مزّق محمد، اللاجئ السوري، ورقة قبول العمل التي مُنحت له بعد مقابلات عدة في مهن أرسل إليها من قبل "مكتب التشغيل والتأمين" في مدينة لارنكا القبرصية، كانت الفرصة الممنوحة له "عاملاً لفرز المعادن في معمل خردوات وقمامة يبعد عن بيته أكثر من 25 كيلومتراً" يقول محمد.ح (25 عاماً)، المتخرج من كلية الإعلام – جامعة دمشق، والذي وصل إلى قبرص منذ عامين على متن باخرة تركيا أوصلته مقابل (50 دولاراَ) إلى القسم التركي المحتل من الجزيرة، وهناك دفع مبلغ الدخول قرب ميناء " كيرينيا" شمال قبرص.
لم يستطع محمد.ح التغلّب على مشكلة الكتابة والقراءة باللغة اليونانية حتى يستطيع العمل ولو في مهنة قريبة من عالم الورق: "بحثت بنفسي عن موقع وزارة التربية القبرصية وراسلتهم من أجل تعلّم اللغة على حسابي الشخصي بمعدل 90 دقيقة أسبوعيا!" يروي محمّد.ح عن متاعب اللجوء التي تلحق بالسوريين في قبرص إلى جانب العشرات منهم في مدن أخرى، ويؤكد أنه لم يأت إلى الجزيرة بمحض إرادته "إنما دفع للمهرّب 2500 دولار مقابل وصوله إلى أوروبا عن طريق اليونان من قبرص لكن المهرّب تركهم في قبرص واختفى"، فمحمد ينتمي إلى مجموعة من أقل من ثلاثة آلاف لاجئ سوري متبقين في قبرص منذ 2011، وتمثل العائلات حوالي 10 بالمئة من نسبة اللاجئين، بينما يشكل الأفراد من الشباب النسبة الأكبر وهم في تناقص، بحسب تقديرات منشورة مؤخراً، يعانون من عدم استطاعة الجزيرة تحمّل أعباء اللجوء رغم أنها جزء من الاتحاد الأوربي، ولكن لماذا؟
معظم السوريين الواصلين إلى قبرص كلاجئين، توزعوا على ثاني أكبر مدينة وهي ليماسول حيث يعملون في ورش البناء، ومنهم من عمل على افتتاح المطاعم والمقاهي وتشارك مع قبارصة وأشخاص من جنسيات أخرى، والعمل في مطابخ الحلويات، فيما احتفظت أكبر مدينة وهي العاصمة نيقوسيا بالنسبة الأقل من اللاجئين السوريين ومعظمهم عمل في المقاهي ومحال الحلاقة والتجميل و "البقاليات"، فيما تحل لارنكا كثالث مدينة لقربها من مخيم "كوفينو" للاجئين، ويعمل فيها أغلب السوريين بمهن مختلفة في المطاعم والزراعة و مشاريع طلاء البيوت والتمديدات الصحية والديكورات الداخلية وأحياناً في ورش القماش ومعامل الأجبان والألبان.
ويروي قاسم.س (37 عاماً)، المنحدر من ريف دمشق، كيف تم ترحيله قبل عام 2015 أكثر من ثماني مرات إلى تركيا وعاد بجوازات سفر مزوه، حتى قبلت قبرص لجوء السوريين بالحماية الثانوية في منتصف العام 2015، يقول: "جئت عن طريق البحر من ميناء طرابلس عبر قارب صغير مع عدد من السوريين عام 2014، لكن السلطات القبرصية رحلتنا جميعا، ثم عدت عن طريق تركيا عدة مرات حتى قبل لجوئي" يعمل قاسم على حسابه الخاص كمعلم "شاورما وفروج" وتنقل بين مدن قبرصية عديدة واستقر في لارنكا. "لم أتقدم بطلب مساعدات مالية من دائرة خدمات اللجوء، لأنهم يضعون عواقب أمامك حتى يدفعوا 341 يورو راتب اللجوء “، يقول قاسم، وهذا الراتب تُكمله دائرة المساعدات "ايبسلو ايبسلو" لكل لاجئ يعمل بدوام جزئي (30 ساعة) شهرياً في عمل يجده بنفسه، ثم تقوم الدائرة بعد ثلاثة أشهر بالبحث له عن عمل في "معامل الخردوات ومقالع الصخر ومعامل تدوير النفايات وشركات رعاية الحدائق" وبدوام كامل حتى يتوقف راتب المساعدات الذي يبدأ بعد انتظار نحو 9 أشهر بين المقابلات وقرار اللجوء وإجراءات الإقامة، بحسب ما أكد قاسم.
بين القانون والواقع
كل من قابلناهم من سوريين في مدينة لارنكا ونيقوسيا، أكدوا أن هذه البلد جيد من ناحية المناخ والخدمات العامة، لكنه غير قادر على استيعاب اللاجئين والعناية بهم وعلى الأقل منحهم لجوءاً كاملاً بدلاً عن الحماية الثانوية التي تأسرهم في قبرص إلى أجل غير مسمّى أو ينتظرون مهرباً جديداً وتكاليف كبيرة للهرب إلى بلد آخر أكثر اتساعاً للمهن والعناية الاجتماعية.
ويأتي اللجوء الكامل كأفضل صيغة للتعامل مع اللاجئين عموماً، ويمكن أن يستحق هذا اللجوء من ترى السلطات القبرصية أن حياته في خطر كبير فيما لو عاد إلى بلاده، ما يؤهله للحصول على إقامة سنوية وجواز سفر خاص باللاجئين، كما يحق له السفر خارج قبرص إلى دول أوروبا والإقامة لمدة لا تتجاوز تسعة أشهر، كما قال المحامي السوري القبرصي "عدنان غزالي" المختص بقضايا اللجوء في نيقوسيا، ويشرح غزالي في سياق حديثه عن الفروقات بين اللجوء الكامل والحماية الثانوية، بأن اللاجئ الذي يحصل على "لجوء كامل" فإنه يأخذ هوية ووثيقة سفر تخوله السفر خارج قبرص، مع الإمضاء على تعهد العودة إلى بلده الأصلي في حال توقفت المشكلات الأمنية، بينما يحافظ الحاصل على الحماية الثانوية، على جواز سفر بلاده ويحصل على إقامة سنوية مؤقتة يتم تجديدها، وكلا الحاصلين على اللجوء والحماية الثانوية يحق له العمل في قبرص.
أزمة مؤجلة
ليس هناك أرقام دقيقة الآن، لأعداد اللاجئين السوريين المعترف بهم، لأن الأغلبية بدأت تغادر قبرص مع منتصف العام 2016، بسبب تأخر قرارات اللجوء، ربما "حتى وزارة الداخلية لا يوجد لديها إحصائية دقيقة، فمعظم اللاجئين يدخلون من القسم الشمالي للجزيرة بطريقة غير شرعية، وقد غادروا باتجاه أوروبا بسبب عدم توفر حق لم الشمل هنا، ربما بقي المئات من اللاجئين السوريين في المخيمات" يقول الصحافي "يانيس أوانو" من جريدة "بوليتيس" ومعناها "المواطن" القبرصية اليومية، ويؤكد أن "قبرص نصف محتلة تقريباً، وهي ليست جزءاً من منطقة شنغن" وهذه الأخيرة تنص على "السماح بإلغاء عمليات المراقبة على الحدود بين البلدان المشاركة كما تتضمن أحكاماً بشأن سياسة مشتركة من أجل الدخول المؤقت للأشخاص" وذلك برأي الصحفي القبرصي يشكل "ضغطاً على البلاد فالسلطات هنا يحق لها أن ترحل أي مواطن سواء كان سورياً أو أمريكياً أو ألمانياً، لأن لديها قسم محتل”.
آفاق ضيقة
هناك لاجئون سوريون تجاوزوا مشكلة اللغة والحماية الثانوية وحتى البحث عن عمل، وهذا ما حدث مع وسام.ب (30 عاماً) الذي تعرف على امرأة رومانية تتحدث الإنكليزية، وهي تعمل في أحد معامل الأجبان والألبان، واتفقا على الزواج وبذلك حسب القانون تتحول إقامته من لاجئ إلى مقيم متزوج من أوربية شرط انقضاء ثلاث سنوات متواصلة على الزواج، بحسب مصدر قانوني.
"أعمل في برمجة المواقع، وكنت أقضي معظم وقتي في المنزل أو المكتب عندما كنت في سورية، والآن مضى عام على زواجي من امرأة قبرصية رومانية وأعمل على حسابي الخاص دون طلب مساعدات اللجوء”، يقول وسام، الذي يعيش في قرية ريفية قرب مدينة ليماسول، وفي سياق حديثه يرى أن "البلاد سياحية ولا دخل لديها إلا من الرحّل، ورغم تناسب تكاليف الحياة مع من يملك عملاً، إلا أن قبرص تبقى بلداً لم تستقبل سوريين إلا بعد تحول قصصهم إلى مآس ولجوء مؤجل" في تلميح منه لمشكلة اللاجئين الذين حدثت في أيار 2014 إضافة إلى ما حدث في أواخر العام 2015 حيث تم ترحيل العشرات ممن جاؤوا بقوارب عبر ميناء طرابلس وأنقذتهم السلطات القبرصية من المياه الإقليمية على دفعتين إذ تجاوز عددهم (200) لاجئ ومعظمهم غادر الجزيرة باتجاه أوروبا أو رُحّل إلى لبنان و تركيا.