توصف منظومة الأجور الحكومية في مصر دائماً بأنها “معقدة” حتى أن مستشار وزير التخطيط الحالي قال في حوار تلفزيوني إن خبيراً دولياً حاول دراسة تلك المنظومة ثم توقف عن العمل وغادر البلاد.
ويعود تعقد تلك المنظومة إلى أنها نشأت خارج إطار القانون، فالتشريعات الحاكمة لأجور العاملين المدنيين بالدولة عادة ما تهدف إلى صياغة قواعد واضحة وعادلة في توزيع الرواتب الأساسية بين الموظفين، لكن الأزمات المالية المتعاقبة على الحكومات منذ السبعينيات كانت تقيد يد الدولة عن تطبيق زيادات في تلك الرواتب تواكب ارتفاع تكاليف المعيشة.
وكانت الدولة من جهة أخرى تطلق يد الهيئات الحكومية ذات النفوذ السياسي في تحسين دخول العاملين لديها من خلال أنظمة مميزة في البدلات والمكافأت والحوافز المعروفة بإسم الأجور المتغيرة، وهي الأنظمة غير المعلن عنها في أغلب الأحوال.
وفي العام المالي 2015-2016 كانت الأزمة المالية تتفاقم في مصر، ووقع تحول درامي في ميزانية الأجور الحكومية حيث سجلت معدل نمو متدن للغاية قياساً بمتوسط نمو تلك النفقات منذ بداية سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي في مطلع التسعينيات.
كان قانون الخدمة المدنية الذي أصدره رئيس الجمهورية في مارس 2015 وراء هذه التحولات، والذي جمد عناصر الأجر بدعوى أن الحكومة تستهدف تأسيس نظام جديد للأجور أكثر عدالة، وهو الخطاب الذي سنحاول اختبار مدى مصداقيته في هذا المقال.
في فلسفة العمل الحكومي الاستثناء هو القاعدة
تاريخياً كان الجهاز الإداري للدولة أحد أبرز الجهات التي يُقبل عليها الخريجون الجدد للحصول على وظيفة مستقرة ولها وجاهة اجتماعية، وقبل عام من ثورة يوليو 1952 بدأت الدولة المصرية في توحيد التشريعات المُنظمة لعمل موظفي الدولة لتخرج بالقانون رقم 210 لسنة 1951 (1)، واستهدفت من خلال هذا التشريع أن تقوم سياسات التوظيف على أسس موضوعية بحيث تهدف التعيينات وامتيازات العمالة إلى سد احتياجات الجهاز الإداري للدولة من القوى العاملة، بما يكفل له القيام بوظيفته في إدارة وتطوير مرافق الدولة.
لكن هذا التوجه الإصلاحي كانت تقابله دائماً ضغوط شعبية لتعيين الموظفين وتحديد امتيازاتهم على أساس مستوى شهاداتهم الدراسية، وهو ما وصفته الدولة لاحقاً في وثائقها بسياسة “تسعير المؤهل.”2
وشهد العام 1964 محاولة إصلاحية جديدة مع صدور تشريع جديد، 46 لسنة 1964، والذي ينظم سياسات الإنفاق على موظفي الدولة بطريقة موضوعية، ولكن الحكومة ألحقت بهذا القانون تشريعات استثنائية يتصل بعضها بسياسة تسعير الشهادات الدراسية سواء عند التعيين أو الترقية 3.
ولأن قانون 1964 صدر في سياق حقبة التأميمات الناصرية، والتي كانت فترة تأسيس لنظام اجتماعي جديد استمر مع المصريين لعقود طويلة، لذلك لم يكن غريباً أن يشهد العام الذي صدر فيه هذا القانون الإصلاحي تعهداً من الدولة بجعل سياسة التعيينات في الحكومة على أساس اجتماعي، وذلك بالتزامها بتعيين خريجي الجامعات لدى الدولة والثانوية الفنية والمعاهد العليا، وتم تقنين هذا التعهد في القانون رقم 14 لسنة 1964 4.
وكانت سياسة تعيين الخريجين عنصراً أصيلاً في النظام الاجتماعي الناصري الذي قام على ذراعين رئيسيين الأول التحكم في الأسعار نسبياً عبر آليات مثل سياسة سعر الصرف وإنتاج الدولة للسلع الاستهلاكية والدعم السلعي أو التسعيرة الجبرية والثاني توفير الوظائف لشرائح واسعة من الطبقة المتوسطة في الكيانات التابعة للدولة.
وبطبيعة الحال فإن تعيين الدولة للخريجين في الوظائف بدون اختبار يجعل سياسة التعيينات تتحول لنمط من السياسات التوزيعية الهادفة لكسب الولاء السياسي، أو ما يعرف بالسياسة الرعوية، فقرار التعيين هنا لا يرتبط بالكفاءة بقدر ما يرتبط بإرادة السلطة المركزية، وسنرى لاحقاً كيف تراجعت الدولة تدريجياً عن سياسة التعيينات تحت وطأة الضغوط المالية.
ولكن بالرغم من استغلال ناصر للجهاز الإداري للدولة كأداة لتوفير الوظائف المستقرة على أسس سياسية أكثر منها موضوعية فقد أنهى الرئيس الأسبق آخر عام مالي له في الحكم ومعدلات الإنفاق على الأجور كنسبة من إجمالي نفقات الدولة لا تتجاوز 15%، وهي أقل بنحو 10% عن نسبة الإنفاق في سنة إصدار آخر التشريعات المنظمة للجهاز الإداري للدولة 5.
واعتبر نظام الرئيس السادات، المعروف بميوله الليبرالية على المستوى الاقتصادي، أن إصلاح القطاع الحكومي على رأس أولوياته؛ لذا مرر قانوناً جديداً في 1978 حاول من خلاله ترشيد الإنفاق على الأجور الحكومية.
فقد جاء القانون الجديد لإدارة جهاز الدولة، رقم 47 لسنة 1978،عازماً على إنهاء سياسات تسعير الشهادات، و اعتبر المؤهل الدراسي مجرد شرط من شروط شغل الوظيفة، ووضع شروطاً أخرى إلى جانبه، بديلة عنه، كما اعتبر أن الأجر للوظيفة ذاتها وليس للحصول على مؤهل معين، حيث أغفل القانون الإشارة إلى تقييم المؤهلات الدراسية أو تحديد المستوى المالي لها وذلك حتى يقضي نهائياً على فكرة تسعير الشهادات 6.
ووجه نظام السادات نقداً صريحاً لمنظومة البدلات الناصرية معتبرا أنها باب خلفي لإهدار المال العام، يظهر ذلك بوضوح في حديث رئيس الوزراء ممدوح سالم عن المنظومة الجديدة للبدلات في قانون 1978 بقوله “ تضمنت المادة (42) من المشروع ما يكفل بأن تكون الأحكام الخاصة بالبدلات متفقة مع نظام ترتيب الوظائف مما يجعل تقريرها بالتالي قائماً على أسس موضوعية لا شخصية وهو ما يسمح بمعالجة كافة الحالات على هذه الأسس الموضوعية وبعيداً عن المطالب الشخصية البحتة أو الفئوية – وقد اقتضى ذلك استبعاد ما علق بالأذهان من منح “بدلات طبيعة العمل،” فقد حل محلها نوعان من البدلات التي لها مبررها الموضوعي وهي بدل ظروف أو مخاطر الوظيفة وهذه يمكن تحديدها بوضوح وعلى أسس موضوعية بحتة وكذلك البدلات “الوظيفية” البحتة التي يقتضيها أداء وظائف معينة بذاتها وذلك على النحو الوارد في هذه المادة”7
ولكن التشريع الساداتي الطموح لترشيد سياسات الإنفاق على موظفي الدولة لم يُوقف سياسة التزام الدولة بتعيين الخريجين في جهازها الإداري، ما استطاعت أن تفعله الدولة فقط هو الالتفاف على التعهد الناصري بإطالة أمد فترة سماح ما قبل تعيينات الخريجين، إذ ارتفعت المدة بين التخرج من الجامعة والتعيين سنة 1984 إلى ثلاث سنوات ونصف وفي 1987 إلى خمس سنوات 8.
ومثلما اتجهت الدولة للتراجع عن سياسة الالتزام بالتشغيل فقد تراجعت عن سياسة التحكم في الأسعار، كان التراجع الأخير قد تبلور تحت مظلة اتفاق كبير للدخول في سياسات للتحرر الاقتصادي سنة 1991 مع صندوق النقد والبنك الدوليين.
مبارك والأجور: السياسة تُفسر الاقتصاد
اهتمت العديد من الدراسات بمعضلة الإنفاق على الأجور في عصر مبارك، إذ كانت تلك النفقات تلتهم في كثير من السنوات ما يقرب من ربع الموازنة العامة، في الوقت الذي كانت فيه أعداد السكان تتزايد بوتيرة متسارعة وافتقاد الدولة للموارد التي تنفقها على الاستثمارات العامة لوقف تدهور خدمات عامة مثل التعليم والصحة والمواصلات.
وتأخذ العديد من تلك الدراسات منحى الاقتصاد السياسي عند تفسيرها لموازنة الأجور المباركية، فسامر سليمان يرصد ارتفاع نسبة الإنفاق على الأجور من إجمالي النفقات في عهد مبارك ويربط بينها وبين نجاح الرئيس الأسبق في تخفيض الدعم 9.
ويبني سليمان تحليله لأسباب عدم تكرار انتفاضة 1977 في مواجهة هذا التخفيض التدريجي للدعم في عهد مبارك على عدة عوامل منها أن المحرك الرئيسي للانتفاضة كان العاملين بالدولة الذين كانوا يعانون من الضغوط المعيشية في السبعينيات، وأن هذه الطبقة تم إرضاؤها نسبياً في عهد مبارك عن طريق الحفاظ على معدلات مرتفعة نسبياً من الإنفاق على الأجور.
ويعلق سليمان في هذا السياق بقوله “كانت الرشادة الأمنية تتطلب أن يركز نظام مبارك على تأمين الحد الأدنى من الدخل لبيروقراطية الدولة حتى لو اقتصر تأييدها لذلك النظام على مجرد الدعم السلبي، أي الامتناع عن الخروج عليه.”
ويرصد سليمان ارتفاع نسبة الإنفاق على الأجور من إجمالي النفقات العامة من 17% في بداية عهد مبارك، 1982-1983، إلى 23.4% في 2000-2001.
ووقعت تلك الزيادات تحت نفس القانون الذي وضعه السادات لتنظيم الجهاز الإداري للدولة والسيطرة على الإنفاق عليه عام 1978، حيث استمر القانون قائما حتى العام 2015.
لكن مبارك أصدر تشريعات موازية للقانون لعبت دوراً هاماً في زيادة الأجور على رأسها العلاوة الخاصة التي بدأ العمل بها منذ العام 1987 في إصدار قوانين سنوية تنظمها.
وتمثل تلك العلاوة نسبة زيادة سنوية تحسب من الأجر الأساسي، بمعنى أن علاوة سنوية بنسبة 10% تعني زيادة إجمالي الأجر بقيمة 10% من الأجر الأساسي، وكانت تلك العلاوة تدور في كثير من الأحيان حول نسبة العشرة في المئة، ولكن الميزة الإضافية التي تنطوي عليها تلك العلاوة هي أن قيمتها النقدية يتم ضمها للأجر الأساسي بعد خمس سنوات من إصدارها، وتمثل زيادة الأجر الأساسي انتعاشة كبيرة في أجور الموظفين إذ أن كل الحوافز والعلاوات والبدلات والمكافآت التي تُحسب كنسبة أو كعدد أيام من الأجر الأساسي تزيد قيمتها على الفور.
وتربط كل من ضحى عبد الحميد وليلى البرادعي بين الارتفاع في نسبة العلاوات الخاصة وحاجة مبارك لتأمين الرضى الشعبي في أوقات الانتخابات، فقد بدأت سياسة العلاوات الخاصة مع ثاني استفتاء رئاسي، وفي أول عام للعلاوة الخاصة كانت مرتفعة نسبياً عن باقي الأعوام التي تلتها، عند 20%، وتفسر الباحثتان ذلك بأن السنة التي تم فيها ضم تلك العلاوة، 1992، كانت السنة السابقة على ثالث استفتاء رئاسي، والذي فاز فيه الرئيس بدون منافسة بالطبع. ليس من المبالغة إذن أن نربط بين كون العلاوة الخاصة تتم إضافتها كل خمس سنوات والإلزام الدستوري بالاستفتاء على الرئيس كل ست سنوات.10
وقد شهد معدل التضخم موجات ارتفاع قوية خلال حقبة حكم مبارك، خاصة في منتصف الثمانينيات والتسعينيات، وكان للاقتصاد العالمي وإجراءات التحرر الاقتصادي بالطبع دور بارز في تغذية التضخم في حقبة الرئيس الأسبق، وبحسابات إبراهيم العيسوي فقد كان العائد النهائي على الموظفين الحكوميين من وراء السياسات المباركية هو الخسارة، إذ أن القيمة الحقيقية لأجورهم ومستويات معيشتهم في نهاية التسعينيات كانت تقل تقريباً عن مستويات 1976 -1977 (11). وبالرغم من ذلك استطاع الرئيس السابق أن يضمن درجة من الاستقرار السياسي النسبي طويلة المدى.
ومن المهم في هذا السياق أن نشير إلى أن التقديرات السابقة للعيسوي حول التهام التضخم لزيادات مبارك في الأجور لا تعكس أحوال كل موظفي الحكومة تحت حكم الرئيس الأسبق، فالاقتراب أكثر من بيانات أجور الموظفين يُظهر أن قطاعات واسعة منهم كانت بالفعل تعيش تحت ضغوط اقتصادية، و قطاعات أخرى كانت تتمتع بامتيازات كبيرة، فمن هي الفئات المحظوظة في الحكومة؟
إذا حاولنا أن نجيب على السؤال السابق بالاعتماد على نصوص قانون عام 1978 سنقول بالطبع إن الأكثر كفاءة واجتهاداً في العمل هم المحظيون بالدخول الأكبر، لكن الواقع العملي يقول إن سياسة الأجور تحت حكم مبارك كانت امتداداً لسياسات الأجور المستمرة منذ ثورة يوليو، والقائمة على قوة نفوذ الموظفين وليس قيمة الخدمة المقدمة من قبلهم، بمعنى آخر فقرار تحديد ميزانية الأجور ظل لأكثر من خمسة عقود من حكم دولة يوليو تحدده السياسة وليس الاقتصاد، ربما توسع ناصر في سياسة التعيينات لكسب ولاء الجماهير وسعى السادات ومبارك للسيطرة على تلك السياسة تحت وطأة الأزمة المالية، لكن فلسفة الأجور ظلت واحدة، وهو ما سنشرحه بالتفصيل في الفقرة التالية.
35 جنيه تفجر أزمة سياسية
بعد نحو سبعة أعوام من حكم مبارك كان ناجي رشاد قد بدأ عمله في شركة مطاحن جنوب القاهرة والجيزة التابعة للدولة، وقبل عامين من خلع الرئيس السابق بثورة شعبية تقدم رشاد لمحكمة مجلس الدولة بدعوى قضائية يشكو فيها من عدم زيادة أجره بالمعدلات الكافية لمواجهة ضغوط المعيشة، حيث أن إيجار منزله فقط يستحوذ على نحو 60% من راتبه الأساسي.
لم يكن رشاد خاضعاً للقانون المنظم للجهاز الإداري للدولة، فوقت تقديم تلك الدعوى كان القطاع الصناعي التابع للدولة ينظمه قانون منفصل صدر مع بدء الدولة في الشروع في الخصخصة عام 1991 تحت اسم قانون شركات قطاع الأعمال العام.
لكن قطاعات واسعة من العاملين علقت آمالها على تلك الدعوى التي طعنت في عدم تحديد المجلس القومي للأجور حد أدنى للأجور على المستوى القومي، وفقا لأحكام قانون العمل. وهو ما جعل تلك القضية تجدد الجدل حول تدني مستويات الأجور في مصر بصفة عامة.
ووفقاً لجداول المرتبات الخاصة بالعاملين بالجهاز الإداري للدولة فبداية مربوط أدنى درجات السلم الوظيفي، السادسة، هي 35 جنيه، وهو ما اعتبره الرأي العام وقت تداول دعوى ناجي رشاد بمثابة الحد الأدنى الرسمي للأجور، وهو مبلغ متدني للغاية بالنسبة لمستويات الأسعار آنذاك.
وبالفعل انحازت المحكمة للدعوى وألزمت في مارس 2010 المجلس القومي للأجور بتحديد حد أدنى على المستوى القومي، وفي ذات العام بعد نحو سبعة أشهر من صدور الحكم أعلن المجلس عن توافق بين العمال وأصحاب العمل على حد أدنى قومي بواقع 400 جنيه شهرياً، وربطت تحليلات صحفية بين صدور هذا القرار وانتخابات البرلمان التي كان البعض يعتبر أنها تمهد لدعم نجل مبارك للوصول للرئاسة.12
لاشك أن الرقم الإجمالي للأجور وقت مبارك كان يستحوذ على نسبة مهمة من إجمالي نفقات الموازنة العامة، لكن توزيع هذا المبلغ الإجمالي كان يتم بصورة متفاوتة بين قطاعات الموظفين، فهناك قطاعات كانت تعاني من غلاء المعيشة وأخرى متميزة للغاية. صحيح أن كل العاملين بالجهاز الإداري يخضعون لجداول المرتبات الملحقة بالقانون 47 لسنة 1978، وهو الجدول المعد بحيث يضمن للموظف تدرج قيمة راتبه وفقاً لتطور أدائه في العمل، بحيث تحقق المساواة في المعاملة بين موظفي الدولة وتكون زيادة الأجر مبنية فقط على ترقي الموظف وتحسن أدائه الوظيفي. لكن الرواتب الواردة في القانون هي الرواتب الأساسية، ويفتح القانون الباب، مثل القوانين التي سبقته، لعناصر أخرى تضاف لأجر الموظف وتعرف باسم “الأجر المتغير” وهو المجال الذي يظهر فيه التفاوت بوضوح بين جهة وأخرى. والغرض التشريعي من الأجور المتغيرة هو أن توفر للجهات الحكومية قدراً من المرونة في تقديم أجور إضافية للعناصر المتميزة في العمل، فقد يتطلب الأمر أن يقدم رئيس الهيئة حافز تشجيعي للموظفين أو بدل ضروري لمهمة عمل يكلفهم بها أو مكافأة في المواسم مثل الأعياد وبداية العام الدراسي، وفي كثير من الأحيان يتم تحديد تلك الأجور المتغيرة بقرار لا مركزي من رئيس الهيئة بالتنسيق مع الحكومة لضمان وجود مخصصات لتلك الأجور في الموازنة العامة.
لكن عملياً لم تكن عملية توزيع الأجور المتغيرة تحت حكم مبارك تتم بالصورة العقلانية التي يقدمها لنا القانون، فالأجر المرتفع لا يرتبط فقط بمدى اجتهاد الموظف أو استحقاقه لحافز تشجيعي، بل يوجد تفاوت واضح وفج للغاية في الأجور المتغيرة بين جهة وأخرى تبعا لتأثير نفوذ كل جهة أو قدرتها على تنظيم الاحتجاج على تحديد قيمة الأجور المتغيرة للعاملين لديها. ويعبر التفاوت في الأجور المتغيرة عن الفلسفة الحقيقية لتوزيع الأجور في أجهزة الدولة التي انتهى إليها القانون 47 لسنة 1978 بالرغم من النوايا الإصلاحية الطموحة التي بدأ بها. ونستطيع أن نلخص العناصر المؤثرة فعلياً في سياسات توزيع الأجور في ثلاثة عناصر:
1- تتمتع الجهات المولدة للإيرادات للدولة، ومن أبرزها الضرائب، بنظم بحوافز متميزة للغاية في مقابل العاملين في جهات ذات طابع بيروقراطي مثل المديريات التابعة للوزارات على سبيل المثال.
2- هذا بجانب أن العاملين لدى الدولة لا يجمعهم تشريع واحد، كما أشرنا سابقاً، لذا قد تتمتع بعض القطاعات بمعاملة أجرية متميزة من خلال تشريعات أخرى غير القانون الحاكم للعاملين المدنيين لدى الدولة. وقد جمع القانون 32 لسنة 1983،الصادر بتعديل بعض أحكام القانون 43 لسنة 1980 فئات العاملين تحت مسمى “الكادرات الخاصة” والتي تعد معظمها من الجهات الأمنية أو القضائية، إذ يشمل القانون تحت مظلته عاملين في جهات قضائية ودبلوماسية وأكاديميين وعاملين في جهاز المخابرات وهيئة الرقابة الإدارية والمناجم والمحاجر، وسنقدم لاحقاً أمثلة على أوجه التميز الأجري الذي تتمتع به بعض تلك الفئات.
3- وأخيراً، فقد نجحت لاحقاً جهات تتسم بكثافة العمالة مثل المعلمين أو القدرة العالية على التنظيم مثل الأطباء في الحصول على حوافز مميزة في الأجور أيضاً.
وشهدت السنوات الأخيرة لمبارك تغيرات مهمة في منظومة الأجور الحكومية، كانت بمثابة رد فعل لارتفاع التضخم وما صحبه من ضغوط اقتصادية على العمال.
خلال العام المالي 2007-2008 أصدر الرئيس مبارك أكبر علاوة خاصة في تاريخ تلك العلاوات التي بدأها في الثمانينيات، بنسبة 30%، وكان ذلك بالطبع مقترناً بحالة السخط من زيادة أسعار بنود الطاقة،13 بالإضافة للضغوط الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع معدلات التضخم مع بدء الاقتصاد في الدخول في مسار طويل من تباطؤ النمو.
كما اتجه مبارك في نفس السنة لزيادة دخول العاملين في وحدات الإدارة المحلية بمنحهم حافز إثابة إضافي شهري بنسبة 50% من المرتبات الأساسية، بشرط أن لا يكون العاملين المتمتعين بهذا الحافز ممن يحصلون على مكافآت أو حوافز جهود غير عادية تزيد عن نسبة 25% من رواتبهم الأساسية،بما يرفع من إجمالي الحوافز إلى 75%، أي أن القرار كان يستهدف بالأساس العاملين ترقية دخول العاملين الذين يتقاضون أجورا متغيرة ضئيلة القيمة.
ونحتاج أن نتوقف قليلاً أمام حافز الإثابة المشار إليه، فهو لم يكن أول محاولة لتقليل التفاوت في الدخول المتغيرة، ففي عام 1998 كانت الدولة قد منحت قطاعات واسعة من العاملين لديها مكافأة تعادل الفرق بين ما يعادل 25% من أجرهم الأساسي وما يتقاضونه فعلاً.14
يعكس هذان القراران استشعار الدولة أن النمط اللامركزي في تحديد الأجور المتغيرة، عبر سلطات رؤساء الهيئات والمصالح في إقرار حوافز ومكافآت للعاملين، كان يفاقم من التفاوت في مستويات الدخول بالقطاع الحكومي، وكانت تسعى كل فترة لعلاج ذلك عبر قرارات مركزية.
واستمرت تلك السياسة بعد خلع مبارك، ففي سياق ثورة يناير 2011 ضغط العمال بقوة لتطبيق حد أدنى للأجر يتناسب مع مستويات المعيشة اللائقة للأسر، وفي محاولة للتجاوب مع تلك الضغوط سنت الدولة حافز إثابة إضافي يهدف إلى جعل ما يتقاضاه العاملون من مكافآت دورية أو سنوية أو حوافز أو مقابل عن جهود غير عادية أو بدلات أو غير ذلك لا يقل عن 200% من المرتب الأساسي 15.
وفي مطلع عام 2014، وهو العام الذي سيشهد موسمه الصيفي انتخاب أول رئيس للجمهورية بعد أحداث الثلاثين من يونيو الدامية، قررت الحكومة الانتقالية آنذاك قطع خطوة رابعة لتحقيق قدر من المساواة في الأجور المتغيرة عبر ما يعرف بعلاوة الحد الأدنى. وتقضي علاوة الحد الأدنى بسد الفرق بين ما يحصل عليه العاملون من مكافآت وبدلات نقدية وبين ما يعادل نسبة 400% من الرواتب الأساسية، بحيث يصبح الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه 16.
وهكذا تحقق أحد أبرز المطالب الشعبية وقت الثورة على مبارك إلى حقيقة واقعية، لكن الأيام التالية لعلاوة الحد الأدنى ستبرهن على أن الدولة كانت لا تزال مستمرة في سياسة مبارك، إذ كانت تلك الزيادة في الأجر مقدمة لتقليص كبير في الدعم، ولكن تراجع الدولة عن الدعم هذه المرة سيقترن بتقشف في الإنفاق على الأجور والذي سيتم تحت مظلة قانون الخدمة المدنية.
ماذا حدث للأجور بعد مارس 2015؟
شهد شهر مارس من عام 2015 عدداً من الأحداث المهمة على المستوى الاقتصادي، فقد كانت البلاد تستعد لتنظيم مؤتمر دولي روجت له كثيراً يهدف لجذب الاستثمار الأجنبي، وقد أعلنت خلاله عن صفقات ضخمة لمشروعات في البنية الأساسية مع شركات دولية.
ولم تكن التطورات الجارية على المستوى التشريعي في شهر مارس بعيدة عن أجواء المؤتمر الاقتصادي، إذ أصدر الرئيس، الذي كان يستحوذ على السلطة التشريعية آنذاك لحين إنشاء البرلمان، قانوناً قدم حزمة من الحوافز للمستثمرين، وأصدر في ذات الشهر قانون الخدمة المدنية بديلاً عن القانون 47 لسنة 1978.
ولم يلق قانون الخدمة المدنية معارضة ذات شأن من النقابات الممثلة للعاملين بالحكومة وقت صدوره، لكن مع البدء في تفعيل الإجراءات المالية الخاصة بالقانون في صيف 2015 ظهرت بوادر تلك المعارضة والتي تجسدت في تظاهرة عمالية كبيرة أمام نقابة الصحفيين بعد نحو شهر من بداية العام المالي الجديد 17.
خرجت تلك التظاهرات كرد فعل على النظام الجديد للأجور الذي أقرته موازنة العام المالي 2015 -2016، والذي حول الأجور المتغيرة، التي كانت تصرف كنسبة من الأجر الأساسي، إلى مبلغ مالي مقطوع، أي أنه عمليا جمد الزيادة التي كانت تساهم بها تلك الأجور المتغيرة في رواتب الموظفين 18.
وقبل هذا القانون كانت الحوافز والبدلات وغيرها من الأجور المتغيرة تحسب في بعض الأحيان كنسبة من الأجر الأساسي، ومع الزيادة السنوية في الأجر الأساسي كانت القيمة النقدية لتلك الأجور المتغيرة تزيد هي الأخرى، لكن قانون موازنة 2015 -2016 سيجعل تلك الأجور محسوبة، إلى الأبد، على أساسي 30 يونيو 2015.
وفي هذه السنة المالية تم تعديل مفردات مرتبات الموظفين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية لتصبح مقسمة إلى أجر وظيفي وأجر مكمل بدلا من أجر أساسي وأجر متغير. وعرفت وزارة المالية الأجر الوظيفي بأنه يشمل الأجر الأساسي حتى 30 يونيو 2015، 100% من الأجر الأساسي، العلاوات الخاصة المضمومة وغير المضمومة، ما حصل عليه الموظف من علاوات تشجيعية ودورية حتى هذا التاريخ والحد الأقصى لعلاوة الحد الأدنى، بالإضافة إلى العلاوة الاجتماعية ومنحة عيد العمال، تبلغ قيمة كل واحدة منهما 10 جنيهات 19.
أما الأجر المكمل فهو باقي ما يحصل عليه الموظف من مزايا مالية بعد تحويلها إلى مبالغ مالية مقطوعة، أي ليس كنسبة أو عدد أيام من الأجر الأساسي - الوظيفي. وفي هذا السياق نستطيع بالطبع أن نتفهم لماذا تصدر العاملون في الضرائب احتجاجات أغسطس 2015، إذ أن تحويل الأجور المتغيرة من نسبة إلى مبلغ مقطوع كان يعني أن الحوافز التي يتميز بها موظفون مثل موظفي الضرائب كنسبة مرتفعة من الأجر الأساسي قد تجمد نموها للأبد.
ويظهر تأثير تجميد الأجور المتغيرة بشكل واضح على معدل نمو إجمالي الإنفاق على الباب الأول لموازنة 2015 -2016، الذي يشمل الأجور وتعويضات العاملين، والذي بلغ 8.6% 20، في مقابل متوسط للنمو السنوي منذ مطلع التسعينيات بلغ 15%.21
وساهمت الضغوط العمالية في دفع البرلمان فور تشكيله للتصويت على إلغاء قانون الرئيس، لكن موازنة 2016 -2017 استمرت في تطبيق مبدأ الموازنة السابقة بتجميد الأجور المتغيرة بالرغم من أن الموافقة المبدئية على النسخة الجديدة من قانون الخدمة المدنية، 81 لسنة 2016، كانت بعد بداية العام المالي 2016 - 2017 (22).
وجاءت موازنة 2016 -2017 بمعدل نمو للأجور أكثر تدنياً من سابقه، عند 4.8%.
وبررت الحكومة تجميد الأجور المتغيرة بأنها تسعى إلى تقريب الفوارق في دخول الموظفين وإعادة هيكلة سياسة الأجور على أسس أكثر عدالة، حيث قال وزير التخطيط أشرف العربي: إن أي حوافز جديدة سيتم إقرارها بعد هذا القانون ستُمنح على أساس مساهمة الجهة في الإيرادات العامة أو الخبرات الوظيفية النادرة أو العمل في المناطق النائية 23.
وكانت تلك التصريحات بمثابة تأكيد من الحكومة على أن سياسة الحوافز كنسبة من الأجر الأساسي (الوظيفي) لم تنته للأبد، ولكن سيتم تخصيصها على أسس جديدة تصب في مسار تحسين الخدمة العامة ولا ترتبط بنفوذ كل جهة حكومية.
ووفقاً للخطاب الحكومة فإن سياسة الأجور الجديدة ستكون في إطار مستهدفات القانون الذي اعتبر في مادته الأولى إن "الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة، وهي تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب" 24 أي أن توزيع الإنفاق على الأجور الحكومية مرتبط بأداء الموظف في الخدمة العامة وليس نفوذه وقوة تأثيره.
وصاحب إصدار النسخة الأولى من الخدمة المدنية تصريحات صحفية من الحكومة تنتقد فيها حصول فئات من الدولة على نسب مرتفعة من الحوافز، وتعبر عن انحيازها للأدنى دخلاً داخل الحكومة، حيث يقول رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة "ما كان يحدث أن كل وحدة إدارية كانت تقرر لنفسها البدلات والحوافز منعزلة عن باقي الوحدات الأخرى. وكانت السلطة المختصة تصدر قراراً بالحوافز بعد موافقة وزارة المالية.. فكانت بعض الوحدات تحصل على حوافز تصل إلى 1600٪ ووحدات أخرى لا تزيد عن 200٪ ووفقاً لهذا القانون فإن الدولة تهدف إلى رفع العاملين الذين يحصلون على 200٪ كحوافز ليقتربوا من الذين يحصلون على حافز 1600٪ وذلك تدريجياَ. وفي نفس الوقت فإن من كان يحصل على 1600٪ فإنه لن يقف عند ذلك وإنما سوف يتم زيادته ولكن ليس بالنسبة السابقة."25
لكن الحكومة لم تفصح بشكل مفصل عمن هي الفئات التي تحصل على تلك الحوافز المرتفعة، وإن كانت ستخضع لقانون الخدمة المدنية أم أنه لا ينطبق عليها، وهل سيتم فعلاً إقرار نظام أجور متغيرة جديدة لها بحوافز أقل أم أن نفوذها سيساعدها على الضغط من جديد للحصول على معاملة أجرية متميزة. بل إن ما تؤكده تصريحات وزير التخطيط التي أشرنا لها هو أن سياسة الأجور الجديدة ستكون منحازة، مثل سابقتها، للجهات المولدة للإيرادات العامة والتي لا تقدم خدمة مباشرة للمواطنين.
وفي نفس السياق يتحدث مستشار وزير التخطيط، طارق الحصري، في حوار تلفزيوني عن قانون الخدمة المدنية مؤكداً على أن الهدف الرئيسي من تعيين موظفي الدولة هو تقديم الخدمات للمواطنين، ثم يشير إلى استمرار المعاملة المالية المتميزة للجهات المولدة للإيرادات السيادية مبرراً ذلك بأن تلك الجهات اكتسبت هذه الوضعية ولا تستطيع الحكومة انتزاعها منها 26.
وبغض النظر عن وضع الأجور المتغيرة بعد إقرار التشريع الجديد فقد اشتملت النسخة الأخيرة من قانون الخدمة المدنية، 81 لسنة 2016، على علاوة سنوية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، بعد أن توقفت الدولة عن سياسة العلاوة الخاصة منذ العام 201، وتعتبر الحكومة أن علاوة القانون الجديد تعد تعويضاً معقولاً للموظفين بالنظر إلى أن الأجر الوظيفي المحسوبة على أساسه أكبر من الأجر الأساسي تحت القانون 47 لسنة 1978، كما أن قانون الخدمة المدنية في نسخته الأخيرة نص على ضم العلاوات الواردة في التشريع للأجر الوظيفي ولكن لم يحدد توقيتاً زمنياً لذلك 27.
وتعد تلك العلاوة بمثابة انتصار للحركة النقابية التي احتجت على النسخة الأولى من القانون والذي كان مقرراً فيه علاوة سنوية بنسبة 5% فقط.
وقد اتجهت الحكومة بالفعل لصرف علاوة الـ7% بأثر رجعي خلال العام المالي 2016 -2017 (28).
وبصفة عامة فإن اختبار مصداقية الخطاب الحكومي حول قانون الخدمة المدنية، وان كانت نواياه هي إعادة هيكلة سياسة الأجور لتحقيق خدمة مدنية أفضل أم مجرد تقليص للإنفاق العام مع الإبقاء على فلسفة الأجور السابقة القائمة على نفوذ كل جهة، فإن هذا الاختبار يمكن أن يتم عبر مسارين الأول تحليل البيانات الكلية للأجور في موازنة العام 2016 -2017، والثاني محاولة إلقاء الضوء على قطاعات من الموظفين وتتبع تطور مفردات أجورهم قبل وبعد القانون، وهو ما سنقوم به في الفقرات التالية من الدراسة.
على من ينطبق قانون الخدمة المدنية؟
لم يتغير تعريف قانون الخدمة المدنية للفئات الخاضعة له بين نسختيه في 2015 و 2016، حيث شمل الوزارات ومصالحها والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، ما لم تنص قوانين أو قرارات إنشائها على ما يخالف ذلك 29. وهو التعريف الذي يُخرج، بطبيعة الحال، قطاعات كبيرة من العاملين لدى الدولة من ولاية هذا القانون، ولكن ما هو التقدير الكمي لهذه القطاعات؟
كانت وزارة التخطيط قد قدمت إجابة بها شيء من التفصيل حول الفئات المستهدفة بقانون الخدمة المدنية في بيان رسمي وجهته لمجلس الشعب، والذي قالت فيه إن المادة الأولى من قانون الخدمة المدنية لم تُدخل تعديلاً على الفئات الخاضعة للتشريعات المنظمة للعاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة عبر تاريخ التشريعات المنظمة لهذا القطاع.
وأوضحت الوزارة في هذا السياق أن الهيئات العامة التي لديها لائحة خاصة لا تخضع لهذا القانون، مثل هيئة قناة السويس وهيئة السكة الحديد وهيئتي النقل العام بالقاهرة والإسكندرية واتحاد الإذاعة والتلفزيون 30.
وفي توضيح آخر من التخطيط للبرلمان قالت الوزارة إن العاملين بكادرات خاصة، مثل أعضاء هيئات التدريس والقضاة، لا يخضعون للقانون 31. وفي هذا السياق أيضاً من المهم أن نشير إلى أن بعض التشريعات تساهم في إعطاء وضعية مالية خاصة لبعض العاملين لدى الدولة مثل المعلمين الذين عدلت لهم الدولة قانون التعليم في سنة 2007 لكي تمنحهم بدلات خاصة تحسن من دخولهم. هذا علاوة على أن غير المدنيين غير مخاطبين بالأساس بهذا القانون.
ولا توفر لنا تلك المعلومات المتفرقة رقماً رسمياً من الدولة بعدد الموظفين الخاضعين للمعاملة المالية في قانون الخدمة المدنية، لكن لا شك أن عدم خضوع الهيئات ذات اللائحة الخاصة والكادرات الخاصة يقلل من الآثار المتوقعة لأي إصلاح في منظومة الأجور يتم التعويل عليه من وراء هذا القانون.
ونستطيع أن نستعين ببعض البيانات الحكومية التي تعطينا مؤشرات مبدئية عن تصنيف العاملين بالدولة، ومن هذه البيانات توزيع الوظائف المشغولة بالجهاز الحكومي وفقا لنوع الكادر، والذي يُظهر أن نحو 4% من تلك الوظائف تخضع للوائح خاصة ونحو 16% منها تعد من الكوادر الخاصة 32.
فيما تُظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن أكبر عدد من العمالة الحكومية في الهيئات الاقتصادية تقع في قطاع النقل والمواصلات 47.9% (وهو مؤشر مهم بالنظر إلى تصريحات الحكومة حول عدم خضوع عمال هيئتي النقل بالقاهرة والإسكندرية) وأكبر عدد من العاملين في الجهاز الإداري والإدارة المحلية والهيئات الخدمية هم من العاملين في قطاع التعليم بنسبة 36.1% (وهو مؤشر مهم أيضاً بالنظر إلى المعاملة المالية الخاصة للمعلمين وفقا لقانون الكادر).33
ويصعب الخروج من تلك البيانات بتقديرات محددة عن الفئات التي ستخضع أو لن تخضع للمعاملة المالية لقانون الخدمة المدنية نظرا لتعقد البنية التشريعية المنظمة للعاملين بالدولة.
الموازنة تكشف ملامح الأجور تحت الخدمة المدنية
وفقا للبيانات الإجمالية لموازنة العامة فإن أعمال الأمن والقضاء يأتيان على رأس أولويات الدولة في الإنفاق على الأجور في عام 2016-2017، حيث يحظى قطاع النظام العام وشئون السلامة العامة بأكبر معدل في زيادة الأجور. ويضم هذا القطاع وزارات الداخلية، والعدل، ومصلحة السجون، والمحكمة الدستورية، وهيئة قضايا الدولة، ودار الافتاء، وصندوق تطوير نظام الأحوال المدنية والهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقاري. والتي زادت أجورها بنحو 5 مليارات جنيه 34. أما أجور العاملين في قطاع التعليم فسجلت نصف هذه الزيادة تقريبا، بنحو 2.4 مليار جنيه، وبنسبة زيادة لا تتجاوز 3%.
وبتحليل بيانات الباب الأول على مستوى الجهات الحكومية، التقسيم الوظيفي للموازنة، سنصل إلى نفس الاستنتاج تقريباً، حيث يأتي على رأس الجهات التي تتمتع بميزانيات أجور كبرى وحققت نمواً مرتفعاً جهات ترتبط بالإيرادات السيادية أو الشرطة أو القضاء. وتعكس تلك البيانات الوزن النسبي الكبير لجهات لا تندرج تحت طائلة قانون الخدمة المدنية مثل الكادرات الخاصة. بينما سجلت بعض الأجهزة الإدارية بالدولة نمواً طفيفاً مقارنة بالعام 2015-2016.
هوامش:
1. ممدوح سالم، المذكرة الإيضاحية للقانون 47 لسنة 1978
2. نفس المصدر
3. نفس المصدر
Ragui Assaad - the effects of public sector hiring and compensation policies on the.4 Egyptian labor market- Economic research forum-1995
5. بلغت نسبة الإنفاق على الأجور من إجمالي النفقات في موازنة 2015 -2016 نحو 26%.
6 صلاح الدين غريب، تقرير لجنة القوى العاملة بشأن إصدار قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978
7 ممدوح سالم، المذكرة الإيضاحية للقانون 47 لسنة 1978
Ragui Assaad- The effects of public sector hiring and compensation policies on the.8 Egyptian labor market- Economic research forum- 1995
9. المصدر السابق
Doha Abdelhamid and Laila El Baradei - REFORMING THE PAY SYSTEM.10 FORGOVERNMENT EMPLOYEES IN EGYPT- 2009
11. نفس المصدر
12. المجلس القومي للأجور في مصر يقر زيادة الحد الأدنى للأجور، رويترز،أكتوبر 2010
13. بيسان كساب، أربع حقائق تبريء الأجور من الأزمة المالية للدولة، مدى مصر، 2016
14. قرار مجلس الوزراء 4249 لسنة 1998 بشأن منح العاملين المدنيين بالدولة مكافأة شهرية تعادل الفرق بين نسبة 25% من الأجر الأساسي الشهري وما يتقاضونه فعلا من حوافز أقل.
15. القانون رقم 51 لسنة 2011 بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2011 -2012 وتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل.
16. قرار رئيس مجلس الوزراء 22 لسنة 2014
17. مني ضياء، محمد السيد، هاني الحوتي، أسماء زيدان، عمرو حجاج، "بالفيديو آلاف الموظفين يتظاهرون أمام نقابة الصحفيين احتجاجا على قانون الخدمة المدنية"،اليوم السابع، أغسطس 2015،
18. قانون ربط الموازنة العامة لسنة 2016 -2017، المادة 15
19. منشور عام وزارة المالية رقم 6، يوليو 2015
20. حسابات الباحث من بيانات البيان المالي للموازنة العامة للعام 2016 -2017
21. حسابات الباحث من الحسابات الختامية للفترة من 1991-1992 إلى 2013 -2014
22. مجلس النواب يوافق على الخدمة المدنية،برلماني، يوليو 2017
23. محمد جاد، العربي: من المستحيل أن يتسبب الخدمة المدنية في تخفيض أجر أي موظف، أصوات مصرية، أغسطس 2015
24. قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، الباب الأول، المادة الأولى
25. صالح الصالحي، المستشار محمد جميل رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في حوار خاص للأخبار، مايو 2016
26. حوار إبراهيم عيسى في برنامج 25-30 مع طارق الحصري، يوليو 2015
27. مادة 40 من قانون 81 لسنة 2016
28. أحمد يعقوب، المالية: صرف راتب نوفمبر بعلاوة نسبتها 35% تراكمية عن خمسة أشهر، اليوم السابع، 7 نوفمبر 2016
29. قانون الخدمة المدنية 81 لسنة 2016، المادة الأولى
30. تعرف على أسماء الجهات وعدد العاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، إنفراد، مايو 2016
31. محمد رضا، زكي القاضي، حصري رد الحكومة على الخدمة المدنية، برلماني، يناير 2016
32. الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، دراسة تحليلية للوظائف الممولة المشغولة والخالية) بالقطاع الحكومي لموازنة العام 2015 -2016
33. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، النشرة السنوية لإحصاء العاملين بالحكومة والقطاع العام، الأعمال العام، 2014
34. البيان التحليلي لموازنة العام المالي 2016 -2017