بمَ يمكن أن يشهد مثقف خارج طائفته، وخارج نظامها السياسي الحاكم عليها بالموت؟ أتحدث عن المنامة هنا بما هي واجهة للسلطة السياسية التي أسندت إليها مهمة الاحتفال بعاصمة الثقافة العربية. أنا مثقف معارض لهذا النظام السياسي، ومعارض برسالتي الثقافية التي أجدها تتمثل في توسيع مساحة الحرية: حرية الفرد والجماعات والتجمّعات السياسية. أنا ضد أن يكون هذا النظام السياسي واجهةً للاحتفال بالمنامة عاصمة الثقافة العربية.
أنا لستُ ضد مي آل خليفة صاحبة مشاريع البيوت الثقافية، لكنّي ضد شيخة مي ممثِلةً النظام السياسي في الاحتفال بالمنامة عاصمة الثقافة العربية. لقد عملتُ مع (مي) صاحبة البيوت الثقافية، كتبتُ عن بيوتها ورحّبت بضيوف هذه البيوت من مثقفين ومفكرين وصحافيين، وحاورت أهمهم، وعرّفت بهذه البيوت واعتبرتها واجهة جميلة للثقافة. لكني اليوم ضد شيخة مي آل خليفة التي تريد أن تستثمر المنامة الثقافية للتغطية على المنامة المكارثية، منامة النظام السياسي.
لا يمكن أن تكون المنامة عاصمة لثقافة يَفتتح أولى فعالياتها أقدم رئيس وزراء في العالم (40 عاماً رئيس حكومة منذ الاستقلال). لا يمكن المنامة أن تكون عاصمة للثقافة، لأنّ سلطتها السياسيّة لم تتح لكبار مبدعيها مجالاً للمعارضة والاستقلال. أسكتت بعضهم، وماهت بعضاً آخر مع خطابها، وخوّفت آخرين، وهددت أرزاقهم، وحاكمتهم، وعرّضت ضمائرهم لاختبار أخلاقي خطير.
إصرار النظام على استثمار الثقافة للتغطية على انتهاكاته اليومية لشروط المواطنة التي تؤهله ليكون ممثلاً شرعياً للناس، هو إصرار يستكمل به حلقته الشمولية التي أظهرها بفجاجة منذ اعتماده قانون السلامة الوطنية (الطورائ) في 15 آذار (مارس) 2011. مهمتي الآن كمثقف تمزيق هذا الغطاء الثقافي الذي يحاول عبره النظام الشمولي الأحادي القبلي أن يغطي به فظائع انتهاكاته. المنامة اليوم هي عاصمة الدخان والظلام والقتل، ومكان غير آمن للجمال الذي تنشده الثقافة.
أنا شاهد على هذا الدمار الذي يمارسه النظام السياسي على عاصمة بلادي. شاهد على الموت الحقيقي الذي يتذوّقه أبناء قريتي، شاهد على التمييز الكريه الذي تتعرّض له أهم كفاءات وطني. شاهد على الأطفال الذين فجّر مرتزقة النظام زهراتهم. شاهد على أطنان الغازات التي تخنق حناجر مصرّة على أن تُسمع العالم صوت حريتها. شاهد على الفساد والسرقات. شاهد على الموت الذي يأخذنا إليه هذا النظام. شاهد على هذا الملك الذي فقد إرادته السياسية وفقد وقاره الشعبي وصار نكتة (يسقط حمد) تتفنن ثقافة شعبي في إبداعها في صور لانهائية. المثقف حين يخون شهادته، يخون وطنه، وأنا لست بخائن.
[عن صحيفة „ الأخبار“ اللبنانية.]