حين دعا نائب رئيس حكومة إسرائيل لهجرة اليهود التوانسة أجابه رئيسهم: لا دخل لأيّ أجنبي في الشؤون التونسية، نحن نحب بلادنا وسنبقى فيها.. أما النّفر الغبي الذي هتف قبل أيام في تونس "قتل اليهود فرض واجب"، فهو يقدّم هديّة مجانية لحكّام إسرائيل.
لدى وصول الزعيم في حماس اسماعيل هنية الى تونس، قبل أيام، إختار نفرٌ قليل الخروج عن هتافات التوانسة الثورية الصادقة. فقد ارتفع وعلا هتاف “الشعب يريد تحرير فلسطين” في الاستقبال الشعبي لهنيّة، لكن ذلك النفر السّلفي كما يبدو اختار إعلان جهله من خلال الهتاف العنصريّ “قتل اليهود فرض عين”!
في تونس، التي تضم يهودًا بين مواطنيها، أثار هذا الهتاف الغبي قلقًا واستنكارًا. فقال بيرس طرابلسي احد ممثلي الطائفة اليهودية التونسية: “لا يوجد صهاينة في تونس. تونس هي بلدنا. ومن أطلقوا تلك الهتافات إنما يعملون على تدمير تونس”.
فعلا، فهذا النفر الغبي ربما لا يعرف أنه بهذا السلوك وهذه المواقف لا يخدم سوى سياسة حكومات اسرائيل. ولا نجدّد حين نؤكد أن هذه الأخيرة تسعى لاستغلال – بل اختلاق – كل فرصة لدفع اليهود العرب نحو الهجرة، وبالتالي تقوية هيمنة الرواية الصهيونية الساعية لتقويض الحضور والحق الفلسطينيين في هذه البلاد، واحتكار اليهودية من خلال زجّها في سياق عنصري معادٍ للمحيط العربي.
للتذكير، قبل شهر خرج نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية سيلفان شالوم داعيًا اليهود التوانسة لمغادرة وطنهم “والمجيء والاقامة في اسرائيل باسرع وقت ممكن”. شالوم هذا كان صديقًا للدكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي، وزاره والتقى معه، لأنه يلتقي معه في المصالح أصلا. يومها لم يفكّر شالوم بإطلاق هذه الدعوة العاهرة، اما اليوم بعد الثورة فهو يؤكّد على الملأ إحدى ركائز الصهيونية: معاداة الشعوب العربية (وثوراتها بالتالي) ومصادقة الدكتاتوريات العربية!
لكن دعوة شالوم وجدت حينذاك ردودًا حازمة من يهود تونس خصوصًا. وقد رفضها رئيس الطائفة اليهودية هناك روجيه بسموث بشكل مثير للاعتزاز معتبرًا اياها “مساعي لوضع العصي في مسار تونس بعد تخلصها من الديكتاتورية”.. وقال بلهجة وطنية نبيلة لهذا المسؤول الاسرائيلي: “لا دخل لأيّ أجنبي في الشؤون التونسية بما فيها شؤون الجالية اليهودية، المتواجدة في تونس منذ اكثر من ثلاثة آلاف سنة، والتي تحب بلادها وستبقى فيها”.
حزب النهضة الاسلامي أيضًا قال يومها في بيان إن “أبناء الطائفة اليهودية في تونس يُعتبرون مواطنين كاملي الحقوق والواجبات وان تونس اليوم وغدا دولة ديموقراطية تحترم وترعى أبناءها مهما كانت دياناتهم”. هذا الحزب مطالـَب اليوم أيضًا بصدّ كل المواقف العنصرية المضرّة بوحدة شعب تونس الغالية، لأنها تشكّل ذريعة ستنقضّ عليها المؤسسة الصهيونية لاستغلالها، مما سيصبّ بالضرورة في غير مصلحة شعبي تونس وفلسطين.
لا مبرّر أبدًا للسكوت على هذه المواقف الهوجاء. وسيكون استخدام عبارة “غضب الشعوب على اسرائيل” بغية التبرير، عبارة عن استعلاء مغرور ومرفوض على الشعوب. إن شعوبنا العربية أثبتت – مع أنها ليست بحاجة للإثبات لأحد – أنها شعوب حكيمة واعية. والشجاعة تستدعي مواجهة جميع الممارسات والمواقف الضحلة والمنفلتة التي من شأنها ضرب مصالح شعوبنا الحقيقية.
للتأكيد: يجب إفهام أصحاب الرؤوس الحامية والألسن المنفلتة أن مثل ذلك الزعيق العنصري الأهوج “ضد اليهود” لا يخدم قضية شعبنا الفلسطيني أبدًا. بالعكس تمامًا، فهو بمثابة هدية لا تقدّر بثمن للسياسة الاسرائيلية المعادية لشعبنا وكافة الشعوب العربية في المنطقة. وعليه، فعلى هذه الأصوات الهوجاء أن تُواجَه وتُنبَذ لأنها تضرّ بالمصالح الوطنية لشعوبنا، لا أقلّ!
[عن موقع قديتا]