مات نوشيروان مصطفى (١٩٤٤-٢٠١٧) الذي كان نائباً للسكرتير العام للاتحاد الوطني الكردستاني، ومن ثم أسّس حركة التغيير «گوران». وبموته تطوى صفحة أخرى من صفحات الجريمة التي كتبت بدماء الضحايا، فكانت عرضة للتجاهل والنسيان!
موته يفضح دنس السياسة ومصالح القوى والأحزاب التي تتاجر بالقيم والمبادئ، فتشرعن القتل من أجل المصلحة الحزبية. سيتم تكريم القاتل وتحويله إلى رمز وطني وقومي، ضحى بالكثير من أجل القيم والمبادئ والحقوق القومية! فيما تبقى الحسرة والغصة تعتصر قلوب ذوي الضحايا، الذين يشعرهم وجود نوشيروان أو الاحتفاء به، بالعار والسخط على زيف القانون، وكذبة حقوق الإنسان، وسيرة النضال من أجل الحقوق والكرامة!
لايختلف نوشيروان مصطفى عن أي سياسي أنجبته وقائع الحياة السياسية في العراق، وتاريخه الدموي المرير، فتحول إلى قاتل محترف بستار القائد السياسي، وأصبح نسخة من زعماء وقادة برزوا في العالم، بثياب الشيوعية والوطنية والأحلام القومية، وجعلوا من أبناء أوطانهم، أو شركائهم في النضال، ضحايا مطامحهم وآمالهم بالزعامة والقيادة.
حين يذكر أسم نوشيروان مصطفى فسرعان ما يتم استحضار مجزرة بشت آشان، الجريمة التي نفذتها قوات الاتحاد الوطني الكردستاني ضد مواقع الحزب الشيوعي العراقي في الأول من آيار 1983، في منطقة بشت آشان وقرناقو، حيث قام نوشيروان مصطفى بالإشراف على قتل أكثر من سبعين أسيراً من أعضاء وكوادر الحزب الشيوعي العراقي. في ذلك التاريخ كان الاتحاد الوطني الكردستاني في مفاوضات مع النظام البعثي الفاشي بزعامة صدام حسين، فكانت مجزرة بشت آشان ( أكثر من مائة شيوعي عراقي تم قتلهم) عربون عمالة وتواطؤ، قدمه جلال الطالباني لصدام حسين.
لكن سيرته لاتتوقف عند تلك المجزرة، بل تتعداها إلى وقائع كثيرة، أو الأصح جرائم كثيرة نفذت ضد الخصوم السياسيين أو ضد رفاق الدرب. خلال سنوات الكفاح المسلح في الجبال، ومن عاش تلك التجربة يروي، وبمرارة، بشاعة الجرائم التي نفذها نوشيروان مصطفى وبمشاركة جبار ياور القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، ضد الأسرى الذين يقعون بأيديهم. لم يستخدم الرصاص أو ينفذ الإعدام بحق الأسرى، لا، كان يتلذذ بقتلههم بواسطة «طبر» حتى قيل : إن البعثيين الذين نفذوا جرائم 8 شباط 1963، جرائم الحرس القومي في العراق، كانوا يشعرون بالخجل والعار من طبر ياور ونوشيروان!
أما صفحة جرائمه ضد قيادات وكوادر تنظيم كومله ( عصبة كادحي كردستان) وهو من التنظيمات الماركسية التي كانت تعمل في كردستان، فهي من الصفحات التي تثير رعب الذين عاشوا على وقع أخبارها وتفاصيلها المخزية. لقد تمكن نوشيروان من تدمير هذا التنظيم الذي يشهد له كل الذين عاشوا في ذلك التاريخ، كونه من التنظيمات الثورية واليسارية التي تمكنت من التحول إلى قوة أساسية في مواجهة التسلط والدكتاتورية البعثية.
لم تتوقف جرائم المذكور، بل تواصلت حتى بعد أن تمكن الاتحاد الوطني من العودة إلى المدن، بعد انتفاضة آذار 1991، وتسلم السلطة في كردستان، بالشراكة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو تقاسمها حيث يدير كل حزب مدينة ومجموعة أقضية.
تصفية الخصوم السياسيين أو المعارضين، كانت اللعبة التي أدمنها نوشيروان، لكنه لم يكن يتخذ القرارات بمفرده، بل بطلب أو أمر شخصي من جلال الطالباني الذي يصدر الأوامر هو الآخر بناء على طلب من النظام البعثي أو من السلطات الإيرانية.
وقائع القبض من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على قاتل محترف يعمل بأمر نوشيروان مصطفى، بعد أن نفذ جريمة اغتيال قيادي في الحزب المذكور، كشف عن وجود قائمة بأسماء شخصيات سياسية، ونشطاء في المنظمات الجماهيرية والنسوية في كردستان، قائمة بأسماء الذين قرر نوشيروان مصطفى تصفيتهم آنذاك!
في 14 تموز 2000، كدت أن أكون أحد ضحايا نوشيروان مصطفى، فالأوامر التي صدرت من إيران بتصفية وجود الحزب الشيوعي العمالي العراقي في السليمانية، كانت حاسمة وفورية، حين صدر الأمر كان جلال الطالباني في طهران. تمت مهاجمة مقرات الحزب ومحطة الإذاعة وإطلاق النار على مجموعة من مسلحي الحزب، فتمّت إبادتهم على الفور، وأعلن عن منع الحزب من مزاولة النشاط السياسي في السليمانية.
في لقاء يسبق الجريمة المذكورة بوقت قصير جداً، قال نوشيروان مصطفى لوفد من الحزب الشيوعي العمالي: الشيوعية أكثر شيء أكرهه في هذا العالم، كل يوم كنت أصوب مسدسي نحو رأس الحرس الواقف أمام مقركم، لكن زوجتي تمنعي من قتله!
مات نوشيروان مصطفى دون أن ينال العقاب، أو حتى تقديمه إلى محكمة، جراء ما اقترفه من جرائم مروعة، جرائم تجلل بالعار تاريخه وتاريخ من دعمه ووقف بعيداً ليحصي جرائم هذا القاتل.