عادت مسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة إلى صدارة الحدث الفلسطيني، بعدما أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، خلال الحملة الانتخابية، نيّته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، باعتبارها "العاصمة الموحدة لإسرائيل"، وهو أمر أكّده مستشاروه بعد إعلان فوزه في الانتخابات وتشكيل طاقم إدارته.
وهذا التحول في السياسة الأميركية إزاء مسألة نقل السفارة إلى القدس ـ والتي إن كان الحديث قد جرى عنها في فترات سابقة وتداولها الكونغرس الأميركي غير مرة، إلاّ إن أي رئيس أميركي سابق لم يجرؤ على اتخاذ قرار بنقلها ـ دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى إعلان نيّته إلغاء اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وبالتالي الإجهاز تماماً على اتفاق أوسلو والتسوية السياسية التي نتجت منه، وسط تحذيرات أوروبية من خطورة نقل السفارة الأميركية على عملية السلام برمّتها، وخصوصاً خلال المؤتمر الدولي للسلام الذي عُقد في باريس في 15 كانون الثاني / يناير الماضي، بدعوة من فرنسا.
ملخص تنفيذي
تُعتبر القدس إحدى أصعب قضايا مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين وإسرائيل. ومما ضاعف هذه القضية تعقيداً، الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، والادعاءات أن الموقع المرتقب لهذه السفارة هو ملك للاجئين الفلسطينيين صادرته إسرائيل منذ سنة 1948.
وقد قامت جماعة من الفلسطينيين بجمع الأدلة التي تثبت الملكية الفلسطينية لهذا الموقع الذي تبلغ مساحته نحو 31,250م2 (7,7 إكرات) ـ وهو موضوع هذا البحث ـ من محفوظات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين (UNCCP) في نيويورك، ومن مكتب السجلات العامة (PRO) في لندن، ووزارة الخارجية الأميركية، وبلدية القدس، وسجل ملكية الأراضي (الطابو)، ووزارة العدل الإسرائيلية، ومن ورثة الملاّك الأصليين. وقد استغرق هذا البحث ستة أعوام، وساهم فيه نحو 40 شخصاً. وشكّل تعذُّر معاينة المسّاحين لهذا الموقع، وقيام إسرائيل بإعادة تقسيم وترسيم قطعة الأرض المشار إليها، عوائق واجهها هذا البحث. وعلى الرغم من ذلك، فقد توصل إلى أدلة تثبت أن 70%، على الأقل، من مساحة هذا الموقع هي أملاك خاصة للاجئين، يبلغ نصيب الأوقاف الإسلامية فيها أكثر من ثلثها. وفي 15 أيار / مايو 1948، وهو آخر أيام الانتداب، كان يملك هذا الموقع 76 فلسطينياً.
وفي 28 تشرين الأول / أكتوبر 1999، وجّهت اللجنة الأميركية من أجل القدس (ACJ) رسالة إلى وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين أولبرايت، ضمّنتها خلاصة نتائج هذا البحث، وطلبت عقد اجتماع لعرض هذه النتائج ومناقشتها مع وزارة الخارجية. ولم يصل رد وزارة الخارجية على هذه الرسالة قبل 28 كانون الأول / ديسمبر. وجاء فيه أن على جماعة البحث أن ترسل كل ما لديها من معلومات إلى وزارة الخارجية ليتم "حفظها في الملفات".
وبناء على خطورة قضية السفارة وانعكاساتها على عملية السلام وعلى صدقية الولايات المتحدة، ونتيجة المراسلة مع وزارة الخارجية، شعرت اللجنة الأميركية من أجل القدس بأن البديل الوحيد أمامها هو النشر العلني.
دعا قرار التقسيم، الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947، إلى قيام دولة يهودية ودولة فلسطينية ومنطقة منفصلة خاصة بالقدس ومحيطها تكون تحت وصاية الأمم المتحدة. ولا تشكّل هذه المنطقة جزءاً من الدولة اليهودية أو من الدولة الفلسطينية. وقد اشترطت مجموعة دول أميركا اللاتينية ـ وكانت تشكّل أكبر كتلة من الأعضاء في الجمعية العامة في ذلك الوقت ـ كي توافق على تقسيم فلسطين (أي، بكلمة أُخرى، كي توافق على قيام دولة يهودية في فلسطين)، ألاّ تكون هذه المنطقة المنفصلة الخاصة بالقدس جزءاً من الدولة اليهودية أو من الدولة الفلسطينية. وقد تجاوزت حدود هذه المنطقة حدود بلدية القدس أيام الانتداب، وبلغ عدد سكانها 100,000 يهودي و105,000 فلسطيني. أمّا الملكية العقارية اليهودية ضمن حدود هذه المنطقة فبلغت 6,6% 1. ولم يتجاوز مجموع الملكية العقارية اليهودية في القدس، ضمن حدود بلديتها أيام الانتداب، 24%. وبسبب القتال الذي نشب في الأشهر الأخيرة من عهد الانتداب، نجحت القوات اليهودية في الاستيلاء على 84,13% من القدس بحدودها البلدية الانتدابية ـ وهي ما صارت تُعرف بالقدس الغربية. وقد قاربت نسبة الملكية العقارية اليهودية فيها 30%. 2
وما تبقّى من القدس في أيدي العرب ـ القدس الشرقية ـ يشكل نسبة 11,48% من القدس بحدودها البلدية الانتدابية. أمّا القسم الأخير الذي تبلغ نسبته 4,39% من المجموع العام فشكّل المنطقة المجردة من السلاح بين هذين القسمين طوال الفترة الممتدة من سنة 1949 إلى سنة 1967، أي الفترة ما بين اتفاقية الهدنة الأردنية ـ الإسرائيلية واحتلال القدس الشرقية في حرب حزيران / يونيو 1967. 3
أمّا بالنسبة إلى سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالقدس خلال الفترة 1949 ـ 1967، فقد تبدلت من دعم المنطقة المنفصلة الخاصة بالقدس تحت وصاية الأمم المتحدة إلى القبول بالأمر الواقع بتقسيم القدس إلى قطاع غربي تحتله إسرائيل، وإلى قطاع شرقي يخضع للأردن. غير أنه تجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تُصدر أي اعتراف رسمي بسيادة أي من هاتين الدولتين على الجزء الذي تحتله.
بعد حرب 1967، سرعان ما قامت إسرائيل بتوسيع بلدية القدس الشرقية من 6 كلم2 إلى 73 كلم2 من أراضي الضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين يقوم الاستيطان الاستعماري اليهودي في القدس الشرقية ومحيطها ضمن ثلاث دوائر متراكزة: دائرة داخلية تشمل 73 كلم2 ضمن الحدود البلدية التوسعية (بلدية القدس)، ودائرة وسطى، ودائرة خارجية. وتُعرف الدائرة الوسطى باسم القدس الكبرى وتشمل 330 كلم2 من الضفة الغربية؛ أمّا الدائرة الخارجية فتشمل 665 كلم2 وتُعرف بالقدس المتروبوليتانية 4. وقد ارتفع عدد المستوطنين اليهود في الدائرة الداخلية من الصِّفر سنة 1967، إلى نحو 180,000 اليوم، ويقارب هذا الرقم العددَ الحالي نفسه للفلسطينيين المقيمين بالمنطقة نفسها. أمّا عدد المستوطنين اليهود في الدائرتين الخارجيتين معاً، فقد ارتفع من الصفر سنة 1967 إلى نحو 60,000. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن رسمياً ضم المستعمرات اليهودية في هاتين الدائرتين الخارجيتين، فإن مجموعات من هذه المستعمرات تدخل في نطاق سلطة بلدية القدس (الإسرائيلية) وترتبط بناها التحتية بها، كما تربطها بها أنفاق وطرق التفافية يحظر استخدامها على غير اليهود.
ومنذ سنة 1967، ما انفكت إسرائيل تعلن، من دون كلل، عزمها على الإبقاء على القدس، بشطرَيها الشرقي والغربي، "موحّدة"، بصفتها "العاصمة الأبدية" لإسرائيل. وقد أكدت هذا الهدف القرارات الصادرة عن جميع المؤتمرات الصهيونية العالمية التي عُقدت في القدس منذ سنة 1967، ونقصد بذلك المؤتمر السابع والعشرين سنة 1968 إلى المؤتمر الرابع والثلاثين سنة 1988. ويتألف أعضاء المؤتمر الصهيوني العالمي من 38% من الإسرائيليين، و29% من اليهود الأميركيين، والباقي من سائر دول العالم.
ونجد، في مقابل ذلك، أن المجتمع الدولي أصر على رفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية في القدس الشرقية، وذلك عبر ما يزيد على المئة قرار في الجمعية العامة، وفي مجلس الأمن، ومن خلال الاتحاد الأوروبي والفاتيكان. كما كرر هذا المجتمع الدولي تأكيداته أن اتفاقية جنيف الرابعة والقوانين الخاصة بالاحتلال العسكري هي ما ينطبق على القدس الشرقية. وحتى عهد إدارة الرئيس كلينتون، كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة ترفض باستمرار أن تعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، وكانت تقرّ أن اتفاقية جنيف الرابعة والقوانين الخاصة بالاحتلال العسكري هي ما ينطبق عليها. أمّا إدارة كلينتون فكررت إعلانها أن مصير القدس، الشرقية والغربية كلتيهما، تقرره نتائج مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنها صمتت صمتاً مطبقاً بشأن انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على القدس الشرقية.
ويأتي تصاعد الضغط على الولايات المتحدة لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في سياق مطالبة إسرائيل بـ "القدس الموحدة". وحتى هذا التاريخ قامت دولتان فقط بنقل سفارتيهما إلى القدس هما: كوستاريكا والسلفادور. وهاتان الدولتان هما الوحيدتان اللتان اعترفتا بالسيادة الإسرائيلية على القدس الغربية. والواقع هو أن حتى الإدارة الأميركية لم تعترف، إلى هذا التاريخ، بالسيادة الإسرائيلية على القدس الغربية.
وبدءاً من مستهل السبعينات، نجد أن لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأميركية / إيباك (AIPAC)، وهي الذراع الدعائية القوية لإسرائيل في الولايات المتحدة، تنشط في الضغط على الكونغرس الأميركي في قضية السفارة. وكان الكونغرس، حتى سنة 1988، يكرر إصدار القرارات الداعمة لنقل السفارة إلى القدس، من دون أن يتوصل إلى اتفاق بشأن تشريع قانون يفرض ذلك. لكن ما يُعرف بتعديل هيلمز، بتاريخ 26 تموز / يوليو 1988، الذي أصبح جزءاً من القانون العام 100 ـ 459 في تشرين الأول / أكتوبر 1988، كان من شأنه أن فتح الطريق أمام "منشأتين دبلوماسيتين" يتم بناؤهما، بصورة متزامنة، في تل أبيب والقدس، ويمكن لأي منهما أن تُستخدم سفارة للولايات المتحدة، وتُترك للرئيس حرية القرار في هذا الشأن.
في غضون أشهر قليلة، بتاريخ 18 كانون الثاني / يناير 1989، وعلى أساس تعديل هيلمز، جرى توقيع اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة، تم بموجبه تأجير قطعة أرض في القدس الغربية إلى حكومة الولايات المتحدة. وتبلغ مساحتها 31,250 م2 (7,7 إكرات)، ويبلغ إيجارها دولاراً واحداً سنوياً. ويسري العقد مدة 99 عاماً قابلة للتجديد. وقد أشارت "اتفاقية إيجار الأرض وشرائها" ـ وتتكون من 15 صفحة ـ إلى "عقار القدس" فقط. لكن التقارير سرعان ما أشارت ـ ومن ثم جرى تأكيدها ـ إلى أن هذه الأرض تقع في الموضع الذي كان يُعرف بثكنة أللنبي، أي موقع الحامية العسكرية البريطانية للقدس في عهد الانتداب.
كان من شأن السير قدماً في موضوع السفارة أن أبرز خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن الهدف المعلن لـ "المنشأة الدبلوماسية" في القدس. فقد رغبت الولايات المتحدة في أن يبقى الهدف مبهماً، في حين طالبت إسرائيل بتعهد صريح "بأن هذا المشروع سيكون سفارة." وبناء على ذلك، بقيت القضية كلها معلقة في لجنة التخطيط الإسرائيلية منذ سنة 1992. غير أن التقدم على مسار المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية جعل رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، يقرر، في خريف سنة 1994، أن الخلافات في شأن القضية غير مهمة، وأن على الجانبين السير قدماً 5.
وفي 8 أيار / مايو 1995 أعلن السناتور روبرت دول عزمه على تقديم مشروع قانون في اليوم التالي، في مجلس الشيوخ، يجيز نقل السفارة إلى القدس. وقد جاء هذا الإعلان المذهل في اجتماع لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأميركية (إيباك). وفي 9 أيار / مايو، صادق مجلس الشيوخ على هذا المشروع الذي تحول إلى قانون نقل السفارة إلى القدس (القانون العام 104 ـ 45)، بتاريخ 23 تشرين الأول / أكتوبر 1995.
اعترف هذا القانون العام 104 ـ 45 بالقدس "غير المقسَّمة" و"الموحَّدة" و"المجتمعة الشمل" عاصمة لإسرائيل، واشترط فتح السفارة فيها في موعد أقصاه 31 أيار / مايو 1999. وينص القانون على أنه، بدءاً من العام المالي 1999، تُخفَّض ميزانية وزارة الخارجية الأميركية الخاصة بالصيانة والبناء ـ في كل دول العالم ـ إلى نصفها، إلى أن يتم فتح السفارة. وتم رصد 100 مليون دولار لبناء السفارة. ومُنح رئيس الولايات المتحدة سلطة تخوّله تعليق هذه العقوبة بحق وزارة الخارجية فترات لا تتجاوز أي منها 6 أشهر، إن ارتأى ذلك "في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة." وعند المصادقة على هذا القانون، اعتبره وزير الخارجية الأميركي، وارن كريستوفر، "غير دستوري" لأنه ينتهك الحقوق الرئاسية 6. والواقع أن إدارة كلينتون مارست صلاحيتها في تعليق العقوبة على أساس أن نقل السفارة الفوري إلى القدس يضر بنتائج المفاوضات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
مناقشة اتفاقية الإيجار بين الولايات المتحدة وإسرائيل
منذ إبرام اتفاقية الإيجار سنة 1989، ومع إصرار التقارير على تحديد موقع العقار في ثكنة أللنبي، أخذت الدوائر الفلسطينية تسائل قانونية هذا الإيجار، على أساس أن موقع السفارة المرتقبة هو ملك للاجئين الفلسطينيين صادرته السلطات الإسرائيلية، شأنه في ذلك شأن غيره من أملاك اللاجئين الفلسطينيين، منذ سنة 1948. وقام الادعاء بصورة خاصة، على أن هذا الموقع جزء من وقف إسلامي.
جاء الاعتراض الرسمي الأول في 31 أيار / مايو 1989، في رسالة وجهها رئيس مؤسسة عطية العربية ـ الأميركية، مايكل سابا، إلى رئيس اللجنة الفرعية الخاصة بأوروبا والشرق الأوسط، لي هاملتون، يشير فيها إلى أن اتفاقية الإيجار هي اعتراف ضمني من جانب الولايات المتحدة بشرعية ملكية إسرائيل لهذه الأرض. وقد عبّر، أيضاً، عن قلقه أن تشكّل هذه الاتفاقية تغيراً في سياسة الولايات المتحدة بشأن الوضع النهائي للقدس. وحوّل هاملتون رسالة سابا إلى وزارة الخارجية. وفي 28 حزيران / يونيو 1989 تلقّى هاملتون الرد من مساعدة وزير الخارجية للشؤون التشريعية، جانيت ج. مولينز. ووردت النقاط التالية في مضمون هذا الرد: (1) إن العقار المذكور يقع في الجزء من المدينة الخاضع لإدارة إسرائيل منذ ما قبل سنة 1967. وقد سبق أن استخدم الجيش البريطاني هذا العقار ثكنة لقواته، ثم استخدمته الشرطة الإسرائيلية فيما بعد؛ (2) إن وزارة الخارجية "على اطلاع على ادعاءات تقول إن الوقف الإسلامي يملك حصة في قسم من الموقع المتفق عليه في القدس"؛ لكنها لم تتمكن "من العثور على أي سجل أو وثيقة تدعم هذه الادعاءات، في كل الفحص الدقيق الذي أجريناه لسندات الملكية العقارية" 7؛ (3) إن قضية نقل السفارة ستعالج "في سياق تسوية تفاوضية في شأن الضفة الغربية وغزة فقط."
في 21 تموز / يوليو 1989، وجّه فرنسيس أ. بويل، من جامعة إللينوي، مذكرة إلى هاملتون تناولت المدلولات القانونية لاتفاقية الإيجار. وكانت حجّته أن المواثيق الدولية الخاصة بالاحتلال العسكري هي ما ينطبق على القدس، لا القانون الإسرائيلي المحلي، وأن مصادرة أملاك الوقف أو الأملاك الخاصة في القدس عمل غير قانوني، وأن اتفاقية الإيجار نفسها غير قانونية، وأن على الكونغرس الامتناع من توفير الاعتمادات المالية الضرورية لتنفيذ الاتفاقية، كما عليه أن يعقد جلسات استماع عامة بشأن الموضوع في أقرب وقت ممكن. وأرسل هاملتون مذكرة بويل إلى مولينز أيضاً. وقد ردت مولينز عليها، في 6 أيلول / سبتمبر 1989، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة "لم تقبل بأي سيادة لأي دولة على أي جزء من القدس، وعارضت الإجراءات الأحادية التي تقوم بها أي دولة في المنطقة لتغيير وضع القدس." غير أنها لاحظت أن الولايات المتحدة "تعترف بالضرورة العملية لإدارة القدس الغربية، ريثما تتم تسوية وضعها"، كما أن الموقف الثابت للولايات المتحدة "هو أن قانون الاحتلال العسكري ينطبق على القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل سنة 1967." أمّا بالنسبة إلى ادعاء ملكية الوقف، فقد كررت أنه تم إجراء "فحص دقيق لسندات الملكية العقارية"، و"لم نعثر على أي سجل أو وثيقة تدعم ادعاء الوقف." وأمّا بالنسبة إلى ادعاءات الملكية الخاصة "فلسنا على علم بمثل هذه الادعاءات." وستكون حكومة إسرائيل "مجبرة، بحسب القانون الإسرائيلي، على أن تعوِّض كل المطالبين من أصحاب الأملاك الخاصة الذين يُبرزون سندات قانونية قديمة التاريخ تثبت ادعاءهم ملكية حصص في العقار." وقد نشر أنيس فوزي قاسم هذه المراسلات، مع الوثائق التي تدعمها، في "كتاب فلسطين السنوي للقانون الدولي" 8.
بعد المصادقة على قانون نقل السفارة إلى القدس سنة 1995، قامت جماعة من الفلسطينيين بتناول هذه القضية والبحث فيها من جديد. ونذكر منهم رشيد الخالدي وعصام النشاشيبي وفيليب مطر وكاتب هذا البحث. وفي مرحلة مبكرة من هذا العمل، تم تزويد رولاند إيفانز وروبرت نوفاك، الصحافيَّين في صحيفة "واشنطن بوست"، بالمعلومات المتعلقة بملكية الوقف لموقع السفارة؛ فنشرا تعليقاً على الموضوع بعنوان: "قنبلة موقوتة أُخرى في القدس" 9. لكن تفصيلات كثيرة تتعلق بالموقع كانت بحاجة إلى درس وتدقيق. فقام كاتب هذا البحث بوضع خطة عمل عامة تضمنت التنقيب في ملفات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين، وفي وزارة الخارجية، وفي مكتب السجلات العامة في لندن، وفي سجل ملكية الأراضي (الطابو) في القدس، وفي الأوراق العائلية لورثة ملاّك الموقع الذين أمكن العثور عليهم.
تحديد موقع السفارة
أشارت اتفاقية الإيجار، كما سبق أن أوردنا، إلى موقع السفارة المرتقب في القدس على أنه "عقار القدس" فقط، وأشارت إلى أن الملحق "أ" سيصف هذا العقار بتحديد ودقة. وقد تم الحصول على نص الاتفاقية في مرحلة باكرة بفضل الجهد الدؤوب الذي بذله جين بيرد، من مجلس المصالح القومية. غير أنه لم يُكْشَف عن الملحق "أ"، ولم تؤد طلبات بيرد المتكررة للحصول عليه من وزارة الخارجية إلى أي نتائج فورية، كما أن لجوءه إلى قانون حرية الحصول على المعلومات لم يسفر عن نتائج.
على الرغم من ذلك، وبناء على التأكيد الوارد في رسالة مساعدة وزير الخارجية للشؤون التشريعية، مولينز، في حزيران / يونيو 1989، أن موقع السفارة يقع ضمن نطاق ثكنة أللنبي، فقد بادرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية إلى تكليف نور مصالحه، الباحث الفلسطيني الإسرائيلي، تقصي القضية في مكتب السجلات العامة في لندن. وكشف بحث مصالحه عن: (1) إن القسم الأكبر من ثكنة أللنبي كان يشغله الحوض 30113 في السجلات العقارية زمن الانتداب 10؛ (2) إن الحوض 30113 كان مقسماً إلى ثماني قسائم تحمل الأرقام: 10، 11، 17، 18، 19، 20، 21، 22. وأشارت الخرائط التي وجدها مصالحه إلى موقع هذه القسائم ومساحاتها وترتيبها في نطاق الحوض 30113.
كما أثبت بحث مصالحه في مكتب السجلات العامة أن الخرائط البريطانية تصف القسائم كلها بأنها "أراضٍ مستأجرة"، باستثناء القسيمة 17، التي وُصفت بأنها "ملكية حرة خاصة بوزارة الحربية"، وحُدّدت مساحتها بـ 32,246م2. وكانت الخرائط التي وفرت هذه المعلومات من دون تاريخ. غير أن المؤكد أن هذه الخرائط رُسمت بعد اتفاقية الهدنة الأردنية ـ الإسرائيلية سنة 1949، لأنها تبيّن خطوط الهدنة. وقد كشفت وثائق مكتب السجلات العامة عن مفاوضات طويلة بشأن القسيمة 17، بين الحكومة البريطانية والحكومة الإسرائيلية، في الفترة الممتدة من الخمسينات حتى الستينات. وقد ادعت إسرائيل ملكيتها للقسيمة 17 بحجة أنها الحكومة التي خَلَفت البريطانيين في فلسطين. أمّا بريطانيا فقد أصرت على أن القسيمة ملك لوزارة الحربية في لندن، ولم تكن ملكاً لإدارة الانتداب في فلسطين. وكان للحجة البريطانية الغلبة، في النهاية، فوافقت إسرائيل، في نيسان / أبريل 1965، على دفع مبلغ 140,000 جنيه إسترليني ثمناً لشراء القسيمة 17. 11
ومن الجدير بالملاحظة أن القسيمة 17 تظهر، في سجل ملكية الأراضي في القدس (الطابو)، أنها جزء
من وقف إسلامي حين صادرها المندوب السامي البريطاني في فلسطين بتاريخ 27 أيلول / سبتمبر1930. 12 وفي 24 تشرين الثاني / نوفمبر 1942، نقل المندوب السامي البريطاني ملكية القسيمة 17 إلى وزارة الحربية في لندن عن طريق "البيع من دون أي اعتبار" (أي من دون أي مقابل). وبناء على ما تقدم، فإن من المستبعد جداً أن يكون لملكية وزارة الحربية للقسيمة 17، ثم "شراء" إسرائيل لهذه القسيمة من الحكومة البريطانية، أي أساس تقوم عليه في العدالة والقانون الدولي. وعلى الرغم من ذلك، وتوخياً للبساطة في هذا البحث، فسنفترض جدلاً أن القسيمة 17 كانت "ملكية حرة خاصة" بوزارة الحربية. 13
وفي الوقت نفسه، كان يتم جمع معلومات إضافية بشأن بقية القسائم التي يشملها الحوض 30113، وذلك عن طريق البحث في سجلات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين. لقد تألفت هذه اللجنة بقرار الجمعية العامة 194 (الدورة 3)، بتاريخ 11 كانون الأول / ديسمبر 1948. وقد صوتت الولايات المتحدة مع القرار، وكانت أحد الأعضاء الثلاثة الدائمين في لجنة التوفيق، بالإضافة إلى فرنسا وتركيا. وكان بين المهمات الموكولة إلى هذه اللجنة أن تقوم بالمصالحة السياسية، وأن تنفّذ، من القرار 194، القسم الخاص بالعودة و / أو تعويض اللاجئين الفلسطينيين.14
في هذا السياق، سلّمت حكومة الانتداب البريطانية لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، كل ما لديها من سجلات عقارية تتعلق بفلسطين، بما في ذلك السجلات الموروثة من الحكومة العثمانية. وألّفت لجنة التوفيق لجنة فنية، سنة 1950، قامت بتحليل هذه السجلات العقارية. واستغرق هذا التحليل نحو عشرة أعوام، قام خلالها خبراء من هذه اللجنة بزيارات لإسرائيل والشرق الأوسط. وتضمنت البيانات التي أعدتها اللجنة الفنية تحديد الأملاك الفلسطينية، بما في ذلك أملاك اللاجئين الفلسطينيين، في كل مناطق فلسطين التي احتلتها إسرائيل عند توقيع اتفاقيات الهدنة سنة 1949 ـ بما في ذلك منطقة القدس الغربية. وكان للنماذج المعروفة بنماذج RP/I، التي أعدتها اللجنة الفنية بمئات الآلاف، أهمية خاصة بالنسبة إلى بحثنا هذا. كان عنوان هذه النماذج: "أملاك اللاجئين العرب في إسرائيل: نموذج تخمين الملكية الفردية في المناطق المدينية / الريفية". وقد تضمن كل نموذج البنود التالية لكل قسيمة أرض: "(أ") القضاء؛ (ب) البلدة أو القرية؛ (ج) رقم الحوض؛ (د) رقم القسيمة؛ (هـ) المالك / الملاّك؛ (و) الحصة؛ (ز) المساحة بالدونم أو بالمتر المربع (1 دونم = 1000 م2)؛ (ح) الثمن المقدر. وقد زُود بعض الدول العربية (الأردن مثلاً) نسخاً عن هذه الملفات (نقصد بها السجلات العقارية، بالإضافة إلى نماذج RP/I تتضمن المعلومات الكاملة). وفيما بعد زُودت منظمة التحرير الفلسطينية نسخاً عن هذه الملفات أيضاً، وقد احتفظت بها في دمشق.
تمكنت مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بعد مفاوضات طويلة مع أمانة سر الأمم المتحدة في نيويورك، من الوصول إلى ملفات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين. ويشمل ذلك، طبعاً، البيانات الخاصة بالقسائم: 10، 11، 17، 18، 19، 20، 21، 22 من الحوض 30113. 15 وجرى درس هذه السجلات وتدقيقها. وفي الوقت نفسه، قام عصام النشاشيبي بفحص النسخة المقابلة عن هذه الملفات الخاصة بمنظمة التحرير في دمشق. ثم جرت مقارنة نتائج هذين الفحصين وجمعها. 16
لقد تم التحقق من المساحة الدقيقة لكل قسيمة من القسائم: 10، 11، 17، 18، 19، 20، 21، 22، بالاطلاع على ملفات لجنة التوفيق، وعلى السجلات والسندات العقارية التي أمدنا بها ورثة الملاّك الأصليين. إن مساحات هذه القسائم التي يتألف منها الحوض 30113 هي كما يلي:
10 = 2570 م2
11 = 2738م2
17 = 32,246م2
18 = 1516م2
19 = 6715م2
20 = 10,492م2
21 = 3102م2
22 = 50,395م2
وتجدر الملاحظة أن مجموع مساحة هذه القسائم التي تؤلف الحوض 30113 يبلغ 109,774م2؛ في حين تبلغ مساحة موقع السفارة داخل هذا الحوض أقل من ثلث هذا المجموع، أو 31,250م2 بالتحديد. فالمسألة الآن هي كيفية تحديد طبيعة الانتهاك الذي يشكله موقع السفارة المقترح ضمن الحوض 30113 تحديداً دقيقاً. لقد شارك في هذه المرحلة من البحث عصام النشاشيبي ونديم مجج، وأسامة حلبي بصورة خاصة.
تم نشر الملحق "أ"، بعد أن رُفعت عنه السرّية في 16 كانون الثاني / يناير 1996، أي بعد توقيع اتفاقية الإيجار بسبعة أعوام، وبعد أن أصبح قانون نقل السفارة إلى القدس نافذاً بتسعة أسابيع. وقد قدم هذا الملحق المزيد من الأدلة التي تبيّن موقع السفارة بالتحديد، لكن ذلك لم يحل المشكلة. لقد أكدت الخريطة التي نشرتها وزارة الخارجية ـ وإنْ كانت نشرتها في أربعة أجزاء وجب إعادة تجميعها معاً ـ 17 تأكيداً رسمياً أن عقاراً مساحته 31,250م2 في نطاق الحوض 30113 قد خُصّص لإقامة "منشأة دبلوماسية". ووردت هذه المعلومات في مفتاح الخريطة باللغة العبرية. لكن هذه الخريطة بيّنت أيضاً أنه تمت إعادة تقسيم الحوض. ولم تحدَّد القسائم تحديداً واضحاً، باستثناء قسيمتين كان لهما ترقيم واضح لا علاقة له بترقيم القسائم القديمة أيام الانتداب. وكانت خيبة الأمل الأكبر تكمن في أن الخريطة لم ترسم أي حدود لموقع السفارة.
لكن هذه الخريطة، على الرغم من ذلك، تضمنت عدداً من الأدلة تؤدي إلى تحديد الموقع. فقد أظهرت طريقاً جديداً يمتد من الشرق إلى الغرب مخترقاً القسم الجنوبي من الحوض 30113. وبمقارنة خريطة وزارة الخارجية بخريطة مكتب السجلات العامة في لندن التي تُظهر القسائم أيام الانتداب، بان جلياً ـ من معالم مشتركة في الخريطتين ـ أن هذا الطريق يفصل القسيمتين 18 و19 والجزء الجنوبي من القسيمة 17 عن بقية الحوض 30113. وبكلمة أُخرى، فإن القسائم 10، 11، 20، 21، 22 وقسماً من القسيمة 17 تقع كلها شمالي الطريق. وإلى الشمال من الطريق أيضاً يقع مقر حرس الحدود، وقد حددته بوضوح كتابة عبرية وظهر مُظلَّلاً في خريطة وزارة الخارجية. وهذا دليل في غاية الأهمية، إذ سبق أن أشارت جانيت مولينز في رسائلها إلى لي هاملتون إلى أن الموقع موضوع اتفاقية الإيجار بين الولايات المتحدة وإسرائيل كان قد استخدمه حرس الحدود. وانبثق دليل إضافي من مفتاح باللغة العبرية، في الزاوية اليمنى في أسفل الخريطة، أشار إلى أن مخططاً لإعادة التقسيم رقم 2954 أ هو في قيد الإنجاز؛ وبحسب هذا المخطط فإن "القسيمتين 5 و6 من الحوض 30113" اللتين تقعان جنوبي الطريق الشرقي الغربي خُصصتا لمركز المنظمة الاقتصادية. ويدل موقع هاتين القسيمتين على الخريطة بوضوح على أنهما تتطابقان تماماً مع القسيمتين 18 و19 أيام الانتداب. وبما أنهما خُصصتا لمركز المنظمة الاقتصادية، وبما أن بقية القسائم التي تؤلف الحوض 30113 وكذلك مقر حرس الحدود، تقع كلها شمالي الطريق الشرقي الغربي الجديد، كان لا بد من الاستنتاج أن موقع السفارة هو شمالي هذا الطريق وفي محيط مقر حرس الحدود. وعلى الرغم من ذلك، وحتى لو كانت الحدود الجنوبية لموقع السفارة محاذية أو مجاورة لحافة الطريق، فإن الغموض ما زال يكتنف موضع الحدود الشمالية لموقع السفارة في نطاق الحوض 30113، وإلى أي مدى اعتدى هذا الموقع على القسائم القديمة 10، 11، 17، 20، 21، 22، وبأي نِسَب ومساحات.
جاء أحد مفاتيح حل هذه المشكلة مع اكتشافنا ـ في الملفات الإسرائيلية ـ لخريطة مؤرخة سنة 1988، تظهر بوضوح إعادة تقسيم الحوض 30113 وفقاً للمخطط 2954 أ. وإعادة التقسيم هذه هي ما تعذّر اكتشافها في خريطة وزارة الخارجية. ويكتسب الأهمية نفسها مفتاح باللغة العبرية في الزاوية اليسرى العليا من الخريطة دوّن القسائم الجديدة كلها في الحوض 30113 ومساحاتها. لقد قُسم الحوض 30113 الآن إلى 11 قسيمة بدلاً من 8 قسائم في الأساس، مع الإشارة إلى أن قسيمتين من القسائم الجديدة صغيرتان جداً (تبلغ مساحة كل منهما 94 م2). والقسائم الجديدة هي كما يلي:
1 = 52,189م2
2 = 5995م2
3 = 7278م2
4 = 9943م2
5 = 5775م2
6 = 3927م2
7 = 17,030م2
8 = 14,288م2
9 = 8492م2
10 = 94م2
11 = 94م2
لقد قُسمت المنطقة الواقعة شمالي الطريق الشرقي الغربي إلى 6 قسائم هي 1، 2، 3، 4، 10، 11 تتجه من اليمين إلى اليسار. والقسيمة 1 هي الأكبر مساحة بينها. وتكاد مساحتا القسيمتين 2 و3 تتعادل إحداها مع الأُخرى؛ أمّا القسيمة 4 فأكبر منهما لكنها أصغر كثيراً من القسيمة 1. وأمّا القسيمة 11، في الزاوية الشرقية الجنوبية للقسيمة 4، والقسيمة 10، غربي القسيمة 11، فكانتا صغيرتين إلى درجة أنهما لا تكادان تظهران على الخريطة 18. وقد بدا لنا واضحاً أن موقع السفارة هو في نطاق هذه القسائم. غير أننا لم نتبيّن بدقة علاقة هذه القسائم بالقسائم القديمة بحسب التقسيم أيام الانتداب، ولا مدى اعتداء موقع السفارة على القسائم الجديدة أو القديمة.
ولم تبدأ الصورة تتضح إلاّ عند اكتشاف خريطة أُخرى، بالإضافة إلى شهادات التسجيل الإسرائيلية الخاصة بالقسائم موضوع الدرس. وتُظهر هذه الخريطة الجديدة، المؤرخة سنة 1995، إعادة تقسيم جديدة لمساحة الحوض 30113 وفقاً لمخطط جديد، رقمه 2954 ب، وهو تعديل للمخطط 2954 أ المذكور أعلاه. وأشار مفتاح الخريطة باللغة العبرية إلى أن قسيمة جديدة مدمجة تحمل الرقم 1 أيضاً استُحدثت بمساحة تبلغ 31,278م2، بهدف محدد هو استخدامها لإقامة "منشأة دبلوماسية". وهذه القسيمة 1 الجديدة هي قسيمة مدمجة من أجزاء من القسائم 1، 2، 3، 4، 11 في الحوض 30113، بحسبب فرز سنة 1988. وظهرت "القسيمة المدمجة" على الخريطة كمساحة مخطَّطة حول مقر حرس الحدود وتقع شمالي الطريق الشرقي الغربي. كما بيّن مفتاح الخريطة عدد الدونمات المقتطعة من كل قسيمة من القسائم المذكورة لتكوين موقع السفارة.
وفّرت شهادات التسجيل الصادرة عن وزارة العدل الإسرائيلية ودائرة تسجيل الأراضي الدليل على تحديد العلاقة بين القسائم بحسب تقسيمها في عهد الانتداب وبين القسائم بحسب التقسيم الإسرائيلي لسنة 1988. وتلخيصاً للبيانات في السجلات العقارية ـ بالنسبة إلى وضع القسائم موضوع البحث ـ تضمنت الشهادات، تحديداً، القسائم المقابلة في السجلات الانتدابية. فذكرت، مثلاً، أن القسيمة 1 تتكون من القسيمتين 22 و11، والقسيمة 2 تتكون من القسيمتين 21 و10، إلخ.
ويبيّن الجدول التالي العلاقة بين القسائم الإسرائيلية والقسائم الانتدابية، كما يبيّن النسب المئوية من القسائم الانتدابية التي استُخدمت لتكوين موقع السفارة. وفي ضوء المعطيات المتوفرة يستحيل تحديد العلاقة بين القسائم القديمة والجديدة تحديداً دقيقاً. وعليه يجب أن نقرا التداخل بين بعض القسائم القديمة وموقع السفارة على أنه تَراوُح.
* لا تشير شهادات التسجيل الإسرائيلية، فيما يختص بالقسيمتين الجديدتين 1 و2 (1988) إلى مساحة الأرض المأخوذة من كل قسيمة قديمة لتكوين هاتين القسيمتين، وإنما تكتفي بتحديد القسائم التي تأثرت. وعلى الرغم من أن خريطة سنة 1995 تبيّن مساحة الأرض المأخوذة من كل قسيمة من قسائم سنة 1988 لتكوين موقع السفارة، فإنها لا تشير إلى المساحات المأخوذة من القسائم القديمة التي تشكلت منها قسائم سنة 1988. وبسبب هذه الثغرات لا يمكن أن نحدد أكثر من أرقام الحد الأقصى والحد الأدنى كنسب مئوية في موقع السفارة مأخوذة من القسائم القديمة 10، 11، 21، 22. غير أنه من المؤكد أن الأراضي المأخوذة من القسيمتين 11 و22 تشكل معاً 35،30% من موقع السفارة، والأراضي المأخوذة من القسيمتين 10 و21 تشكل معاً 16%. كما تجدر الإشارة إلى أن مساحة 11,042م2، المأخوذة من القسيمة 1 (1988) والداخلة في موقع السفارة، لا يمكن أن تكون كلها من القسيمة 22 القديمة وحدها، لأن شهادة التسجيل الخاصة بالقسيمة 1 (1988) تبيّن بوضوح أن هذه القسيمة شُكِّلت من القسيمتين القديمتين 22 و11.
يبدو أن إعادة فرز موقع ثكنة أللنبي التي قامت بها إسرائيل منذ سنة 1948، تمت في مرحلتين رئيسيتين. جرت أولاهما في 16 آب / أغسطس 1988، أي بعد أقل من شهر على تعديل هيلمز الذي مهّد الطريق أمام نقل السفارة. وفي هذه المرحلة تم تسجيل جميع القسائم موضوع البحث ـ كاملة أو مجزأة ـ باسم سلطة التطوير الإسرائيلية (IDA)، كما جرت إعادة ترقيمها وفقاً للمخطط 2954أ. أمّا المرحلة الثانية فكانت في تموز / يوليو 1995، أي بعد شهرين من تقديم السناتور دول إلى الكونغرس مشروعه الذي صار قانون نقل السفارة إلى القدس. وفي هذه المرحلة تم دمج القسائم موضوع البحث لتكوين القسيمة 1 المدمجة الجديدة ـ وهي موقع السفارة. وهذا الفرز الأخير جرى وفقاً للمخطط 2954 ب "التعديل 1 / 89 للمخطط المحلي 2954أ".
أسفرت جهود التنقيب عن تاريخ نقل ملكية القسائم عن معلومات تتعلق بالقسائم القديمة 10، 21، 22 فقط، لأن سجلات القسائم الأُخرى أُعلنت "غير متوفِّرة". مع ذلك، فإن المعلومات المتوفرة تثير الاهتمام لأنها تلقي الضوء على الميل الإسرائيلي إلى الشكليات القانونية: 19
• القسيمة القديمة 10 / الجديدة (1988) 2: "بيعت" في 26 كانون الأول / ديسمبر 1954 من القيّم على أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير الإسرائيلية.
• القسيمة القديمة 21 / الجديدة (1988) 2: "بيعت" في 13 أيلول / سبتمبر 1965 من القيّم على أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير الإسرائيلية.
• القسيمة القديمة 22 / الجديدة (1988) 1: "صودرت من أجل المصلحة العامة" في 6 شباط / فبراير 1969، ونُقلت إلى القيّم على أملاك الغائبين في 6 شباط / فبراير 1985؛ وسُجلت باسم سلطة التطوير الإسرائيلية في 16 آب / أغسطس 1988.
وقُدّمت جميع القسائم موضوع البحث ـ أي القسيمة 1 لسنة 1988 (القسيمتان القديمتان 22 و11)، والقسيمة 2 لسنة 1988 (القسيمتان القديمتان 21 و10)، والقسيمة 3 لسنة 1988 (القسيمة القديمة 20) ـ جملةً معاً بحسب المخطط 2954 ب (وتعديل عليه يُعرف بالمخطط ب م / 2954 ز) إلى اللجان التالية، في التواريخ التالية:
• لجنة البناء للإسكان والصناعة، منطقة القدس، في 24 نيسان / أبريل 1995.
• لجنة التخطيط والبناء المناطقية، القدس، في 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1995.
• لجنة التخطيط والبناء المحلية، القدس، في 10 كانون الأول / ديسمبر 1996.
وتجدر الإشارة إلى أن التقديم الأول ـ بالجملة ـ سبق قانون نقل السفارة إلى القدس (23 تشرين الأول / أكتوبر 1995). أمّا التقديمان الثاني والثالث فقد لحقاه مباشرة.
ملكية الموقع
إن التحقق من تعدّي موقع السفارة على القسائم الانتدابية 10، 11، 17، 20، 21، 22 من الحوض 30113، سهّل تحديد أسماء وحصص ملاّك هذه القسائم في 15 أيار / مايو 1948 ـ آخر يوم من أيام الانتداب البريطاني ـ من المعلومات المتوفرة في ملفات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين وفي السجلات العقارية. غير أنه تجدر الإشارة، قبل المضي قدماً، إلى عدد من الملاحظات العامة:
اشترت الحكومة الإسرائيلية، كما أشرنا سابقاً، القسيمة 17 من بريطانيا سنة 1965. وافترضنا جدلاً، أن هذه القسيمة ـ نسبة 29,47% من موقع السفارة كما يبيّن الجدول رقم 1 ـ "ملكية حرة خاصة" بوزارة الحربية. أمّا بقية القسائم فهي "أراضٍ مستأجرة" ـ استأجرتها الحكومة البريطانية من ملاّكها الفلسطينيين، حتى آخر يوم من أيام الانتداب. وعليه، تكون النتيجة المهمة الأولى هي أن نسبة 70,53% من موقع السفارة هي أراضٍ فلسطينية مصادرة.
ونذكِّر بأن إبرام اتفاقية إيجار السفارة سنة 1989، استتبع ادعاءات متواصلة أن ثكنة أللنبي تقوم على أرض الوقف الإسلامي. والواقع، كما تدل نتائج البحث، أن جزءاً من "الأراضي المستأجرة" يخص الوقف فقط. وكما بيَّنا، فإن القسيمة 17 كانت موقوفة قبل أن تصادرها الحكومة البريطانية سنة 1930. أمّا القسيمة 22 فلا تزال موقوفة. وهاتان القسيمتان ـ 17 و22 ـ هما قسم من وقف أوقفه الشيخ محمد بن الشيخ محمد الخليلي 20، في الأول من شعبان 1139 هـ الموافق للرابع والعشرين من آذار / مارس 1727م.
والشيخ محمد من مواليد الخليل، ولذلك كُنِّي بالخليلي (والخليل أيضاً لقب للنبي إبراهيم). وقد كان شيخ الطريقة الصوفية القادرية، ولعله أشهر "الأولياء الصالحين" في زمانه في فلسطين. مات في القدس ودُفن في جوار الحرم الشريف. ويشتمل سجل الأوقاف الإسلامية في القدس (السجل العقاري الإسلامي) على حجَّة وقف الخليلي التي يشترط فيها أن أملاكه المقدسية تتوارثها ذريته جيلاً بعد جيل، يرثها أولاً ذريته (بنون وبنات) المتحدِّرون من البنين. وإن انقطع النسل المتحدِّر من البنين، ينتقل الإرث إلى ذريته (بنين وبنات)، جيلاً بعد جيل، المتحدرين من البنات. وإن انقطع هذا النسل تعود الأملاك إلى وصاية "الزاوية المحمدية" في المسجد الأقصى في الحرم الشريف، وتُجرى عائداتها على الفقراء وطلبة العلم (الديني) المقيمين في جوار المسجد. واستجار الشيخ بالعليّ القدير أن يُنزل غضبه وقصاصه على مَن يخالف هذه الحجّة 21.
وكان قد تَوارَث هذا الوقف خمسة أجيال من نسل الشيخ محمد الخليلي عند انتهاء فترة الانتداب في 15 أيار / مايو 1948. وفي هذا الوقت كان ثلاثة من المستفيدين من الوقف الخليلي يتحدرون من نسل البنين، وكان المستفيدون الآخرون جميعهم يتحدرون من نسل البنات. ولمّا ماتت تهام الخليل، وهي آخر المتحدرين من نسل البنين، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 1993 في القدس الشرقية، صار ورثة الوقف الخليلي جميعاً يتحدرون من نسل البنات. ومعنى ذلك أننا لا نجد اليوم وارثاً واحداً يتكنَّى بالخليلي، بين ورثة الوقف الخليلي الكثيرين.
وكما سبق أن أشرنا، وعلى الرغم من المخالفات المحتملة في مصادرة الحكومة البريطانية للقسيمة 17 ونقل ملكيتها إلى وزارة الحربية، فإننا نسلِّم جدلاً بأن القسيمة 17 هي ملكية حرة، ولم تعد ضمن أملاك الوقف. لكن القسيمة 22 هي، من دون أدنى شك، أرض موقوفة؛ وهي أكبر قسيمة مفردة في موقع السفارة المقترح. وبسبب صعوبة التحديد الدقيق لمدى التطابق بين التقسيم الانتدابي والتقسيم الإسرائيلي، فإننا نقدِّر أن نسبة تتراوح بين 26,55% و35,29% من موقع السفارة هي أرض موقوفة (أو ما نسبته 37,64% إلى 50% من "الأرض المستأجرة") 22.
إن القسائم كلها التي يتكوّن منها الحوض 30113 مسجّلة في السجلات العقارية بحسب متطلبات القانون الذي ينظِّم تصنيف الأراضي في الفئات الخاصة بها. وتنتمي القسائم كلها، باستثناء القسيمة 22، إلى فئة الأرض "الميري". ويمكن أن تكون الأرض الميري ملكاً مشتركاً لمساهمَيْن أو أكثر شرط أن تُحدَّد الحصص. وتنتقل ملكيتها بالوراثة إلى الورثة الشرعيين. ويمكن أن يبيعها أصحابها، خلافاً لأرض الوقف. والأراضي الفلسطينية في عهد الانتداب تنتمي، في معظمها، إلى فئة الأرض الميري، شأنها في ذلك شأن الأراضي في أغلبية البلاد العربية 23. أمّا القسيمة 22 فتنتمي إلى الفئتين الميري والوقف. ويعني ذلك أن الأرض موقوفة، ولا يمكن التصرف فيها، لكن العائدات ميري. لذلك نجد القسيمة 22 مسجلة، في سجل ملكية الأراضي (الطابو) وغيره من الوثائق، في فئة "الأرض الميري الموقوفة"؛ وهو مصطلح للدلالة على الدمج بين الفئتين.
وفيما يتعلق بتحديد الملاّك، أظهرت نتائج البحث الذي أجريناه في ملفات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين وسجل ملكية الأراضي (الطابو) في القدس، أن القسائم 10، 11، 20، 21، 22 هي ملك 19 عائلة مقدسية 24. وكانت الأغلبية من هذه العائلات تسكن في "القدس الجديدة" خارج المدينة القديمة، بل كان معظمها يقيم بالقدس الغربية التي احتلتها القوات اليهودية في نيسان / أبريل ـ أيار / مايو 1948، قبل انتهاء الانتداب البريطاني، وقبل تدخّل الجيوش العربية النظامية. ومن هذه العائلات، كانت 15 عائلة من المسلمين العرب، و4 عائلات من المسيحيين العرب. وكانت 8 من العائلات المسلمة الـ 15 تستفيد من الوقف الخليلي.
بلغ عدد الملاّك الأفراد لهذه القسائم (كما هو مسجل في سجل ملكية الأراضي (الطابو)، وفي سندات الملكية، وفي اتفاقيات الإيجار المعقودة مع البريطانيين، وفي النماذج RP/I الصادرة عن لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين)، حتى 15 أيار / مايو 1948، 76 مالكاً. ونحن نقدِّر، استناداً إلى قانون الإرث الإسلامي، أن يكون مجموع ورثة الملاّك الأصليين بلغ اليوم 1000 وارث، على الأقل 25.
إن حقوق الملاّك المسجّلة بأسمائهم كل قسيمة من القسائم موضوع البحث لا يرقى إليها أدنى شك. وقد وضعنا جدولاً مفصّلاً يبيّن التفصيلات الدقيقة المتعلقة بملكية كل مالك من الملاّك الـ 76، بما فيها عدد الحصص المملوكة في القسيمة المعينة، ومجموع عدد الحصص المحدّدة، والنسبة المئوية للملكية في القسيمة، ومساحة الحصة بالمتر المربع / الدونم، والوثائق الداعمة وتواريخها. كما وضعنا، في معظم الحالات، سلسلة نسب.
بالإضافة إلى ما تقدّم، فقد جرت اتصالات شخصية ـ بواسطة الأصدقاء والوسطاء والعلاقات العائلية ـ لمعرفة ورثة الملاّك الأصليين 26. ونجم عن هذه الاتصالات وثائق جديدة تضم: (أ) "اتفاقيات إيجار" بين الحكومة الانتدابية البريطانية (ممثلة بحاكم اللواء البريطاني لمنطقة القدس أو الجيش البريطاني) وبين ملاّك القسائم موضوع البحث؛ (ب) مراسلات بين الفريقين (الحكومة البريطانية أو الجيش البريطاني والملاّك) تتضمن عروض دفعات الإيجار التي قدمها البريطانيون إلى الملاّك؛ (ج) مطالبات الملاّك للبريطانيين بتسديد دفعات الإيجار المتأخرة؛ (د) وصولات الإيجار الذي دفعه البريطانيون؛ (هـ) شهادات التسجيل وفقاً للسجلات العقارية العثمانية وسجلات الانتداب البريطاني؛ (و) خرائط (عثمانية وبريطانية) لموقع ثكنة أللنبي.
غطَّت اتفاقيات الإيجار والمراسلات المرافقة لها الفترة الممتدة منذ أواخر الثلاثينات حتى نهاية الانتداب البريطاني في 15 أيار / مايو 1948. وقد سُدد بعض دفعات الإيجار البريطانية في وقت متأخر امتد حتى 11 تموز / يوليو 1951. وهكذا يتجلّى الاعتراف البريطاني بالملكية الفلسطينية للقسائم "المستأجَرة" في الحوض 30113. ولم تترك المقارنة بين نماذج RP/I وهذه الوثائق الإضافية أي مجال للشك بالنسبة إلى ملكية القسائم 10، 11، 18، 19، 20، 21، 22 من الحوض 30113 في نهاية عهد الانتداب البريطاني.
وقد تمكَّنا، حتى تاريخه، من تحديد ما يقارب 90 وارثاً من ورثة ملاّك الحوض 30113، يحملون الجنسية الأميركية ـ بما في ذلك مَنْ يعيلون ـ و43 وارثاً من الجنسية الكندية أو الجنسية الأوروبية (النمساوية والبلجيكية والبريطانية والفرنسية والألمانية والسويسرية). ويلخص الجدول التالي هذه البيانات. ومن المتوقع أن تزداد هذه الأعداد مع استمرار البحث.
ويهمنا العدد الكثير من المواطنين الأميركيين في ضوء قانون هيلمز ـ بيرتون، بتاريخ 12 آذار / مارس 1996 (القانون العام 104 ـ 114)، المتعلق بـ "المصادرة الظالمة أو الاستيلاء الجائر على أملاك تخص مواطنين أميركيين، قامت بها الحكومة الكوبية، وما تلا ذلك من استغلال لهذه الأملاك على حساب الملاّك الشرعيين." لقد صار هذا القانون نافذ المفعول بعد مضي أقل من ستة أشهر على قانون نقل السفارة إلى القدس. وهو يستبق المقابلة الواضحة مع الحالة الفلسطينية، فيستثني من مفاعيله الأملاك التي هي "منشآت أو تجهيزات تستخدمها بعثية دبلوماسية معتمدة لأغراض رسمية." إن في هذا شاهداً صارخاً على احتقار السناتور جيسي هيلمز للقيم الخلقية، وحماقة التشريع عن طريق الكونغرس لصنع السياسة الخارجية الأميركية.
لا يشمل هذا الجدول بضع المئات من الورثة الأحياء الذين لا يحملون الجنسية الأميركية أو الكندية أو الأوروبية. ونعتقد أن هؤلاء، في معظمهم، يحملون الجنسية الفلسطينية أو الأردنية أو اللبنانية. لكن غيرهم قد يحمل جنسية عربية أُخرى أو جنسية إحدى دول أميركا الجنوبية. ويُقصد بالأقرباء المقرَّبين الأزواج والأبناء والأحفاد.
من هذا المجموع يبلغ عدد الورثة الرئيسيين: 24 ـ 25.
من هذا المجموع يبلغ عدد الورثة الرئيسيين: 26 ـ 27.
استنتاجات
في حزيران / يونيو 1995، مع بداية البحث في ملكية موقع السفارة، تم تأليف اللجنة الأميركية من أجل القدس، بفضل تبرّع كريم قدّمه الأخ حسيب صباغ. وضمت هذه اللجنة ممثلين عن المؤسسات العربية الأميركية الرئيسية وغيرها من المؤسسات المهتمة بمستقبل القدس. وفي 28 تشرين الأول / أكتوبر 1999، أرسل المحامي جورج سالم، نيابة عنهم، رسالة إلى وزيرة الخارجية، مادلين أولبرايت. وجورج سالم هو محامٍ في مؤسسة المحاماة أكين وغمب وشتراوس وهاور وفِلد في واشنطن. وتضمنت الرسالة الخطوط العريضة لنتائج هذا البحث، وطُلب فيها موعد لمناقشة هذه النتائج مع وزارة الخارجية. وبعد مضي أكثر من 6 أسابيع من دون تلقّي أي رد، تم إرسال رسالة متابعة في 17 كانون الأول / ديسمبر 1999. وفي 28 كانون الأول / ديسمبر، ردّت النائبة الأولى لمساعِدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، بِثْ جونز، بما مفاده: (أ) لم يبرم (Not Entered Into) عقد إيجار سنة 1989؛ (ب) على الجماعة أن تزود وزارة الخارجية كل ما لديها من معلومات كي "تُحفظ في الملفات". أمّا ادعاء جونز أن العقد لم يبرم فيناقض صراحة نص عقد الإيجار نفسه 27؛ كما يكذِّبه دفع وزارة الخارجية الدولار الأميركي إيجاراً سنوياً، كما هو مثبت في مكتب أبحاث الكونغرس 28.
وبسبب خطورة قضية السفارة وانعكاساتها على العملية السلمية وصدقية الولايات المتحدة، ارتأت اللجنة الأميركية من أجل القدس، نتيجة المراسلات المذكورة، أن لا بديل أمامها غير اللجوء إلى النشر العلني.
إن بناء الولايات المتحدة لسفارتها في القدس على أرض اللاجئين الفلسطينيين المصادرة له دلالات أبعد أثراً من موقع السفارة نفسه. فهو ينتهك 4 جوانب رئيسية من مفاوضات الحل النهائي: القدس، والمستعمرات، واللاجئين، ومساحة الدولة الفلسطينية المرتقبة. بالنسبة إلى القدس، فإن نقل السفارة إلى القدس "غير المقسَّمة" و"الموحَّدة" و"المجتمعة الشمل"، كما يسميها "قانون نقل السفارة إلى القدس"، يدعّم السيادة الإسرائيلية على القدس الغربية والشرقية. وفيما يتعلق بالمستعمرات، فإنه يشرِّع ما أقامته إسرائيل من مستعمرات هناك. وبالنسبة إلى اللاجئين، فإنه يدعّم ـ بمفعول رجعي ـ المصادرة بالجملة لأملاك اللاجئين الفلسطينيين في كل أنحاء إسرائيل منذ سنة 1948. وختاماً فإنه يؤثر مسبقاً في تقرير مساحة الكيان الفلسطيني المستقبلي لأنه يدعّم، بطريقة غير مباشرة، حدود القدس التي تزداد اتساعاً باستمرار، من القدس الكبرى إلى القدس المتروبوليتانية، على حساب أراضي الضفة الغربية. لكل هذه الأسباب، ينتهك نقل السفارة صدقية الدور الأميركي في العملية السلمية في الشرق الأوسط، وخصوصاً أنه يناقض وينقض الالتزامات والتأكيدات الصادرة عن جميع الإدارات الأميركية السابقة.
ومع كل ما تمثِّله القدس، نجد من غير اللائق أن تُبنى سفارة الولايات المتحدة المرتقبة في هذه المدينة على أرض هي أملاك مسروقة. ولعل من بوادر ازدياد الوعي الأميركي فيما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالملكية الفلسطينية، ما نسمعه من كلام غير رسمي يقول إن المباني البالغة الارتفاع المحيطة بموقع ثكنة أللنبي تجعل بناء سفارة هناك غير ملائم. مع ذلك، وفي غياب الحل العادل والمشرِّف لمدينة القدس، سيكون من الصعب جداً أن تجد الحكومة الإسرائيلية موقعاً بديلاً في المدينة، لبناء سفارة الولايات المتحدة (أو لبناء سفارات دول أُخرى)، لا تعتريه العوائق نفسها التي تحيط بموقع ثكنة أللنبي. ذلك بأنه في نطاق الحدود البلدية للقدس الغربية، كما جرى توسيعها منذ سنة 1948، لا تتعدى الأملاك اليهودية ـ قبل سنة 1948 ـ نسبة 15% من مجموع الأملاك. أمّا الأملاك اليهودية في القدس الشرقية (ضمن حدود 1967 الموسَّعة والبالغة 73 كلم2) فإنها تقل عن نسبة 2% من مجموع الأملاك.
[يعاد نشره ضمن إتفاقية شراكة مع "مجلة الدراسات الفلسطينية]
هوامش:
* النص هو في الأصل تقرير بالإنجليزية:
Walid Khalidi, “The Ownership of the U.S. Embassy Site in Jerusalem”, Journal of Palestine studies, vol. XXIX, no. 4 (summer 2000) pp. 80–101.
وقد نُشر لاحقاً باللغة العربية بعنوان: "أرض السفارة الأميركية في القدس: المُلكية العربية والمأزق الأميركي"، ترجمة سميرة نعيم خوري (بيروت: مؤسسسة الدراسات الفلسطينية، ط 1، 2000). وبسبب أهمية هذه المسألة ومحوريتها، فإن "مجلة الدراسات الفلسطينية" تعيد نشر هذا النص كي تسلط الضوء على هذه القضية.
1. بلغت مساحة الأراضي التي يملكها اليهود في المنطقة المنفصلة الخاصة بالقدس 12,500,000م2 من مجموع 187,000,0000م2. انظر:
Jewish Settlement in Palestine (Jerusalem: Jewish National Fund, March 1948), p. ii.
Sami Hadawi, Map of Jerusalem (New York: Palestine Arab Refugee Office, ca. 2 1951).
كان هداوي أحد كبار موظفي دائرة تسوية الأراضي في حكومة الانتداب. وقد أعاد إنتاج خريطة أصلية من خرائط الانتداب البريطاني تعود إلى سنة 1946، وتُظهر ملكية العقارات المدينية (العربية واليهودية والمختلطة). وأضاف مفتاحاً يوضح الملكية اليهودية والملكية العربية استناداً إلى خرائط مسح الأراضي الفلسطينية وإلى السجلات الضريبية الانتدابية.
Ibid 3.
4. انظر: Jan de Jong, “Greater Jerusalem: A Special Report” (Washington: Foundation orMiddle East Peace, Summer 1997).
Ammon Barzilay, “What is the United States Building on the Allenby Base?” Ha’Aretz, October 25, 1994, translated in FBIS, October 26, 1994.
6. جاء في رسالة وزير الخارجية، وارن كريستوفر، إلى زعيم الأغلبية السناتور روبرت دول، بتاريخ 20 حزيران / يونيو 1995 ما يلي: "تقوم معارضتي لهذا التشريع أيضاً على أسس دستورية متينة. إن مكتب الاستشارات القانونية التابع لوزارة العدل أوضح لمستشاري البيت الأبيض أن مشروع القانون يشكل خرقاً دستورياً لصلاحيات الرئيس في مجال الشؤون الخارجية. ولأن هذا المشروع يحمل في طياته مسعى لإجبار الرئيس على أن يبني ويفتح سفارة في موقع معيّن، لأسباب سياسية خارجية، فإنه يتعارض مع مبدأ فصل السلطات وفقاً للدستور. وقد اتخذت هذه الإدارة، والإدارات السابقة، الموقف نفسه بالنسبة إلى جهود تشريعية مماثلة سعت لتقرير مواقع منشآت دبلوماسية وقنصلية. وبناء على ما تقدم، أكون على خطأ إن لم أنصح للرئيس أخذ الحيطة تجاه هذه الانتهاكات غير الدستورية لصلاحياته الرئاسية."
7. التشديد مضاف.
Anis F. Kassim, ed., The Palestine Yearbook of International Law, vol. v, 1989 8 (Cyprus: Al-Shaybani Society of International Law, 1990), p. 325 ff.
Rowland Evans and Robert Novak, “Another Time Bomb in Jerusalem”, Washington 9 Post, February 2, 1995.
10. كان للقدس، في عهد الانتداب، ما يُعرف بـ "الحدود المدينية". وكانت تضم الحدود البلدية فضلاً عن مناطق إضافية محددة. وقُسمت القدس، داخل "الحدود المدينية"، إلى 168 حوضاً مرقماً من 30001 إلى 30168. واستخدمت الإدارة البريطانية هذه الأحواض لأغراض جبي الضرائب وتجديد الأملاك. وقد تباينت مساحاتها. كما قُسم كل حوض إلى قسائم تختلف هي أيضاً مساحة وشكلاً وتكويناً.
11. مذكرات متبادلة بين حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية وحكومة إسرائيل:
Her Majesty’s Stationary Office, Treaty Series No. 53 (1965), (London, 1965), p. 12
12. القسيمة 17 هي جزء من الوقف الخليلي (انظر ما ورد أعلاه). وقد صودرت هذه الأرض من سعد الدين الخليلي، بصفته متولي الوقف.
13. إن اعتبار مصادرة المندوب السامي البريطاني لهذه القسيمة في أيلول / سبتمبر 1930 من أجل "المصلحة العامة" ـ أي لمصلحة شعب فلسطين ـ يجعل من الصعب علينا أن نكتشف كيف تحققت هذه المصلحة العامة عن طريق: (أ) نقل الملكية إلى لندن؛ (ب) قبض لندن مبلغ 140,000 جنيه إسترليني.
14. تضمّن القسم المشار إليه من قرار الجمعية العامة 194 (الدورة 3) "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر..."
15. لا يمكن الوصول إلى هذه الملفات ـ بحسب قوانين الأمم المتحدة ـ إلاّ من خلال عضو رسمي أو عضو مراقب في الأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، طلبت بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك الإذن لمؤسسة الدراسات الفلسطينية. وساهم كل من فيليب مطر ومايكل فيشباخ وسليم نصر وموريس سعادة بجهود كبيرة في هذه المرحلة من البحث.
16. تم هذا الجمع والمقارنة بمساعدة عمرو جارودي وزوجته.
17. الخريطة هي للحوض 30113 وأجزاء من الأحواض المجاورة: 30114 جنوباً، و30136 و30152 شرقاً.
18. تقع القسيمة 7 جنوبي الطريق الشرقي الغربي وشرقي القسيمتين 5 و6. أمّا القسيمة 8 فهي الطريق المحاذي للحدود الغربية للحوض 30113؛ والقسيمة 9 هي الطريق الشرقي الغربي الذي يقطع الحوض 30113. وتقع القسيمة 10 غربي القسيمة 11.
19. ساهم أسامة حلبي بجهد كبير في جميع التفصيلات التالية من سجل ملكية الأراضي (الطابو) في القدس.
20. تخضع الأملاك الموقوفة لأحكام الشريعة الإسلامية. وهي تقوم على وصايا أو حجج محددة لوقف أملاك معينة لأغراض عائلية أو حسنات تُنفق في سبيل الله. وهي غير قابلة للنقض. وعليه يمكن إيجارها، لكن يستحيل وهبها أو بيعها.
21. إسحق موسى الحسيني وأمين س. أبو ليل، محرران، "وثيقة تاريخية مقدسية" (القدس: جامعة القدس، 1979).
22. تتكون القسيمة 1 (1988) من القسيمة الانتدابية 22 والقسيمة الانتدابية 11 التي تقلّ عنها مساحةً بمقدار كبير. وعليه يكون نصيب الوقف فيها (القسيمة 22) بنسبة 26,55% من الموقع إن كانت القسيمة 11 ضُمت بأكملها. وتزداد هذه النسبة إذا ما تناقصت المساحة المستخدمة من القسيمة 11 إلى الصفر. وينطبق هذا المبدأ نفسه على إجراء حساب النسبة المستخدمة من القسيمتين القديمتين 21 و10.
23. بشأن الأرض الميري، انظر:
Government of Palestine, Survey of Palestine, vol. 1 (Jerusalem, 1946; reprint, Washington: IPS, 1991), pp. 229 ff
.
24. تُعتبر جهود عصام النشاشيبي فيما يتعلق بالقسيمة 22 وجهود أسامة حلبي فيما يتعلق بالقسائم الأُخرى مفيدة بصورة خاصة.
25. نكتفي بإيراد مثال واحد: كانت أميرة الخليلي، زوجة راغب الخالدي، واحدة من ثلاثة من ورثة الوقف الخليلي المتحدرين من نسل البنين ـ من مجموع 24 وارثاً في نهاية عهد الانتداب. وعند وفاتها في أوائل الخمسينات انتقل نصيبها إلى ورثتها وهم 6 بنين وبنت واحدة. ثم انتقل هذا الإرث، بوفاتهم جميعاً، إلى أولادهم، ويبلغ عددهم 36. وهكذا نرى أن ما كان حصة واحدة سنة 1948 صار 36 حصة اليوم.
26. أفدنا كثيراً في هذه التحريات من جهود كل من: كميل أبو صوان؛ حنا بطاطو؛ نسيب بولس؛ عايشة ونبيل وشكري الدجاني؛ رشيد وكامل وداود الخالدي؛ موسى خوري؛ عفيف صفية؛ جورج حشمة؛ موريس تابري؛ عصام النشاشيبي؛ سليم تماري؛ صالح شبل.
27. جاء في ديباجة اتفاقية الإيجار ما يلي: "بما أن حكومة الولايات المتحدة ترغب في بناء منشآت دبلوماسية جديدة في القدس وفي منطقة تل أبيب، وبما أن حكومة الولايات المتحدة قد طلبت من حكومة إسرائيل تخصيص أراضٍ لهذه الغاية، وبما أن حكومة إسرائيل ترغب في تسهيل بناء المنشآت الدبلوماسية.... لذلك، فإن هذين الطرفين يبرمان (Enter into) الاتفاقية التالية الخاصة بإيجار الأراض وشرائها." [التشديد مضاف]
Clyde Mark, “Jerusalem: The U.S. Embassy and PL 104-45”, Congressional 28 Research Service, RS20339, September 22, 1999, p. 1.