في السوق والقصص والأساطير التي توزّعها الصحف وغيرها".
أما الكاتب السوريالي البريطاني مايكل ريتشاردسون فيسلط الضوء في مقاله «خبرة الثقافة» (الفصل الثامن)، على الكيفية التي ظهرت بها الثقافة، وتجلت في حياة الإنسان، فردًا وجماعات. كما يسلط الضوء على الكيفية التي أثرت فيها السيرورات العالمية على الهوية الثقافية، مبينًا الكيفية التي أضحت فيها الثقافة مفهومًا بارزًا، في الحقول المعرفية الفكرية.
ويركّز ريتشاردسون في مقاله المستمدّ من كتاب حمل نفس عنوان المقال، على الطريق المتعرج الذي سلكته الثقافة؛ لتتمخّض عنها معان عدة، مؤكدًا أنّ "الثقافة" ليست محض شيء، ينتج عن النشاط الإنساني، بل جزء، لا يُجتزأ منه، وهي في حالة جريان مستمرة، ولا يمكن مطلقًا إحكام قبضتنا عليه، بأية صورة كانت. ويشدد على الصورة التي تظهر بها الثقافة، وتتجلى في حياة البشر، وكيف ينجزها الأفراد والجماعات في حياتهم.
أما بيل هوكس، وهي الأستاذة الجامعية والكاتبة الأميركية والباحثة والنسوية السوداء التي ينصبّ عملها على دحر البطرياركية والعنصرية وتحقيق التنوع الثقافي؛ فتطرح في مقالها «ثورة القيم: الوعد بتغيّر متعدد الثقافات» (الفصل التاسع)، آراءها عن الثقافة، بوضوح وقوة. وتستذكر هوكس (مواليد 1952) في مقالها هذا المستمدّ من كتابها «جامع الدراسات الثقافية»، صديقًا أبيض لها أيام الدراسة الثانوية، تعاهدت معه على إحداث تغيير اجتماعي، وكيف أن هذه الصداقة كانت بديلًا عن الحريات التي سنّها البيض الذين تبنّوا التغيير ظاهريًا. فكانت أن تبوّأت في مقتبل عمرها مقعدًا بارزًا، بصفة مفكرة نقدية، لها الكثير من المؤلفات، واحتلت موقعًا متميزًا في حقل "النظرية الثقافية النقدية".
وفي هذا المقال الهام والجريء تطرح سؤالها عن القوى التي أبعدتها عن المضي قدمًا وإحداث ثورة القيم التي تتيح لها، فرصة العيش على نحو مختلف إبّان نضال السود، من أجل التحرر في ستينيات القرن العشرين.
ونتوقف أخيرًا عند مقال «الثقافة في أزمة» لتيري ايغلتون (الفصل العاشر)، مستعرضين رؤية ايغلتون (بريطاني من أصول أيرلندية، مواليد 1943) -وهو أحد أهم الباحثين والكتّاب في النظرية الأدبية، ويعد من أكثر النقاد الأدبيين تأثيرًا بين المعاصرين في بريطانيا -، والتي مفادها أنّ "كلمة «ثقافة» كانت تتأرجح، منذ الستينيات، فوق محورها؛ لتعني - بالضبط - العكس تقريبًا، وتعني - الآن - إثبات هوية محددة - قومية، جنسية، عرقية، إقليمية - بدلًا من التعالي عليها. وطالما أنّ هذه الهويات كلها ترى نفسها واقعة في قبضة الاضطهاد، فإنّ ما بدا – مرة - عالَمًا من الإجماع قد تحوّل إلى منطقة صراع. باختصار، تحولت الثقافة من كونها جزءًا من الحل، إلى جزءٍ من المشكلة؛ فهي ما عادت تعني فضّ النزاع السياسي، وهو بُعد أسمى، أو أعمق، نستطيع - من خلاله - مواجهة أحدنا الآخر، بصفة رفاق في الإنسانية تمامًا، بل صارت جزءًا من معجم الصراع السياسي نفسه. ويكتب إدوارد سعيد: "بعيدًا عن كونها عالمًا هادئًا من التهذيب الأبولوني (Appolloniangentility)، يمكن أن تكون الثقافة ساحة قتال، تصطرع فوقها القضايا تحت أضواء النهار، ويباري أحدها الآخر". وبالنسبة لأشكال السياسة الراديكالية الثلاثة التي هيمنت على جدول الأعمال العالمي خلال العقود القليلة الماضية - القومية الثورية، النسوية، الصراع العرقي - فإنّ الثقافة، بوصفها علامة (sign)، وصورة ذهنية (image) ومعنى، وقيمة، وهوية، وتضامنًا، وتعبيرًا عن الذات، هي المتداولة في الصراع السياسي، وليس بديلها الأولمبي (Olympian). ففي البوسنة، أو بلفاست، ليست الثقافة ما تضعه في جهاز التسجيل، بالضبط، بل هي ما تقتل أنت من أجله. فما تخسره الثقافة في سموّ، تكسبه في التطبيق. وفي هذه الظروف، في أحسنها وأسوئها، لا يمكن أن يكون ثمة شيء أكثر زيفًا من الاتهام القائل إنّ الثقافة بعيدة عن الحياة اليومية، بتعال".
وفي الختام يُشار إلى أنّ صاحبة الكتاب خالدة حامد هي مترجمة وأستاذة في «جامعة بغداد»، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين. وقد صدر لها العديد من الترجمات والكتب الهامة ومنها: «سيرة ت. س. إليوت» بالاشتراك، المجمع الثقافي في الإمارات، أبو ظبي 1998. و«البنيوية والتفكيك»، دار الشؤون الثقافية، بغداد 2000. و«الحلقة النقدية في التأويل والهرمنيوطيقا الفلسفية»، دار الجمل، طبعة أولى – برلين/ بيروت 2007. وطبعة ثانية في العام نفسه عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة. و«عصر الهرمنيوطيقا: أبحاث في فلسفة التأويل»، دار الجمل، برلين/ بيروت 2014. و«في الشعر وترجمته»، دار الجمل، برلين/ بيروت 2014. بالإضافة إلى روايتي «بابيت»، المجمع الثقافي في الإمارات، أبو ظبي 1999، عن. و«قبالة الصحراء»، دار العين، الإمارات 2003.