س: هناك حديث كثير عن أزمة الشعر وعن العلاقة بين تطور الوسائل السمعية والبصرية والرقابة والمصاعب المادية وأسعار الورق. فهل الشعر في أزمة؟
م ن: لقد طرحت أشياء عديدة. إن طغيان المرئيات، التلفزيون والـ «سي إن إن» وغيرها، سوف يشغل الناس لفترة. لكن الأذن تظل دائماً بحاجة إلى شيء آخر. أنا مثلاً لا أحب أن أشاهد التلفزيون كثيراً. أحب أن أسمع ولا أدري لماذا. بعد فترة سيكون هناك توازن مرة ثانية. الجانب الثاني هو أسعار الورق والرقابة. طبعاً هذه تؤثر بشكل سلبي. وعندنا في البلاد العربية هذه الظاهرة، مع الأسف، أكثر تفاقماً. فقليل من الناس يمكنهم أن يشتروا كتاباً. مثلاً، بعض الكتب في سوريا سعرها ٨٠٠ ليرة وراتب الموظف ٣٠٠٠. أما في العراق فالموضوع لا يمكن الحديث عنه.
س: من الواضح أن هناك انحساراً في جمهور الشعر. هذه ظاهرة عالمية لا تقتصر على السياق العربي. هناك من يقول إن قصيدة النثر هي السبب؟
م ن: هناك قصائد نثرية جميلة. لا علاقة لقصيدة النثر بالموضوع. هناك علاقة بالاغتراب. بعض التيارات تطرح ما معناه أنه كلما كانت هناك غرابة أكثر في القصيدة وصعب فهمها فهي قصيدة عظيمة. وهذا شيء سيئ جداً. وهو في الحقيقة عجز من جانب تيار معين عن إيجاد جو شمولي للقصيدة. القصيدة تحتاج إلى جو وفضاء شموليين. وعند عدم مقدرتهم على توفير هذا يجمحون إلى الغرابة والغموض. تعجز أنت عن الفهم وتصبح أنت المتهم! الجماهير، بفطرتها، عندها عزوف عن هذا ولن تتابعه. وهذا هو رد فعل طبيعي وسليم وشيء جيد. أحياناً يكون الغموض جزء من المادة ويضيف لها جمالية. هذا الغموض ليس غريباً. أما تقصّد الغموض فهو مرفوض.
س: إذا ليس لديك مآخذ على قصيدة النثر كشكل. هل تعتقد أن بإمكانها أن تأخذ مكانتها؟
م ن: لن تحتل مكان أي شيء آخر. يبقى النهر نهراً والبحر بحراً والساقية ساقية. كل واحدة لها إيقاعها.
س: هناك من يتهمك بالمباشرة؟
م ن: هذا ليس اتهاماً وأنا أقول هذا.
س: هم يرون المباشرة عيباً.
م ن: أنا لا أتصورها عيباً وإلا لكنت تجنبتها.
س: هل هذا هو الثمن الذي تدفعه لكونك قريب من الجماهير؟
م ن: أنا دائماً أقول إنه عندما يكون لدي الوقت الكافي، أعمل على القصيدة كما يحلو لي. لكن هناك ظروف معينة. مثلاً، عندما احتلت إسرائيل لبنان، فهذا موقف يسحب فيه شخص سلاحاً لكي يقتلني. وبجانبي سكين لكن شكلها ليس جميلاً. ألا أستخدمها لضربه؟ بل سأستخدمها. أنت أحياناً تحتاج لأن تدافع عن وجودك وعن وجود أمة وشعب. فتستعمل السلاح القريب منك. لا تجلس لتفكر كيف تزخرف الخنجر. جميل جداً أن يكون الخنجر مزخرفاً. هذا رائع. ولكن في ظروف معينة تصبح القصائد برقيات. كنا نبعثها بالفاكس أيام لبنان. كانت تلعب دورها بين الناس وهذا ما يجعلني أكثر قرباً منهم. وعندما تكون قريباً من الناس تشعر بالكون بصورة أفضل. تشعر أنك جزء من النسيج الحي.
س: لمن تحب أن تقرأ؟ من يلهمك؟
م ن: أحب قصائد وليس شعراء. أحب المتنبي، مثلاً، في أغلب قصائده. لا أحب المديح. فيه صور جمالية لكنني لا أحبه. منذ صغري كنت أذهب إلى مكتبة والدي وآخذ ديوان المتنبي لأقرأه. وعندما يصل إلى المديح كنت أتركه.
س: ومن المعاصرين؟ إذا ذكرت لك أسماء هل من الممكن أن نعرف رأيك بها؟
م ن: لا أحب أن أجيب على أسئلة كهذه.
س: طيب. هل من المكن أن تحدثنا عن تجربتك المسرحية الأخيرة؟
م ن: هناك مجموعة من الشباب العراقيين في الشام. جاء قسم منهم من معسكر رفحة ومنهم من هو مخرج. كان لديهم جو من اليأس بخصوص إمكانيات العمل. فتكلمت مع شاب منهم وقلت له لماذا لا نقوم بعمل؟ كانت لدي محاولات مسرحية أيام يوسف العاني وكان يقول لي لماذا لا تكتب؟ فقلت لهذا الشاب إني سأكتب نصاً. لكي نذكّر الناس بأجواء العراق. وهذا هو المقصود أساساً وهو إعادة العراق للذاكرة. لأن الموجودين في الخارج بدأوا ينسون شيئاً فشيئاً. لكي نذكّر الناس. وسأكتبه بالعامية. فوافق وكان متحمساً وهو لديه قدرة إخراجية. جمعنا عدداً من العراقيين الموجودين في الشام من مختلف الاتجاهات: قصة وشعر. ووافقوا على الاشتراك معنا في التمثيل. لم تكن لديهم خبرة سابقة في التمثيل. واشتركت معنا بعض الأخوات السوريات، وهن ممثلات، لأننا كنا بحاجة إلى العنصر النسائي. وكان هناك شاب مغربي أيضاً. كان عدد الممثلين أكثر من عشرين وهذا صعب. يتطلب مقدرة كبيرة على تحريك المجاميع وقدرة جمالية في فهم فضاء المسرح. كنت أكتب فصلاً وأعطيهم إياه ليعملوا عليه. وفي الحقيقة فهم بذلوا جهوداً مضنية وعملوا في ظروف صعبة. كان العمل في المنتدى العراقي في دمشق. وحصلنا على تبرعات من النادي العراقي في ألمانيا ومن بعض الأشخاص. من صديقة سورية وصديق ليبي. واستمر التدريب لمدة سبعة أشهر. العمل الذي اخترته يدور حول التجربة التي عشتها في موقف السراي. كل شخصيات المسرحية هم من العاديين. واحدة منها فقط هي شخصية سياسية وانتهازية.
س: هل تم تصوير المسرحية؟
م ن: صورت، ولكن للأسف، لم تكن لدينا آلات حساسة. هناك بعض المقاطع التي صورها المخرج ولكن لم أشاهدها. الشخصية الرئسية حشاش كان معنا في موقف السراي اسمه «أبو سكيو». وكان محششاً وعيناه مغمضتان على مدار الساعة. لم أكن أنام في الليل. وفي الصباح كان هو يعمل الشاي لكي يصحو وكنا نتحدث. كان يتكلم وهو مغمض العينين ويحدثني عن «درابين» بغداد القديمة وساحة الكشافة والمكتبلية وعن سبب حجزه. كانت لديه حكايات كثيرة. كان يبيع «الباگٓلة» أمام وزارة الدفاع ويوقف عربته أمام محل لبيع الفاكهة. كان زبائنه يلقون بالقشور على الأرض بعد الأكل، فكان صاحب الدكان يتعارك معه ويقول له: لا تقف أمام دكاني لأنك توسخ الرصيف. وذات يوم قلب صاحب الدكان العربة وصادف أن مرت واحدة من الميدان كان أبو سكيو يحبها فخجل لأنه ضُرِب أمامها. فقام أبو سكيو بحرق الدكان في الليل وتم توقيفه. في المسرحية يسأل أحد الموقوفين، وهو السياسي، أبو سكيو: لماذا أنت هكذا؟ فيقول له أبو سكيو: كنت على ما يرام. لكن عندما بدأت أقرأ جرائدكم بدأت بالتحشيش. فالمسرحية فيها نقد لاذع ومر وإدانة للشخصية العسكرية. المسرح مقسوم إلى قسمين وفوق الموقف هناك عسكري يروح ويجيء مرتدياً نياشينه وهو المسؤول عن الوضع كله.
س: ما هي أقرب قصائدك إلى نفسك؟
م ن: كلها قريبة إلي. أنا أستمتع بآخر قصيدة أكتبها أكثر. الآن أعمل على قصيدة بالعامية. في البداية لا أكتب. بل أقلب الفكرة في ذهني.
س: للكتّاب طقوس وعادات معينة. هل تكتب في أوقات محددة؟ هل لديك طقوس خاصة؟
م ن: ليس عندي قانون. مثل الشرب. فأحياناً أشرب وأحياناً لا.
س: هل تمر بفترات جفاف لا تكتب فيها؟
م ن: كلا. في البداية ربما. أحياناً تمر ستة أشهر دون أن أكتب. وأنا أعرف هذه الفترات. قد أضجر فيها. لا أكتب ولكنني أجمع بشكل غير واع. أقول في إحدى القصائد « يغرق الداخل بالزبل إذا ما أضرب الشعر ليومين.»
س: عندما تركت بغداد آخر مرة، هل كان لديك شعور أو حدس أنها ستكون آخر مرة؟
م ن: عندما حلقت الطائرة فوق بغداد، وشاهدتها من فوق، بكيت وعرفت أنني لن أرجع لزمن طويل.
س: متى كان ذلك؟
م ن: بعد أن أتوا بعدة أشهر (١٩٦٨).
س: حين تحن إلى بغداد ما هي الصور التي تمر بذهنك؟ هل هناك صور أو أشخاص معينون؟
م ن: كل شيء. بالذات أيام الطفولة. لكنني أتذكر كل الناس ولدي حنين شديد لهم. بعضهم رحل إلى غير رجعة.
س: تنقلت في مدن عديدة في المنفى. فهل هناك مدن أحسست فيها بحميمية أو ارتحت أكثر فيها؟
م ن: عشت في أوربا ثماني سنوات ولم أحبها. عشت في اليونان وفي باريس و ومدن أخرى. عندما أكون على الطائرة إلى أي بلد عربي أجدني أبتسم دون إرادتي. حينما أذهب بالطائرة إلى ليبيا، مثلاً، أشعر بقدوم الشمس. في سوريا كذلك نفس الشيء. ولدي أصدقاء كثر وهناك ود عجيب بيني وبينهم.
س: وقعت عدة محاولات ضدك. هل من الممكن أن تحدثنا عنها؟
م ن: هم يتابعونني. ذات مرة التقيت بشخص من حراسات صدام أثناء اختطافي في اليونان.
س: متى؟
م ن: أيام الهجوم على المفاعل النووي العراقي. سحب مسدساً وعليه كاتم للصوت وكان أحد الأسئلة التي وجهها لي هو عن جواز السفر الذي استخدمه. كانوا سينقلوني للسفارة لإجراء تحقيق طويل معي. فقلت له: جواز عراقي. ولم يكن هذا صحيحاً حيث أنني استعملت عدة جوازات. فقال لي: دوختنا ثلاث عشرة سنة. كلما تبعناك إلى مكان ما تتحرك إلى مكان آخر. مما يعني أنهم كانوا يتابعوني.
س: هل كنت تتقصد مراوغتهم؟
م ن : كنت حذراً ولكن ليس بالقدر الكافي.
س: وكيف تخلصت منهم؟
م ن: قصة طويلة. ربطوني بحبال وزرقوني بإبر منومة. ولكن كان لدي إحساس داخلي بأنني سأنجو. كنت أشعر بذلك.
س: وماذا عن المحاولة التي وقعت في اليمن؟
م ن: كان هناك تخطيط لمحاولة. ولكن اتصل شخص من السفارة ليحذرني من الذهاب إلى مكان معين. زوجته حثته على أن ينبهني. لم يذكر اسمه ولكنه قال إن زوجته كانت تصب الشاي لمجموعة كانت تجتمع في بيته وسمعتهم يتحدثون عن الخطة ونقلت الكلام له.
س: قلت لي في لقاء سابق إنك التقيت مرة بصدام؟
م ن: نعم. بعثوا علي من القصر الجمهوري وكان حديثاً طويلاً. كانوا يحاولون استرضائي بكافة الوسائل وعرضواعلى أن أشغل منصباً. لم أكن مستهدفاً بصورة شخصية آنذاك.
س: كان صدام نائباً للرئيس في حينه؟
م ن: كلا، لم يكن لديه أي منصب. كان قيادياً في الحزب. لم يكن متوتراً وكان دمثاً في الحوار بالرغم من إجاباتي التي كانت واضحة جداً. مثلاً أحد الأسئلة التي سألها هو: ألا تثق بنا القيادة المركزية؟ وكنت أتكلم معه علي أساس أنه ليست لي علاقة بأحد. فقال لي: حسناً. أنت، مطفر النواب، هل تثق بنا أم لا؟ فقلت له: يمكنك أن تعيدني إلى الموقف. ليس عندي ثقة بكم. ضحك ولم يقل شيئاً. لا أدري. هو لديه تفكيره وأبعاده. لكن هذا ما دار.
س: ماذا تذكر عن فهد؟
م ن: كنت صغيراً عندما أعدم. كنت طالباً في المتوسطة. أذكر أن أحد الذين أعدموا معه كان يهودا صدّيق، وكان يدرسني مادة الهندسة.
س: هل هناك شيء ندمت عليه فكرياً أو حياتياً؟
م ن: لا. هذه حياتي ولو عادت من جديد فستكون كما هي. بالعكس، أنا سعيد لأن هذه الحياة مكنتني من أن أكتب وأن أرسم.
س: هذه ثاني زيارة لك لأمريكا خلال عام. ما هي انطباعاتك عنها وعن ثقافتها؟
م ن: بلد ضخم. ضخم فقط. بصراحة، لم أحتك بالمجتمع الأمريكي.
س: تحدثت عن دستيوفسكي. لمن تقرأ من الأباء العالميين وهل تقرأ الشعر المترجم أو الروايات؟
م ن : أقرأ الشعر المترجم ولكن لا أحبه بالضرورة. هناك أشياء أحبها لكن الكثير يضيع في الترجمة. أقرأ الكثير من الروايات. وأحب قراءة الكتب العلمية وكتب الفلك. فيها خيال عجيب وتضيف أشياء كثيرة. كما أحب القراءة في علم الأحياء والوراثة وأحاول اقتناء هذه الكتب، خصوصاً بعد تجربة موت سريري مررت بها في عدن.
س: موت سريري؟ كيف؟
م ن: قصة طويلة لا يتسع لها المجال. أنا أظل أعاند وأي قضية لا أوافق عليها لابد أن أفهمها. وهذا كان أحد الخلافات في العمل السياسي. فهم يقولون لك يجب أن تنفذ ثم تعترض. ما هي الفائءة؟ بعد خراب البصرة؟ أنا أعتقد أنه رذا لم تفهم قضية ما يحب أن تستمر بالاعتراض. كان يجب أن أفهم تجربة عدن، فقرأت كمية هائلة من الكتب. بقيت لسنة ونصف في القاهرة أتابع الموضوع. قرأت كتباً كثيرة في الفيزياء وكل ما له علاقة بالتجربة ولا تزال غير مفهومة.
س: هل هناك محاولات لترجمة شعرك؟
م ن: هناك شخص قام بترجمة «وتريات» إلى اللغة الانكليزية وبعث لي بنسخة. الطاهر بن جلون ترجم بعض القصائد إلى الفرنسية ونشرها في «اللوموند». وهناك شاب عراقي في الدانمارك ترجم قصيدة واحدة ونشرت ضمن مجموعة لشعراء عراقيين. كما أن هناك باحثة أمريكية تعد كتاباً عن شعري وهي التي قدمتني في العام الماضي في جامعة هارفارد.
س: هل من الممكن أن تحدثنا عن تجربة الهرب إلى إيران واعتقالك هناك؟
م ن: بعد انقلاب ١٩٦٣ هربت عن طريق المحمرة إلى إيران واختفيت في طهران لفترة. كانت رجلي قد التوت وتورمت لأنني كنت ملاحقاً وتهت أثناء العبور. في إيران اتصل بعض العراقيين بالتنظيمات اليسارية هناك فهيأوا لنا سيارة تبرع بها أحد الأصدقاء. وبعثوا معنا بشخص ليذهب معنا إلى الاتحاد السوفيتي. وكنا قد ادّعينا بأننا نذهب إلى مصيف. أنا كنت أتكلم القليل من الفارسية. أحد الذين كانوا معنا لم يكن يعرف الفارسية فادعى أنه أخرس. ولكنهم اكتشفوا الأمر وأعادونا إلى طهران حيث تم تعذيبنا. وجدنا عدداً كبيراً من المعتقلين معنا. بقينا هناك من الشهر السابع، حين ألقي القبض علينا، إلى الثاني عشر. ولم نعلم بحصول تغيير في العراق وبقدوم عبد السلام عارف. ويبدو أنه كانت هناك صفقة بين الحكومتين، العراقية والإيرانية، لاستبدالنا بمناضلين من حزب توده. فأعادونا إلى البصرة. أخذونا إلى موقف البصرة ثم عزلوني وأخذوني إلى العمارة لأنني كنت أذهب إلى الأهوار. وبعد تحقيق شكلي أرسلوني إلى بغداد. وفي بغداد أحالوني إلى المجلس العرفي. ولم تكن محاكمة. تقف ويطلبون منك أن تشتم الحزب الشيوعي. وإن لم تشتم يحكم عليك، وإن شتمت تحصل على البراءة. ووضعوني في البداية لكي يؤثروا على مئة وعشرين شخصاً. كلنا كنا من الكاظمية. وأنا كنت في بغداد وقاومت في ساحة التحرير وليس في الكاظمية. قالول لي: اشتم، فقلت لهم: كلا. قالوا: اشتم كل الأحزاب، فقلت: لا. هم أرادوا أن يؤثروا على موقف البقية على أساس أن انهياري سيضعفهم. فحكموا علي بعشرين سنة وأخذوني إلى غرفة جانبية وحكموا علي بثلاث سنوات من أجل قصيدة «البراءة». حاول أهلي أن يخرجوني بالواسطات وما شابه ولكن دون جدوى. كان المدعي العام هو غالب فخري والحاكم نافع بطة.
س: وماذا عن محاولة والدتك زيارتك في طهران وتأثيرها في حياتك؟
م ن: بدأت معاناة والدتي معي منذ بداية ارتباطي بالحركة السياسية. فهي كانت معي في كل خطوة. كانت تزورني كل يوم في الموقف وكل أسبوع عندما كنت في نگرة السلمان. وعندما سمعت أنني كنت في السجن في طهران صممت على أن تأتي. وكان الحصول على جواز مسألة شبه مستحيلة. فعبرت الحدود بصورة غير شرعية (قچغ). ووصلت إلى نفس السجن الذي كنت فيه لكنها لم ترني لأنه في نفس اليوم تم تسليمي للعراق. وعندما عادت عرفت بأنني حوكمت. عندما خرجت من العرفي كنت في سيارة مشبكة، فقلت لها: «عشرين سنة». وبدأت الزغاريد بعد أن قلت ذلك. هم كانوا يخافون من أن يكون الحكم بالإعدام. توفيت والدتي في العام الماضي. أخبروني وأنا في مطار تونس. وتضايقت جداً لأنه لم يكن بجانبي أحد. أحسست قبلها بوقت مثلما أحسست بوفاة والدي.
س: كيف؟ ومتى توفي الوالد؟
م ن: توفي الوالد في ١٩٨٢. كنت أتصل بهم مرة كل أسبوع أو أسبوعين. ومرت فترة أسبوعين ولم تكن لدي رغبة بالاتصال. لم يكن هناك اتصال من ليبيا. وفي تونس، من رنين الهاتف أحسست بوجود فراغ في البيت وكأنها غير موجودة. اتصلت بكل البيوت ولم يكن هناك جواب. ثم رفع السماعة ابن أختي وقال: قبل قليل أخذوها إلى النجف.
س: هل صحيح أنه كانت هناك محاولة لاغتيالك بعد أن قلت جملتك الشهيرة «يا أولاد القحبة، لا أستثني منك أحداً»؟
م ن: أطلق علي النار ذات ليلة ولكنني نجوت. الآن تعودوا عليها (يضحك).
س: هناك أسئلة كثيرة ولكن، للأسف، ليس هناك وقت.
م ن: الأسئلة ما تخلص (يضحك).
س: شكراً جزيلاً.
م ن: يا أهلاً ومرحباً.
***
يمكن قراءة الجزء الأول هنا والثاني هنا.