ينظم المغرب انتخابات سابقة لأوانها اليوم الجمعة في سياق وطني وإقليمي ودولي مفصلي. الحديث عن انتخابات 25 نوفمبر يستتبع الحديث عن الظروف المحلية والاقليمية والدولية التي عجلت بها وجعلتها ممكنة رغم أن كل المؤشرات القادمة من البلد كانت تنبئ بالعكس حتى بعد انتكاسة انتخابات سنة 2007 التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 37%، كانت 19% من الأصوات ملغاة مما جعل البرلمان "منتخبا" بنسبة 18% من الأصوات المعبر عنها فقط. انتخابات هذا الأسبوع، التي كان مقررا إجراؤها في شهر سبتمبر/أيلول سنة 2012، سابقة لأوانها لأن المغرب العربي والوطن العربي بأشمله شهد زلزالا سياسيا لم يعجل فقط بالانتخابات بل أيضا بسلسلة من الإصلاحات السياسية كانت ستنتظر لعقود قبل تحققها رغم اختلاف الفاعلين المغاربة حول جديتها. سنتناول في هذا المقال المسار الذي أدى إلى هذه الانتخابات والتحديات المطروحة على الفاعلين السياسيين في البلد بعد الانتخابات. قبل مناقشة الموضع الرئيسي، لابد من الإشارة إلى أن المغرب في طريقه إلى الولاية التشريعية التاسعة منذ استقلاله عن فرنسا سنة 1956. من المهم أيضا الاشارة إلى أن الاصلاح الدستوري في فاتح شهر يوليوز/تموز لم يكن الأول في تاريخ المغرب السياسي لأنه سبقته إصلاحات دستورية في سنوات 1970، 1972، 1992 و1996. كل إصلاح دستوري حدث في ظروف داخلية وخارجية مفصلية لا يتسع هذا المقال لذكرها ومن المهم أيضا التذكير بأن أول مشروع دستوري في المغرب كتب في سنة 1908 غير أن الحماية الفرنسية أجهضته.
الحديث عن الانتخابات المغربية يفرض إعطاء لمحة عن المشهد السياسي المغربي لسبر مواقف الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة المغربية فيما يتعلق الاصلاحات الدستورية. انطلاقا من تتبعنا لخطاب الاحزاب السياسية القانونية (على اعتبار أن حركة العدل والاحسان بزعامة عبد السلام ياسين غير مرخص لها) قبل ميلاد حركة 20 فبراير، حددنا الأقطاب الثلاثة التالية:
قطب إصلاح الدستوري كمدخل أساسي للإصلاح السياسي و الديمقراطية الحقيقية، ويتشكل هذا القطب من الحزب الاشتراكي الموحد، حزب النهج الديمقراطي، حزب الطليعة الاشتراكي والحزب الاشتراكي. هذا القطب يتشكل بشكل خاص من أحزاب اليسار الجذري التي تتبنى خطا إيديولوجيا قويا يستند على التراث اللنيني والماركسي. مكونات هذا القطب معظمها أحزاب صغيرة ولكنها فاعلة جدا في الحياة السياسية المغربية نظرا لقربها من المواطنين وتفاعلها اليومي مع قضاياهم الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية مما أكسب خطابها شرعية شعبية لا تتوفر للأحزاب الأخرى. وهنا لابد من التذكير بندوة عقدتها هذه الأحزاب في مقر الحزب الإشتراكي الموحد في يناير سنة 2009 تحت عنوان "الإصلاحات الدستورية مدخل للتغيير الديمقراطي" تخليدا لذكرى مرور مئة سنة على دستور 1908. هذه الاحزاب تؤمن أيضا بأن المغرب في حاجة إلى إصلاح دستوري عميق يعيد توزيع السلط بين مختلف الفاعلين في الساحة السياسية ويتوج بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم. الملاحظ أن هذه الاحزاب رغم شعبيتها وحضورها الحقوقي والجماهيري لم تستطع ترجمة هذا الحضور إلى إنجازات سياسية على مستوى البرلمان وذلك لسببين: الاول هو مقاطعتها المستمرة للإنتخابات نظرا لرفضها للظروف التي تجري فيها، وثانيا عدم فوز مترشحيها عندما يترشحون لأن الآلة الانتخابية لاتستند على معطيات الشعبية والخطاب السياسي فقط بل أيضا على القدرة المالية وأشكال الرعاية التي استطاع الأعيان ترسيخها في الممارسة السياسية المغربية وأصبحت تشكل جزءا من الفساد السياسي الذي يجب أن تحاربه الاحزاب.
قطب الحاجة إلى التوافق على الإصلاحات الدستورية. ويتشكل هذا القطب من الأحزاب المسماة وطنية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، التي تشكل ما يسمى بالكتلة الديمقراطية، والاحزاب التي اصطلح على تسميتها بالأحزاب الادارية، مثل التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري والأصالة والمعاصرة. وتسمى هذه الاحزاب إدارية نظرا للظروف التي ولدت فيها وكذلك نظرا لقربها من الإدارة الترابية وتنسيقها المسبق مع المخزن للتحكم في الخارطة السياسية والتحالفات. هذه التكتلات الحزبية تشارك في الحكومة بشكل أو بآخر ولم تكن ترى داعيا للإصلاح الدستوري في المغرب بل كانت ترى أيضا أن الاصلاح يجب أن يتم في إطار توافق وطني بين الاحزاب والمؤسسة الملكية في إطارأحزاب الوفاق والكتلة الديمقراطية. من هذه المجموعة يمكن تمييز موقف الاتحاد الاشتراطي الذي غالبا ما لجأ إلى إشهار بطاقة الإصلاحات الدستورية كلما ساءت علاقته بالسلطة، لدرجة أن المتتبعين لخطابه السياسي طوروا فكرة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي "يهدد" بالإصلاح الدستوري كلما اقترب استحقاق يمس مصالحه.
القطب الأخير يتشكل من حزب العدالة والتنمية. هذا الأخير يتبنى موقفا ملتبسا من تعديل الدستور وكثيرا ما تحدث قادته عن احترامهم لرأي الأغلبية دون أي تحديد. هذا الموقف الملتبس للحزب نابع من الظروف والشروط التي سمح له في إطارها بممارسة العمل السياسي المشروع مما يحتم عليه اثبات نفسه قبل الخوض في هذه النقاشات. غير أن الحزب يتميز بتشبثه الواضح بما يطلق عليه الثوابت الوطنية، وهي: الملكية، الدين الاسلامي، الوحدة الترابية للمملكة، الانتماء العربي للمغرب ثم التداول الديمقراطي والسلمي للسلطة.
يمكن اعتبار هذه اهم الاتجاهات التي كانت سائدة في المغرب فيما يتعلق بالاصلاح الدستوري وكل المؤشرات كانت تدل على ألا تغيير كان سيقع في البلاد نظرا لعدم وجود رغبة لدى الأحزاب في الدفع بمطالب للإصلاح الدستوري. لكن رمال السياسة تتحرك بشكل سريع وحدثت الكثير من المتغييرات التي فرضت على الفاعلين السياسيين وعلى النظام المغربي رد فعل سريع لم يثمر تغييرا دستوريا فحسب بل أيضا انتخابات برلمانية سابقة لأوانها.
فسقوط نظام بنعلي بعد شهر من الاحتجاجات، واستقالة الرئيس مبارك من رئاسة مصر تحت الاحتجاجات الشعبية وكذلك بدء بوادر الثورة المسلحة في ليبيا وامتداد هذه الاحتجاجت إلى الخليج الفارسي (العربي) وموقف الدول الغربية غير الواضح من حلفائها السابقين، كلها عوامل أدت إلى ولادة حركة ديمقراطية مغربية اتفق أعضاؤها على الخروج إلى الشارع والاحتجاج يوم 20 فبراير. و كان ذالك التاريخ أيدانا بميلاد حركة 20 فبراير المغربية.
حركة 20 فبراير تعرف نفسها بأنها تجمع نشطاء مغاربة "يؤمنون بالتغيير، وهدفهم العيش بكرامة في مغرب حر وديمقراطي"، وتؤكد استقلاليتها عن كل التنظيمات والأحزاب السياسية" وقد قام أعضاؤها ببلورة باقة من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدمقرطة البلد وترسيخ العدالة الاجتماعية كقضية وطنية. من أهم مطالبها: و ضع دستور جديد يمثل الإرادة الحقيقية للشعب، وحل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب، وطالبت الحركة أيضا بقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب الاملاك العامة وثروات البلاد بالاضافة إلى منح الصفة الدستورية للغة والثقافة الأمازيغيتين وترسيمهما في الدستور إلى جانب اللغة العربية.علاوة على كل هذا، طالبت الحركة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وتوسيع مجال الحريات ومحاربة غلاء المعيشة، وهنا لابد من الاشارة إلى الدور المحوري الذي لعبته تنسيقيات محاربة الغلاء التي أسستها الأحزاب اليسارية الجمعية المغربية لحقوق الانسان منذ سنة 2006. كما أن الحركة طالبت بالزيادة في الأجور وتعميم الرعاية والخدمات الاجتماعية.
وحرصا منها على التناغم مع المزاج الشعبي العام وحتى لا تسقط في فخ النخبوية وتحقيق أهدافها بفعالية، بحثت الحركة عن استمداد الدعم من كل الطبقات الاجتماعية والاقتصادية في البلد وخاصة من فئات الشباب. كما انها اجتهدت للحفاظ على استقلاليتها عن الاحزاب السياسية التي حاولت افتراسها من الداخل منذ البداية. ولم يفوت أعضاؤها أية فرصة تمر دون الحديث عن قضية الاستقلالية وعن عدم انسياق الحركة مع ايديولوجية أي لون سياسي، خاصة وأن شبح حركة العدل والإحسان المحظورة كان مخيما على عملها ويهدد بوصم اسمها بعدما تبين وجود أعضاء من الحركة المحظورة ضمن قيادتها.
لم تتأخر استجابة النظام المغربي لمطالب الحركة كثيرا. فقد جاء الجواب من رئيس الدولة شخصيا في خطاب إلى الشعب المغربي في التاسع من آذار/مارس سنة 2011 . خصص الخطاب بكامله للحديث عن الجهوية الموسعة ولتوفير الشروط الدستورية لتفعيل هذا المفهوم الجديد الذي من شأنه لا مركزة السلطة ومنح الهيئات المنتخبة إمكانيات واستقلالية أكثر لتدبير الشأن المحلي. وعبر الملك عن إدراكه للتحديات المستقبلية و لشرعية الطموحات المعبر عنها،في إشارة إلى مطالب الحركة دون أن يسميها، وضرورة تقويم الاختلالات. وفي نفس الخطاب أعلن الملك عن تعيين لجنة برئاسة الأستاذ عبد اللطيف المنوني، أستاذ جامعي وفقيه في القانون الدستوري، لصياغة دستور جديد للبلاد، وقدم خريطة الطريق التالية لعملها:
التكريس الدستوري للطابع ألتعددي للهوية المغربية الموحدة, الغنية بتنوع روافدها, وفي صلبها الأمازيغية.
ترسيخ دولة الحق والمؤسسات, وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية, وضمان ممارستها, وتعزيز منظومة حقوق الإنسان, بكل أبعادها, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية, والثقافية والبيئية.
الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة, وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري, توطيدا لسمو الدستور, ولسيادة القانون, والمساواة أمامه .
توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها, وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها, من خلال :برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة, يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة, مع توسيع مجال القانون, وتخويله اختصاصات جديدة, كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية، حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية, المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع, وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب ،تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي, الذي تصدر انتخابات مجلس النواب, وعلى أساس نتائجها ،تقوية مكانة الوزير الأول, كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية, يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية, وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، دسترة مؤسسة مجلس الحكومة, وتوضيح اختصاصاته.
تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين, بتقوية دور الأحزاب السياسية, في نطاق تعددية حقيقية, وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية, والمجتمع المدني.
تقوية آليات تخليق الحياة العامة, وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة .
دسترة هيآت الحكامة الجيدة, وحقوق الإنسان, وحماية الحريات.
ومباشرة بعد تنصيبها قامت لجنة المنوني باستشارة الكثير من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين و الكثير من القوى الحية في المجتمع المدني. إلا أن عمل اللجنة لم يحض بالإجماع نظرا لتركيبتها التي لم تضم أعضاء من حركة 20 فبراير، ثم نظرا لأن بعض القوى المؤثرة رفضت اللقاء بأعضائها بسبب ما اعتبروه المنهجية الاقصائية للجنة التي لم تسمع للجميع ثم نظرا للاجدوى التشاور مع الحركة في نظر البعض الآخر لأنها ليست معينة من الشعب. ولكن اللجنة لم تواجه مشاكل مع مكونات الحراك الشبابي فقط بل واجهت تحديات مع الأحزاب السياسية المعارضة لحركة 20 فبراير أيضا وخاصة من القوى المحافظة التي لا ترغب في رؤية دولة مدنية في المغرب. فمحمد الطوزي، أحد الوجوه البارزة في العلوم السياسية في المغرب وأحد الكفاءات المهمة التي ضمتها اللجنة، قال بأن "العمل على مشروع الدستور الجديد كان قد طال موضوع الدولة المدنية"، مضيفا أن "الضغوطات التي مارستها حركة التوحيد والإصلاح، وتهديدات بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وتصريحات قيادي بارز في حزب الاستقلال، أد]ت[ للتراجع عنها". نكتشف إذن أن المغاربة، أو بالأحرى حركة 20 فبراير، كانت تشكلا هاجسا للأحزاب السياسية لأنها ربما هددت بسحب الشرعية عنها وعن نوع المعارضة التي كانت تمارسها. رغم اللغط والنقاش الحامي الذي صاحب عملها، تمكنت لجنة المنوني من تقديم مسودة الدستور الجديد في شهر يونيو/حزيران ليعرض للاستفتاء في فاتح يوليوز حيث تم تبنيه، حسب الإحصائيات الحكومية بنسبة 97% من مجموع عدد المصوتين الذين بلغت نسبتهم 72.65% من مجموع الناخبين المسجلين. كثير من المعلقين شككوا في هذه النسبة المرتفعة ومن ضمنهم عبد الاله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رغم أنه عاد وصحح التصريح الذي أدلى به لوكالة أنباء أجنبية.
السؤال الذي يؤرق المهتمين بالشأن السياسي المغربي الآن هو طبيعة النظام السياسي الذي سيتولد عن هذا التغيير الدستوري والانتخابات السابقة لأوانها التي تمخضت عنه. فالدستور مهما يكن ديمقراطيا إذ لم تتوفر الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية(الملكية، الاحزاب السياسية، المعارضة، الطبقات المستفيدة من الوضع الحالي) لتفعليه على أرض الواقع سيبقى حبرا على ورق وخطوة لكسب الوقت وانتظار تغير الأوضاع قبل العودة إلى الوضع السابق. لذلك يتعين البحث في مسألة أساسية أخرى هي النخب السياسية التي تسير البلد الآن. هل النخب الحزبية والسياسية الموجودة في المغرب اليوم تستطيع تنزيل الدستور وبعث أمل في المغاربة بأن عهد الامتيازات والاستفراد بالقرار والانتخابات المتحكم في نتائجها قد انتهى؟ ثم ألا يحرم غياب زعماء سياسيين من عيار عبد الرحيم بوعبيد المجال السياسي المغربي من القدرة على المناورة وإيجاد صيغ للمشاركة في الحكم مع المخزن تطبعها؟ هل يدرك المخزن المغربي أن مستقبله السياسي لم يعد مرتبطا بالأعيان والنخب القديمة القائمة على الطاعة والولاء والانتهازية؟
الجواب على هذه الأسئلة حمل في طيات استجواب صحفي أجراه عبد اللطيف المنوني مع جريدة "L’Economiste" الناطقة باللغة الفرنسية من أهم ما جاء فيه أن الدستور الحالي يتضمن "أن مشروع الدستور الجديد يتضمن رهانا، ألا وهو تغيير النخبة السياسية الحالية، وإن لم يكن ، إفراز نخبة تتماشى مع قيم الانفتاح التي يرسخها القانون الأساسي الجديد.وقال المنوني إنه "يتعين على هذه النخبة أن تتلاءم مع هذه القيم حتى يتم تجسيد كل إمكانيات مشروع الدستور" وأضاف أن "هؤلاء الفاعلين سيكونون متحفزين لتكوين المناضلين واختيار أجودهم ، وتوخي النجاعة، بالإضافة إلى تحديدهم للأهداف والنتائج. هذا سيأخذ وقتا، لكن ربما سنتوصل إلى خلق نوع من التوافق بين النص الدستوري، والممارسة السياسية ، والنخبة السياسية ". أكيد أن هناك إدراكا للعبء الذي تشكله النخب القديمة على المخزن ومستقبله السياسي ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع التفريط فيها بسرعة خاصة أنها عماده كما يقول ريمي لوفو الباحث الفرنسي. ثم مسألة تجديد النخب تأخذ وقتا طويلا ربما لن تمتلك الحركات الشبابية الصبر الكافي لتحققها على أرض الواقع. إضافة إلى هذا كله، النخب الجديدة ربما لن تقبل بلعب نفس الأدوار التي لعبتها النخب القديمة على اعتبار أنها تريد دمقراطية حقيقية مبنية على فكرة المواطنة وليس على مبدأ الرعية. كما أن النخب الجديدة تحمل أنماط تفكير مختلفة عن سابقاتها عمادها الاستقلالية والحرية والقدرة على المبادرة وخلق الحدث.
دور المجتمع المدني يبرز بشكل جيد في هذا الإطار. فأكيد أن حركة 20 فبراير استطاعت أن تنتزع الإصلاح الدستوري—رغم كل النقاش الذي رافق حقيقة وجدية هذه التعديلات—في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب السياسية غير مكترثة بهذا الأمر أو على الأقل لم يكن ضمن أولوياتها. الآن، وقد أصبحت الانتخابات على الأبواب واقترب موعد تشكيل حكومة جديدة، يبقى المجتمع المدني هو القوة الدافعة التي تستطيع مراقبة مدى تطبيق الإصلاحات إن جاءت نتيجة الانتخابات عاكسة لتطلعات الشعب رغم نداءات المقاطعة التي لاقت تجاوبا كبيرا في المظاهرات الشبابية، كما أن المجتمع المدني حاضر بقوة على المستوى الشعبي ويجب أن يكون رأس الحربة في التثقيف السياسي للشعب لمواصلة معركته السلمية في سبيل دولة مدنية وطنية للجميع تحت سقف المواطنة. كما أن المجتمع المدني منوطة به مهمة فضح كل أسباب الفساد الاقتصادي واستغلال السلطة والنفوذ جنبا إلى جنب مع تجنده الدائم لمناصرة قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي ضلت لسنوات مجرد شعارات في برامج الأحزاب السياسية المغربية.
السؤال الآن، هل سيصبح المغرب ديمقراطية غداة انتخابا 25 نوفمبر؟ الجواب بطبيعة الحال رهين بسلوكيات الفاعلين والنخب السياسية في البلد وعلى مدى قدرتهم على تنزيل الصلاحيات التي يوفرها الدستور الجديد ورهين أيضا بمدى قدرة حركة 20 فبراير على التعبئة والاستمرار والضغط لتحقيق مكاسب حقيقية تنقل المغرب إلى الديمقراطية الفعلية. كما قال المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب الشباب المغربي أمام خيارين بعد الخامس والعشرين من نوفمبر إما فوز العدالة والتنمية بالانتخابات مما سيضفي عليها كثيرا من النزاهة مما سيؤدي إلى إضعاف حركة 20 فبراير بخروج الاصوات ذات الامتداد الاسلامي منها أو فوز ما سماه "بالتحالف الملكي G8" وقيادته للحكومة المقبلة فإن ذلك سيكون أفضل هدية يقدمها النظام للحراك المعارض الذي أظهر يوم 20 نوفمبر أنه مازال قادرا على تحريك الشارع بقوة في عشرات المدن".