الساعة الثامنة والنصف صباحاً. أجلس أمام التلفزيون. أشرب قهوتي وأدخن. الجزيرة مباشر تنقل لنا "بابا عمرو" هذه اللحظة. كاميرا مثبتة على سطح ما أو على شرفة عالية. تظهر سطوح العمارات. مئذنة تنتصب على يمين الشاشة. سماء ملبدة بالغيوم. وأصوات قصف عنيف تدوي في الفضاء. وأنا أحتسي القهوة وأدخن. يأكلني الوجع. أتمنى لو أنني معهم. وأعرف أنني لست هناك. وأنني في مكان آمن. الدفء يملأ غرفتي. أفتح الشباك قليلاً لتتسرب نسمة طازجة من الخارج. أفتح الشباك كانني أتدلل. لا أشعر بالبرد. صوت الرصاص يصلني من الشاشة الصغيرة. يكفي أن أكبس زر جهاز التحكم، حتى ينتهي كل شيء. وهل ينتهي فعلاً؟ أم أن مرحلة جديدة في حياة السوريين تبدأ عندما نطفئ التلفزيون ونكمل أعمالنا الروتينية وكأن شيئاً لم يكن؟
أقرأ الأخبار هذا الصباح. أسماء الأسد تعلن تضامنها مع زوجها. وتقول إنه رئيس سورية وليس فئة من السوريين. وقبل أيام، زارت برفقته الطالب بيير الذي تعرّض لإطلاق نار أثناء وجوده في الصف. كانا يجلسان إلى جانب سريره. بيير يروي لهم كيف نظر زميله في عينيه قبل أن يطلق النار. وليست الأسماء هنا سوى ترويج رخيص للطائفية في سورية. بيير وجورج و.. و.. وليست زيارتهما سوى جزء من تلك الدعاية.
تلك اللحظة، كان ثمة ناس تقتل في الشوارع. والسيد الرئيس، يعرض على بيير تكاليف دراسته الجامعية. الدراسة الجامعية التي تستغرق أربعة أعوام. يظنّ أنه سيبقى في منصبه أربعة أعوام إضافية. تلك اللحظة، كان ثمة أطفال تقتل في الشوارع. السيد الرئيس، يرمي النكات هنا وهناك. يضحك. يفور فمه بالضحك. تختفي عيناه الصغيرتان وراء ضحكته المتهافتة. السيد الرئيس يجد صعوبة في ابتلاع الضحك. يتنطط على كرسيه. يرقص بكتفيه مقلداً الورقة البيضاء التي تظهر على شاشة الجزيرة وعليها إسم الجمعة وتاريخها. ثم يسخر من الفيس بوك واليوتيوب. ثم يقول لأهل بيير إن الطالب الآخر الذي زاره قبل أسابيع، يسكن في الطابق الرابع. وإن أهل العمارة، تجمعوا في المدخل ليصافحونه. أما أهل بيير فيسكنون في الطابق الأرضي. وهذا أفضل. ثم انفجر ضاحكاً. السيد الرئيس يضحك، فتضحك زوجته، ويضحك أهل بيير. الكل يضحك. والناس تقتل في الشوارع. وسأدّعي أن العصابات المسلحة تقتل الناس. وأن حماة الديار يتعرضون لهجوم مسلح، يسقطون كالتفاح، يموتون، تفقدهم أمهاتهم ونساؤهم. سأدّعي أن سورية تتعرض لمؤامرة كبرى. نعم. لكن السيد الرئيس يضحك. جيشه يقتل وهو يضحك.
الساعة هي الآن التاسعة صباحاً بتوقيت بابا عمرو. القصف لا يزال مستمراً. دوي رصاص. مئذنة تنتصب على يمين الشاشة. سماء ملبدة بالغيوم. وصياح ديك يشق صوت الرصاص، ليعلن عن بداية يوم جديد.