تشهد الساحة الحقوقية في تونس جدلاً واسعاً ومتواتراً بشأن منشور لا زال يثير حفيظة المنظمات الحقوقية. فمن فترة لأخرى تصدح أصوات المدافعين عن حقوق المرأة التونسية تطالب بإلغاء منشور يصفه البعض بأنه منشور ظالم ومجحف.
المنشور الصادر عن وزير العدل والمؤرخ في 5 نوفمبر 1973 مازال يمنع ضباط الحالة المدنية في تونس وعدول الإشهاد من إبرام عقود زواج تونسيات مسلمات بغير المسلمين. يعد زواج التونسية المسلمة بغير المسلم باطلاً وغير قانوني لكن يجوز لها في المقابل إثبات اشهار الزوج غير المسلم إسلامه لدى مفتي الديار التونسية .
هذا المنشور، الذي لا يزال يخيم بظلاله على التونسيات اللواتي يردن الزواج بأجنبي غير مسلم، ما زال يثير حفيطة أكثر من ستين جمعية حقوقية في تونس طالبت بإلغاء حظر زواج المسلمات التونسيات بغير المسلمين باعتباره يتعارض مع حرية الضمير المنصوص عليها في الدستور التونسي الجديد وفق تقديرهم.
من أجل الدفع لإلغاء المنشور وقّعت ستّون جمعية نداء لإلغاء هذا الإجراء الصادر عن وزارة العدل التونسية في 1973.
يعتبر الأستاذ الجامعي وحيد الفرشيشي، رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، أن هذا المنشور يطرح بالأساس إشكالية جوهرية من حيث كونه يعرف التونسيات بأنهن بديهياً مسلمات في حين ”لا توجد أي وثيقة تؤكد الديانة“ في الجمهورية التونسية، وفق تعبيره.
ويأمل إئتلاف الجمعيات في سحب الإجراء بحلول نوفمبر 2017. ويعتزم للتوصل إلى ذلك حشد الرأي العام والاجتماع بوزيري العدل والداخلية وبرئيس الحكومة.
لن يتسنى للشابة رشا الزواج بحبيبها الأجنبي ما لم يتم الاستغناء عن المنشور الذي يمنع
عليها الزواج دون وثيقة تثبت إسلام حبيبها .وثيقة يحصل عليها الزوج من مفتي الجمهورية التونسية.
وهي لا تريد إجبارخطيبها على تغيير ديانته بشكل صوري من أجل إتمام إجراءات الزواج منها. فهي
ترى أن المنشور مظلمة وأن موقعها كحقوقية أيضا يمنعها من الخضوع لتقاليد بالية على حد تعبيرها.
تقول الشابة في تعقيب عن رأيها في الموضوع :
” لا يجوز لي حقيقة أن أجبر شخصا ليغير دينه ومعتقده. هذا أمر غير سهل فمن
تربىعلى شيء وتعلم وعاش في مجتمع مغاير لا يمكن أن آتي أنا لأقول له إنهيجب أن تغير ديانتكوقناعاتك
من أجل حبي. ما ذنب خطيبي حتى يجبر على أن يصبح له اسم عربي وينال شهادة في الإسلام .هناك من يتقبلها لأنه يحب المرأة ولكن هذا قد يتعارض مع قناعاته الداخلية وبالتالي تصبح المسالة شكلية فقط للحصول على مجرد ورقة لكن في الحقيقة هو لن يصبح مسلما في داخله ليس هناك من أحد يغير دينه لمجرد الزواج فقط“. تعيش رشا منذ عامين علاقة حب مع شاب أجنبي ولكنها تؤجل فكرة الزواج به على أمل أن تنجع جمعيات
المجتمع المدني في إجبار السلطات التونسية الاستغناء على هذا المنشور .
تنوي رشا رفع قضية عدلية ضد الدولة التونسية التي تفرض على غير المسلم تغيير ديانته من أجل الزواج . وفي حال فشلت جهودها وجهود المنظمات الحقوقية في إلغاء منشور تعتبره رشا غير عادل فقد تضطر الفتاة إلى عقد قرانها على حبيبها الأجنبي غير المسلم خارج تراب البلاد التونسية. في المقابل حتى إن أتمّت الشابة زواجها خارج حدود وطنها تونس فهي لن تستطيع بأي شكل من الاشكال تسجيل زيجتها في سجلات الحالة المدنية في تونس .فإذا بقي المنشور ساري المفعول فإن رشا وغيرها من التونسيات اللواتي يتزوجن بالأجانب خارج تونس مضطرات حتى بوثيقة الزواج الاجنبية المرور بمفتي الديار التونسية لإتمام الزواج في تونس .
تستغرب رشا هذا الحيف الاجتماعي وما يفرضه منشور وزارة العدل في بداية السبعينات .اذ إنها تستغرب أن يكون أخوها قادرا على الزواج بغير المسلمة بين عشية وضحاها دون تعقيد ولا قيود أما هي فهي تقول:”هل لكوني إمراة أحرم من إختيار زوجي و حتى إن إخترته يتحكمون في ديانته؟ أي قانون وأي دولة هذه التي مازالت تعطي للرجل إمكانية الزواج بمن يشاء وقت ما يشاء فيما أواجه أنا المواطنة التونسية مثله عوائق جمة للزواج وأكون مضطرة للمرور باجراءات معقدة إذا أردت الزواج بأجنبي. الا يعد هذا انتهاكا صارخا لحقوق المرأة في بلد يدعي تقدميته في خصوص حقوق المرأة ومكاسبها الحداثية؟“
تعد تونس في طليعة بلدان العالم العربي من حيث الحقوق التي تتمتع بها المرأة ،وقد نص دستور الجمهورية الثانية لعام 2014 على المساواة بين المواطنين المواطنات في الحقوق والواجبات وحرية الضمير والمعتقد. إلا أن القوانين في تونس تنص على أن الزوج هو رئيس الأسرة، وتميز بين الرجل والمرأة في الشؤون المتعلقة باقتسام الميراث.
جمعيات عاجزة عن تغيير الواقع لا يهدأ بال الشابة غيداء ثابت الناطقة باسم رئيسة جمعية الدفاع عن حقوق الأقليات ما لم يتم الاستغناء عن منشور 1973. تعتبر أن النضال ضرورة من أجل الاستغناء عن هذا المنشور غير الدستوري من وجهة نظرها.
تعتبر غيداء وغيرها من الحقوقيين في تونس أن في المنشور تعدياً صارخاً على حرية الضمير والمساواة بين المواطنين. تصرح في سياق تعقيبها على المنشور : « يتحدثون في تونس عن حرية المعتقد واحترام الحياة الشخصية وكل الحريات التي يتشدقون بها، ثم تجد وسط كل هذه المنظومة من القوانين المتطورة أن المرأة التونسية نمنعها من الزواج بغير المسلم. ألا يعد هذا تناقضاً؟ كثيراً ما نفتخر بالمرأة التونسية ونقر أنها متساوية مع الرجل .امرأة متحررة ومثقفة وطرقت كل المهمات. فهي قاضية وهي والية وهي تقود طائرة ثم عكس كل هذا لا تمنحها الدولة مجرد حرية اختيار زوجها: هل يعقل أن تتدخل الدولة في قرارها وتفرض عليها الزواج بهذا وتمنع عليها الزواج بذاك؟ ما أريد قوله هو أنه يجب أن يكون الإنسان، رجلاً أو إمرأة، حراً في اختياراته و قناعاته ».
و تفيد إحصائيات اعتناق الإسلام في دار الإفتاء التونسية الواردة في النشرية الفصلية «فتاوى تونسية» أنّ عدد معتنقي الإسلام في تونس خلال أربعة اشهر فقط من السنة الفارطة 2016 بلغ من الرجال 242 ومن النساء 27.
و تتساءل غيداء ثابت إزاء هذه الارقام .هل كل هؤلاء أصبحوا حقاً مسلمين؟ وهي لا تعتقد ذلك أبداً، إذ تفيد أن جمعية الدفاع عن حقوق الأقليات تتلقى، وغيرها من الجمعيات الحقوقية في تونس، الكثير من مطالب التشكي من المنشور الذي يمنع التونسية المسلمة من الزواجي بغير المسلم دون الاستظهار بشهادة في الإسلام من مفتي الديار التونسية .
وتضيف غيداء ثابت أن الجمعية تحدثت مع الكثيرين ممن تجاوبوا مع إجراءات إثبات الإسلام لإتمام الإجراءات القانونية للزواج غير أن غيداء تؤكد أن كل من تظاهروا بالحصول على شهادة في الإسلام مضطرون «للنفاق» لأنهم يقبلون بإتمام الإجراءات لإتمام ملف الزواج لكنهم في داخلهم غير مقتنعين باعتناق الديانة الاسلامية.المسالة بالنسبة اليهم لا تعدو أن تكون أمورا شكلية للحصول علي وثيقة مجردة من كل مضمونها ولا علاقة لها بقناعات الشخص أو توجهاته الدينية.
و تقر غيداء ثابت من جمعية الدفاع عن الأقليات في تونس ان الدولة التونسية تعيش تناقضا واضحا بابقائها على منشور لا يتناغم مع ما صادقت عليه من اتفاقيات دولية تنص على حرية الضمير والمعتقد وحرية الانسان بشكل عام .
ولكن تظهر قمة التناقض حين يتطلع الحقوقيون إلى مجلة الأحوال الشخصية التي تنص في الفصل الخامس منها على موانع الزواج .يذكر أنّ مجلة الأحوال الشخصية حددت موانع الزواج، وقسمتها الى مؤبّدة و مؤقتة، وقد عرف القانون الموانع المؤبّدة، بكونها القرابة أو المصاهرة أو الرضاع أو التطليق ثلاثاً، أما الموانع المؤقتة، فهي تعلّق حق الغير بزواج أو بعدّة.في المقابل لم تورد المجلة اختلاف الأديان ضمن هذه الموانع، غير أن عدداً من فقهاء القانون أقروا بعدم شرعية زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير أهل الكتاب، على إعتبار ان تونس دولة إسلامية، ومجلة الأحوال الشخصية مستمدة من الشرع الإسلامي، وبالتالي فإن ما حرم بمقتضى النص القرآني، محرم ومجرم في العرف التونسي، ولو لم يتم التنصيص عليه صراحة ضمن النصوص القانونية، إذ يفترض لصحة إبرام عقد الزواج، خلو الزوجين من الموانع الشرعية المتعارف عليها في الفقه الاسلامي.
أسر تونسية محافظة تضع حداً لزواج الفتاة التونسية المسلمة بغير المسلم
ن.م صحافية تونسية، تعودت في عملها على السفر كثيراً و جابت بلدان الاعالم و في إحدى سفراتها تعرفت على صحافي بريطاني فكان بينهما علاقة حب كبيرة تطورت الى حد التفكير في الارتباط الشرعي و الزواج .لكن ن.م اصطدمت هي الاخرى بالواقع .فهي مضطرة لاقناع حبيبها بالحصول على شهادة تثبت إسلامه حتى تتم إجراءات الزواج به و حتى توافق عائلتها على هذه الزيجة.غير أن الشابة الثلاثينية اضطرت بعد قصة حب إلى قطع العلاقة فحبيبها غير مستعد لخوض غمار الإجراءات المعقدة للحصول على شهادة دخول الاسلام .
فشهادة اعتناق الدين الإسلامي الممضاة من قبل إدارة الإفتاء هي أحد أبرز وثائق عقد الزواج المطلوبة. وتسمّى هذه الشهادة لدى إدارة الإفتاء “بشهادة مبايعة صاحبها على الإسلام”. و تتمثل أبرز الاجراءات في النطق بالشهادة أمام المفتي و حفظ ثلاث آيات قرآنية .
لكن بعض العائلات التونسية المحافظة كثيراً ما تشترط على الفتاة التي ترغب في الزواج بأجنبي غير مسلم الختان .و هو شرط مخيف و مؤرق لرجال كثر غير مسلمين ممن يودون الزواج بتونسية مسلمة .
و تعلق ن.م على نظرة المجتمع التونسي بأن الكثير من الأسر التونسية المحافظة مازالت تعتبر أن زواج الفتاة المسلمة بغير المسلم حرام و هوغير مباح ويتعارض مع مبادىء وقيم الديانة الاسلامية.
تقول الشابة ن.م متحدثة عن موقفها من قضية شرط شهادة في اعتناق الدين الإسلامي من مفتي الجمهورية التونسية:« كانت العلاقة بيني و بين حبيبي السابق جد حميمية وكنا نتفق في الكثير من الأشياء لكن ما كان لها أن تنجح فلا أنا مستعدة للزواج به خارج تونس ومعارضة عائلتي ولا هو كان مستعداً لأن يغير قناعاته من أجل الزواج بي. كانت كل المؤشرات تقود إلى واقع لا يمكننا تجاهله هو أن زواجنا مسألة شبه مستحيلة لذلك قررنا الابتعاد حتى لا نصطدم بمعوقات مجتمعية و إجرائية لا نملك الشجاعة على تخطيها ».
منشور يؤسس لتكفير يجرمه قانون الارهاب …أما موقف المشرع التونسي من جواز زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير المسلمة فهو منقسم إلى رأيين فقهيين متناقضين، يؤكد الأول على المنع فيما يؤكد الآخر الإجازة.
ولئن يجمع جل القضاة على أن إلغاء، المنشور الصادر عن وزير العدل والمؤرخ في 5 نوفمبر 1973 والذي يمنع التونسية المسلمة من الزواج بغير المسلم ما لم يدخل الديانة الإسلامية، مسألة غير واردة في الوقت الحالي فإن بعضهم يعتبر أن للقاضي مجال الاجتهاد الشخصي في هذا الباب .
إذ تقول القاضية ثريا الجريبي، رئيسة المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة في هذا السياق :« دور القاضي التونسي ليس تطبيق القانون فحسب وإنما لا بد أن تكون لديه اجتهادات قضائية، لا بد أن يكون صانع الحقوق وحامي الحريات بموجب الدستور التونسي الجديد. القاضي مطالب بالاجتهاد لان الاجتهاد دوره كذلك تحقيق معايير حقوق الانسان في تونس.»
هذا وتكشف أغلب الأحكام القضائية المنشورة عن توجه المحاكم لعدم الأخذ باختلاف المعتقد كسبب لفساد الزواج وتبعا لذلك لعدم استحقاق الإرث، مع وجود أحكام قضائية مازالت تصر على المنع وتصرح بحرمان القرين الأجنبي الذي لم يثبت إسلامه بحكم تسميته التي يستشف منها دينه أو بشهادة رسمية من دار الإفتاء من إرث قرينه أو أبنائه منه.
أما المحامي لدى التعقيب بلحسن النوري فهو يذهب بموقفه من مجرد الانتقاد إلى موقف أكثر صرامة.
إنه يعتبر «أن إجبار غير المسلم على اعتناق الديانة الاسلامية من أجل الزواج ضرب من ضروب التكفير
الضمني لغير المسلمين. والتكفير في المشرع التونسي جريمة يعاقب عليها القانون. فما من أحد يملك صكوك الإيمان بالديانة التونسية ليوزعها على
الناس .من غير المعقول أن نطلب من الآخر و نجبره علىإتباع ديانة بعينها .فكانما نحن نكفره والتكفير
جريمة يعاقب عليها قانون مكافحة الارهاب في تونس».
و يرى المحامي بلحسن النوري أنه من غير المقبول أن نجابه المواطن بإجراء داخلي لوزارة العدل التونسية صادر في بداية السبعينات .منشور لم يرد لا في الدستور ولا في قوانين البلاد التونسية التي تعد مرجعاًكل المواطنين التونسيين. ويضيف :«المنشور لا يشرع للقوانين و المفروض أن لا تعارض المناشير القوانين المعمول بها في اي بلد .نحن أمام مسالة شائكة و خلافية تعيد علينا طرح السؤال عن مرتبة الدين فيقوانين الدولة و تشريعاتها».
ومن هذا المنطلق يعتبر النوري أن المشرع التونسي والإدارة التونسية مازالا يفتقدان الشجاعة الكافية لاتخاذ موقف واضح بشان المنشورالذي يمنع التونسية المسلمة من الزواج بغير المسلم ما لم يدخل الديانةالإسلامية.
و يردف :« نحن نحتاج لكثير من الشجاعة من قبل القضاة و أهل الاختصاص الشرعي ومؤسسات الدولة لنبت في عدة قضايا دينية لأن ثقافتنا الدينية ثقيلة برواسب تجاوزتها في غالب الأحيان الأحداث و قد حان الوقت لمراجعات في بلد عرف ثورة كانت المرأة فيها في الصفوف الامامية لتغيير النظام الدكتاتوري ».