في البدء، أوجّه تحيّة عرفان وتقدير إلى سماح إدريس ومركز `عائدون` وجميع القوى اللبنانيّة المناهضة للتطبيع والمؤيّدة لمقاطعة إسرائيل. إنهم الوجه المشرق للبنان الذي يتبنّى سلاحَ المقاطعة كشكل رئيس من أشكال المقاومة المدنيّة السلميّة، لا تضامناً مع الشعب الفلسطينيّ فقط، بل أيضاً نضالاً ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ المستمرّ للبنان، ومناهضةً للمحاولات الجارية من قِبل البعض لتطبيع العلاقات بشكل غير مباشر مع هذا الاحتلال.
يبدو أنّ بعضَ اللبنانيين قد نسوا أو تناسوْا أنّ إسرائيل ليست عدوَّ الشعب الفلسطينيّ وحسب، بل عدوّ الشعب اللبنانيّ والسوريّ والمصريّ والأردنيّ وكافّة الشعوب العربيّة أيضاً. لا مجال هنا لتذكير هؤلاء بكلّ ما اقترفته إسرائيل في حقّ شعب لبنان من جرائم منذ إقامتها في نكبة 1948 وتشريدها لمعظم الشعب الفلسطينيّ، ولكنْ تكفي الإشارةُ إلى أنّ تحرير مزارع شبعا اللبنانيّة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شُرّدوا منها يبقيان ضمن أعلى أولويّات العمل الوطنيّ اللبنانيّ حسب برامج كلّ الأحزاب الوطنيّة في لبنان.
إنّ الدعوى القضائيّة المقدّمة من إحدى الشركات في لبنان ضدّ نشطاء مقاطعة إسرائيل مريبةٌ في مضمونها وتوقيتها. فهي تأتي في خضمّ النموّ الهائل الذي تشهده `الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقفوبات عليها` (BDS)، وبعد أشهر قليلة من قرار البرلمان الإسرائيليّ (الكنيست) الذي جرّم تأييد المواطنين الإسرائيليين لحملة BDS. وبينما لم تقم إسرائيل حتى الآن باستغلال هذا القانون لمقاضاة أيّ مواطن، يهوديّ أو فلسطينيّ، نجد من يحاول أن يطبّق هذا القانون الظلاميّ في لبنان! إنّ هذه الدعوى ليست فقط ضدّ شرفاء لبنان الذين يقفون ضدّ إسرائيل وضدّ المتواطئين معها، بل هي أيضاً ضدّ المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ الذي دعا بغالبيّته الساحقة منذ العام 2005 في نداء تاريخيّ إلى مقاطعة إسرائيل، وضدّ مئات آلاف مناصري حملة BDS في أرجاء العالم.
فلتقاضونا جميعاً، إذن! فليس لدينا ما نخجل منه أو نخفيه، بل على العكس تماماً: نحن نفخر بالدور المميّز والمتصاعد الذي باتت تلعبه حملة مقاطعة إسرائيل، بكلّ شركائها في أنحاء العالم، في محاصرة دولة الاحتلال، لدرجة أنّ قادة الأخيرة نعتوا حملة BDS بـ `الخطر الإستراتيجيّ` الذي قد يتحوّل إذا لم `يعالج` إلى `خطر وجوديّ` يهدّد إسرائيل.
إن حملة مقاطعة إسرائيل تُعدّ أوسعَ تحالف في المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ. فهي تضمّ ائتلافات حقّ العودة، واتحادات النقابات المهنيّة، والمؤسّسات الأهليّة، والحركات الشعبيّة، وتحالف القوى الوطنيّة والإسلاميّة. والحملة، الآخذة في الانتشار عالميّاً بسرعةٍ فاقت كلّ توقّع، تحظى اليوم بتأييد بعض أهمّ مؤسّسات وأطر المجتمع المدنيّ الدوليّ: من نقابات عمّاليّة، واتحادات الأكاديميين، وبعض أشهر الفرق العالميّة، ومجموعات كنسيّة ويهوديّة تقدميّة، بالذات في الغرب، وأيضاً في جنوب أفريقيا والهند والبرازيل وغيرها. كما أنّ الحملة باتت تتوسّع في الوطن العربيّ، فأصبحتْ هناك لجنة BDS في كلّ من المغرب والكويت وقطر والأردن، بالإضافة إلى لبنان، الذي شهد أول وأهمّ حملات شعبيّة منظّمة (خارج فلسطين المحتلة) ضدّ إسرائيل منذ سنوات عدة، بل قبل إطلاق الغالبيّة الساحقة من المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ نداءَه التاريخيّ لمقاطعة إسرائيل عام 2005!
لقد أدانت `اللجنة الوطنيّة الفلسطينيّة لمقاطعة إسرئيل،` التي تقود حملة المقاطعة، الدعوى القضائيّة في لبنان ضدّ أنصار المقاطعة في بيان رسميّ جاء فيه:
`إنّ محاولة ترهيب ناشطي مقاطعة إسرائيل في لبنان ستبوء بالفشل لأنها تضع الربحَ فوق حقوق الإنسان والقانون الدوليّ، ولأنها ـ بغضّ النظر عن النوايا ـ تخدم الأهدافَ الإسرائيليّة الرامية إلى كسر شوكة المقاطعة في لبنان، ما يضعها في تناقضٍ مع شرفاء لبنان وفلسطين، بل والأمّة العربيّة كلّها أيضاً. تدعو اللجنة الوطنيّة للمقاطعة جميعَ حلفائها في المجتمع المدنيّ العربيّ والدوليّ إلى ممارسة الضغط الأخلاقيّ الفعّال من أجل إسقاط هذه الدعوى المشبوهة ولحماية حقوق الناشطين اللبنانيين المدافعين عن كرامة لبنان ومنعته.`
لا مجال للشكّ في أنّ فرقة `بلاسيبو` التي دعتها شركة تويو توسي في حزيران/يونيو 2010 وعام 2004 متواطئة مع إسرائيل وخدمتْ عن وعي، من خلال خرقها المقاطعة الثقافيّة لإسرائيل، الحملةَ الرسميّةَ الإسرائيليّة المسمّاة Brand Israel، أو `ماركة إسرائيل،` التي أطلقتْها وزارةُ الخارجيّة الإسرائيليّة عام 2005، بدعم من أقطاب اللوبي الصهيونيّ في الولايات المتحدة وأوروبا، بهدف تجميل صورة إسرائيل أمام الرأي العامّ العالميّ وحرْف الأنظار عن جرائمها وانتهاكاتها للقانون الدوليّ وحقوق الإنسان. إنّ دعوة بلاسيبو إلى الغناء في لبنان، بعد تواطئها مع إسرائيل، وبعد تصريحات أحد قادتها [برايان مولوكو] التي دافع فيها عن المذبحة الإسرائيليّة ضدّ أسطول الحريّة، تتناقض تماماً مع حالة العداء لإسرائيل في لبنان، وليس فقط مع حملة المقاطعة التي دعا إليها المجتمعُ المدنيّ الفلسطينيّ.
إنّ أيّ شركة تعتدي على نشطاء المقاطعة في لبنان وتحاول كمَّ أفواههم وترهيبَهم لا بدّ أن تتوقّع منطقيّاً أن يقومَ نشطاءُ المقاطعة، لا في فلسطين المحتلة وحسب بل في العالم العربيّ وفي دول أجنبيّة عدّة أيضاً، بالدعوة إلى مقاطعة هذه الشركة ذاتها بكافّة الأشكال السلميّة والقانونيّة. ولمن يعتقد أنّ حملة BDS غيرُ قادرة على ذلك، أذكّر بالنصر المهمّ الذي حقّقته الحملة مؤخّراً في المملكة العربيّة السعوديّة، إذ تَوّجتْ حملةَ مقاطعةٍ دامت أكثر من ثلاث سنوات ضدّ شركة `ألستوم` الفرنسيّة - بسبب تورّطها في مشروع `ترام القدس` الإسرائيليّ الذي يخدم المستعمراتِ اليهوديّة المقامة على الأرض الفلسطينيّة المحتلة ـ بقرار سعوديّ باستثناء ألستوم من عقدٍ يقدَّر بعشرة مليارات من الدولارات. وقد أكّد دبلوماسيّ سعوديّ أنّ حرمان ألستوم من العقد جاء نتيجةً لانتهاكها القانونَ الدوليَّ في القدس المحتلة.
فلنُسقط الدعوى ضدّ أنصار مقاطعة إسرائيل في لبنان؛ فهي لا تخدم سوى إسرائيل، بغضّ النظر عن النوايا.
عن القدس العربي اللندنية