معطف الممانعة الاحمر
له أناقته الخاصة، فهو يحمي من التغيير ويدفئ القلوب الخائفة والمرعوبة من إسرائيل، فتسكّنها وتهدئ من روعها. معطف الممانعة يعطيك قوى خاصة، فتستطيع التنظير على الثورة السورية لأيام متواصلة، حتى ولم تكن سوريّاً، ولم تعش هناك ولم تُذل هناك، ولم تقهر هناك. معطف الممانعة يعطيك الصلاحيّة ان تُنظّر على السوريين أنفسهم وتلغي تجاربهم الخاصة وتجارب أجدادهم على الارض. معطف الممانعة يعطيك هذه الجرأة. يعطيك قلب الاسد. تستطيع ان تذهب الى كل الاماكن دون ادنى تردد، المعطف يقي من الرصاص ويليق بكل الفصول والمناخات.”تم اعتقال رزان”. يأتي الخبر، تضع فتاة ما يدها على فمها، ”هوريفاينج” وتضع معطفها الاحمر عليها وتمشي في حال سبيلها، المعطف يحيل دون الشعور بالذنب او مراجعة الذات.
ترتدي معطف الممانعة الاحمر، حين تؤمن بأن الانظمة تحميك من اسرائيل لا الشعوب، ترتديه حين ترعبك فكرة الحرية لأي كان، في حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحريره بالطرق الناجعة. ترتدي معطف الممانعة الاحمر، اذا كنت تخاف من التغيير ومواجهة الظلم، حين تريد ان يتركك النظام في حالك، يترك لك فلسطين كي تعمل على تحريرها ويعزلها ويعزلك معها. فلسطين يبدأ تحريرها من دمشق ومن بيروت ومن عمان تحديدا، لا من جولان او الجنوب. معطف الممانعة الاحمر يحميك كفرد، فلا تضطر ان تفكر بغيرك، فتفكر بنفسك وموقعك وامتيازاتك ويجعلك تحس بالاختلاف لا ان تكون الاختلاف. معطف الممانعة الاحمر، أنيق ويمنحك شعور بأنك بطل خارق، فهو يوهمك بأن لك قوى خارقة، كأن تعتقد السياسة التي تنادي بها هي اخلاقية اكثر من غيرها، وانك في مأمن من الشبيحة والقوى الامنية. يوهمك المعطف انك خارج النظام، رغم أنّ ارتدائك له، يجعلك أداة له، فتخوّن كما يخوّن هو، وتهدد كما يُهدد هو، واحيانا تَضرِب كما يَضرب هو. ومرات اخرى، تحاول ترطيب الاجواء فتتوسط لدى الشبيحة، بأن يدعو “صديق لك” وشأنه. معطف الممانعة الاحمر، يوهمك انك في الوسط، لكنه لا يخبرك انك في الوسط الاقرب الى الدماء.
كل البنات نجوم، والسوريات قمرهن.
١٥٠معتقلة + رزان في السجون السورية، قد تخرج البعض منهن قبل الأخريات، وقد لا تخرج البعض منهن أبدا. في خروج السوريات تحديدا الى الشارع دليلاً على سعة الثورة لتحمل الم الاكثر وجعا في مجتمعاتنا الذكورية، ان يتقبّل الأب والأخ والصديق والزوج منهم حريّتها كجزء مكمّل لحريته، كأن يعيد التفكير البعض منهم، ولو بعجقة الثورة والاحداث، بحرية الانثى/المرأة السورية، وضرورة مشاركتها في تحرير ذاتها كمواطن اولاً وكجسد ثانياً.
لا أدري كيف يشعر الناس حين يختفي اولادهنّ، لكني اعرف كيف اشعر في ظل اعتقال رزان. الخوف وحده سيد الموقف. الخوف على صديقة رأيتها تخوض تجربتها السياسيّة في بيروت وتتعلم من أخطائها. على عكس الكثيرات منّا، تُجاهر رزان في اخطائها وتفخر في قدرتها على ذلك وهذا بالتحديد مصدر قوّتها الشخصية. إعتقال رزان وصديقاتها يمس العديدات منا في القلب. اولاً لاننا لم نجعل من بيروت مكان آمن لهم ولنا في طبيعة الحال، ولم نستطيع في نفس الوقت ان نكون اقرب لما يحصل في سوريا.
إنّ خبر اعتقال رزان، بالنسبة للاصدقاء في بيروت، يجب أن يتحوّل، من خبر إلى دعوة لأولئك الذين ”يتمنّعون” عن المطالبة في اطلاق سراحها بالتفكير مليا فيما يجري، في الباحة الخلفية لبلدهم، ما يجري في عكار وسوريا. حقيقة الامر، وبالرغم من خوفي الشديد على سلامة رزان وأمانها، أوّد ان يكون خبر إعتقالها فرصة للافراد الممانعين، في صون حرياتهم وحريات غيرهم، في غسل ايديهم الملطخة بدماء النظام. فمن يريد تحرير فلسطين، عليه أن يعلم أنّ طريق فلسطين تبدأ في تحرير رزان وغيرها من المعتقلات والسجون السورية، ان يرى اليافطة الكبيرةعلى طريق العودة الى فلسطين : رزان مرّت من هنا.