خرجت من سورية، ولا فخر، كلمة الشبيحة إلى العالم ولغاته، بينما كان المسمى يخرج إلى "الشارع" السوري كالجنّي، يروع ويقتل، ويكره ويقذع في البذاءة. "يُشبّح". ودخلت اللغة العربية ذاتها كلمة لم تكن معروفة خارج سورية، بل لم تكن معروفة في سورية نفسها على نطاق واسع. ولم تلبث أن أدرجت في عائلة من الكلمات النسيبة: شبّح، يشبّح، تشبيحا؛ وأن جُعلت علما على الموالين للنظام، يقابلها "المندسون" التي استصلحها المعارضون الشباب عنوانا جامعا لهم؛ وأن أدخِلت في سياقات جديدة: شبيحة القلم (رنا قباني)، شبيحة المعارضة، شبيح الفلاسفة، وهذا لقب سوري لبرنار هنري ليفي.
أصل الكلمة غير واضح: هل هي مشتقة من أشباح، لكون الشبيحة خارجون على القانون يعملون في الظلام، بالمعنيين الحرفي والمجازي، ويظهرون ويختفون بسرعة؛ أم من سيارة المرسيدس "الشبح"، المنزوعة النمرة(1)، والمجهولة الهوية تاليا، التي يبدو أن كبار الشبيحة يفضلونها في عملياتهم وتمييز أنفسهم؟ أم ربما من "تمديد الصلاحيات وتعريضها وتوسيعها"(2)، على نحو ما يجري تمديد الشخص وتعريضه، شبْحه، بأن يقف على طوله وذراعاه ممدودان على جانبيه؟ "الصلاحيات" هي التخويل الرسمي بعمل ما، و"التمديد والتوسيع والتعريض" هو ما يفترض أن الشبيحة يقومون به.
1
من المحتمل أن الكلمة دخلت التداول السوري في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين، وبخاصة بعد التدخل السوري في لبنان عام 1976، وما تزامن معه من قفزة في التهريب من بلد مفرط الانفتاح كلبنان إلى بلد كان منغلقا اقتصاديا بإحكام كسورية. لكن الكلمة حازت انتشارا وطنيا بالتزامن مع أزمة وطنية كبرى وقعت قبل أكثر من ثلاثين عاما. ولقد اقتصر لقب الشبيحة حينها، وحتى تفجر الثورة السورية في منتصف آذار 2011، على شبان ذكور من منطقة الساحل السوري، علويو المولد، ورؤساؤهم من آل الأسد، وفي وقت لاحق من أسر نافذة أخرى: آل ديب (نسائب لبيت الأسد)، آل مخلوف (أولاد خال أبناء حافظ الأسد). وهم يعملون في التهريب (أدوات كهربائية، تبغ، مخدرات، خمور، آثار،...)، أو فرض الخوّات، ويتصفون بالخشونة والقسوة، وبالتبعية العمياء لرؤسائهم الذين يوصف واحدهم ب"المعلم"(3) أو "الخال"(4). فهم بذلك أقرب إلى منظمات المافيا، ومثلها هم معروفون من قبل أجهزة الحكم المركزية التي نتغض النظر عنهم، والمحلية التي تتواطأ معهم، وتضمن لهم، الحصانة بحكم قرابة رؤسائهم، ولا تتجاسر حتى على الدفاع عن نفسها حين يحصل أن تتضارب المصالح(5).
في ثمانينات القرن العشرين كان الشبيحة، المتمتعون بحصانة تامة، يتصرفون بحرية مطلقة في مدينة اللاذقية. يحصل أن يمتعوا أنفسهم بإجبار زبائن مقهى على الانبطاح تحت الطاولات، وصادف أن كان بينهم مرة المفكر السوري المرحوم إلياس مرقص؛ أو يقتلوا شابا رفض إهانة من أحدهم(6)، أو يتوسلوا التهديد للاستيلاء دونما مقابل أو بمقابل زهيد على أملاك اشتهوها لأنفسهم، أو يغتصب زعماءهم فتيات جميلات؛ أو يتولوا التحكيم بين شخصين مع نيل عمولة كبيرة ممن يفوز، وهو الأغنى طبعا(7).
وضحايا الشبيحة متنوعون، غير قليل منهم علويون. تتكلم مرويات متواترة من بداية التسعينات عن اختطاف الشابة هالة عاقل، ثم اغتصبت وقتلت ورميت جثتها أمام منزل ذويها. وفي الفترة نفسها قتل الأستاذ الجامعي سمير غفر لأنه رفض إنجاح طالبة يبدو أنه محسوبة على شبيح كبير. وبما أن الشبيحة يقيمون في الأحياء العلوية أو المختلطة فإن أول أذاهم يصيب جوارهم. كان الشبيح أبو رماح يسخر من جيرانه في الحي في اللاذقية، قبل أن يغلق مدخله، وينصب فيه مراجيح لأطفاله و"شادرا" يستخدمه كمضافة(8).
2
أولى ملامح ظاهرة الشبيحة السورية أن الحدود بينها وبين أجهزة النظام مائعة. في أصل ذلك قرابة الدم التي تجمع "معمليهم" بالرئيس في نظام حكم شخصي (يوصف الرئيس بالمعلم أيضا) من جهة، وقرابة بنيوية تتمثل في شراكة الطرفين في الاعتباط و"التَبَلّي" و"السلبطة"(9). والأخيرة كلمة سورية شائعة، يتكثف فيما نمط ممارسة السلطة في "سورية الأسد"، وتمتزج فيها مدركات السلب (جذر سلب) واللبط (جذر لبط) والتسلط (جذر سلط). أما التبلّي فهو الاتهام الكاذب لشخص بأمر من شأنه أن يلحق به أذى شديدا، مثل أنه شتم الرئيس أو قال كلاما طائفيا(10).
ولقد كانت "سرايا الدفاع" بدءا من النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين ولعقد بعده، أقرب شيء إلى ميليشيا لا يضبطها قانون، ويُنفق عليها بسخاء تمييزي من المال العام. وكان رفعت الأسد، قائدها حتى عام 1985، "شبيحا" بكل معنى الكلمة، رجلا شعبيا خشنا، عنيفا ومتهتكا وجشعا، لا نهاية لقسوته وفساده، وكان شبه محتكر لتجارة وتهريب الآثار من البلاد. كان رجل الغريزة والاندفاع مقابل أخيه حافظ الذي كان رجل الحساب والأناة. ومعلوم أن رفعت كان البطل المباشر مذبحة حماة عام 1982، وقبلها لمذبحة سجن تدمر صيف 1980. أما حافظ فهو بطل كل الأشياء. ولعل التعذيب اليومي العشوائي للسجناء الإسلاميين طوال عشرين عاما في سجن تدمر هو المثال الأنسب على نمط البطولة الذي يشبهه.
على كل حال كان يكفي أن تكون الأولوية العليا للنظام هي دوامه حتى يجري النظر إلى المجتمع المحكوم بريبة، أو يعتبر مصدرا للمخاطر يتعين الاحتراس منه. هذه النظرة ركن جوهري في عقيدة أجهزة الأمن السوري في الأزمنة الأسدية كلها. فإذا تقاطع ذلك مع سردية مظلومية تاريخية، منتشرة في البيئة العلوية التي خرج منها أكثر القادة الأمنيين في العهد الأسدي، وكثير من عموم رجال الأمن، صار مرجحا أن تظهر عناصر ما دون دولتية في سلوك أجهزة الأمن، لطالما تظاهرت عبر التعامل الحقود والثأري مع المعارضين، العلويين منهم بقدر لا يقل عن غيرهم، ومع المجتمع ككل. صار متوقعا أيضا أن يجنح رجالها في أوقات الشدة إلى التصرف كشبيحة. ولقد رأى السوريون والمهتمون بالشؤون السورية فيديوهات تظهر مجموعات المخابرات تتصرف بأسلوب الحملات التأديبية الاستعمارية، أو بالأسلوب الذي يميز المليشيات الطائفية في الحرب اللبنانية والحرب العراقية. فيديو البيضا من أشهرها(11). لكنه ليس الوحيد.
يمتزج في مدرك الشبيحة الأصلي أربعة أشياء. أولها قرابة الدم والمذهب مع آل الحاكم. وثانيها نزعة عداء للمجتمع، تجعل من الشبيحة أداة صالحة لممارسة العنف المنظم وغير المنظم ضد السكان. ولعل العداء للمجتمع تحوير لنزعة معادية للسلطة والنظام الاجتماعي، منتشرة في أوساط المهمشين والأقليات، وذات محتوى ديمقراطي مبدئي، لكنها انقلبت في الزمن الأسدي إلى نزعة عدوانية محافظة، خادمة للاستبداد والتجزؤ الاجتماعي. وثالث سمات الشبيحة التبعية الشخصية لقادتهم، التي تسهل القرابة والولاء من أمرها. وأخيرا هناك الدافع الاقتصادي القوي. يعمل كثير من الشبيحة في التهريب(12) ، ويفيد بعض مصادر معلوماتي أنهم يفضلون سيارات المرسيدس الشبح، لصندوقها الكبير الذي يتسع لسلع استهلاكية ثمينة. وكان الشائع أن هذه السيارات مهربة من لبنان، وأن علامتها الفارقة تداعي مظهرها رغم حداثة تصنيعها، بسبب طيش الشبيحة في استخدامها، واستمتاعهم بالتشفيط بها، وربما لكونها مالا مسروقا في الأصل لم يتعب عليه.
ويتوسل الشبيحة القوة للاستيلاء على موارد مادية أو منافذ مجزية للدخل: الموانئ مثلا. كان لرفعت الأسد ميناء خاص به في اللاذقية، لم يغلق إلا بعد تفجر الصراع بينه وبين أخيه الرئيس عام 1984. لكن بينما يجني زعماء الشبيحة ثروات مهولة، فإن عموم الشبيحة أناس محدودو الموارد، ولا يكاد أكثرهم يملك مؤهلات للعيش غير التشبيح. ويشتبه كثيرون أن مستوى تنمية منطقة الساحل متدهور من أجل إبقاء المنطقة، سكانها العلويون تحديدا، مصدرا لعضلات متدنية التأهيل تدافع عن النظام. إنهم "قوة حكم" (على نحو ما نقول "قوة عمل") رخيصة الثمن.
والشبيح النمطي متدني التعليم، ينحدر من بيئة اجتماعية مهمشة وفقيرة، فـ"أبناء المشايخ [العلويون] لا يعملون شبيحة لأحد على الإطلاق"، حسب أحد مصادري. وهو ضخم الجثة عموما، عضلي الجسم، متين البنيان، حليق الرأس، طويل الذقن، ويرتدي لباسا أسود في الغالب. لكن مع اتساع نطاق ظاهرة الشبيحة وتعمم التشبيح، لم يعد هناك شكل قياسي للشبيح. إنه اليوم عضلات مزودة بسلاح ناري أو بهراوة كهربائية.
والطائفية أداة سياسية مناسبة للنظام لأنها تسهل تعبئة هؤلاء واستتباعهم للدفاع عنه، دون أن تكون لهم في الغالب مصلحة مباشرة في ذلك. هذا بالضبط ما يجعل الطائفية ظاهرة خطيرة وغير عقلانية. إن فقراء أو محرومين يمكن أن يكونوا أدوات شرسة للدفاع عن أغنياء سلطة وثروة لا يحترمونهم ولا يهمهم رفاههم، وذلك عبر استنفار القرابة الدينية أو المذهبية.
لكن الطائفية مجرد مسهِّل لأمر التبعية الشخصية. وسنقول لاحقا إن ظاهرة الشبيحة تعممت خارج مهدها الأصلي، نحو أوساط تتميز بقوة علاقات التبعية الشخصية، أو المحسوبيات والاستزلام.
3
والشبيحة على ولاء أكيد للرئيس والنظام. ولم يدخل النظام في مواجهة معهم إلا في سياقات محددة، مثلا حين قاد باسل الأسد حملة على تشكيلاتهم في مطلع التسعينات في سياق تأهيله لوراثة أبيه. وقد جرى اعتقال بعضهم، وإلزام زعماؤهم من أبناء العمومة بقدر أكبر من الانضباط في التعامل مع المجتمع.
على أن النظام لم يقض في أي وقت على الظاهرة أو يظهر عزما أكيدا على القضاء عليها. وحيث حصل أن جرت مواجهة بينهما ففي سياق إدارة المصالح العامة للنظام على حساب مجموعات منه، من شأن عدم الضرب على يدها أن يلحق الضرر بهذه المصالح العامة. لكن حتى في هذا الحالة، لا يجري استئصال هذه المجموعات، بل تحجم وتركن جانبا. في عام 2006 كان نمير الأسد وأتباعه يتنقلون بين سجني عدرا وصيدنايا، لكنهم كانوا يُشبحون على عموم السجناء والسجانين، ولا يجرؤ أحد على ضبطهم(13).
وليس الأمر عجزا، بل قربى بنيوية ووحدة حال. فظاهرة الشبيحة هي الوجه الآخر، المظلم، للنظام، أو لا شعوره السياسي المتأصل. إنها الشكل الأكثر عريا للنظام، سلطة العنف الخاص والمنفلت والعشوائي، أو مزيج العنف والقرابة والتعسف. وقد ظهر هذا اللاشعور السياسي بقوة في شهور الانتفاضة مع تراجع إيديولوجية النظام الواعية، القومية والاشتراكية، وبروز غرائزه السياسية على السطح. كما ظهر أن الشبيحة جيش احتياطي للنظام، يتطوع اليوم بكلفة رخيصة وبحماس كبير للدفاع عنه في وجه تهديد الثورة.
كانت "الدولة" قد امتصت التشبيح كعنصر في بنيانها، لكن مع "إخراجه" كعنف عام ومنظم وشرعي ضد المجتمع. لكن مهما يكن المرء متساهلا فإنه يصعب وصف عنف أجهزة الأمن السورية بأنه عنف دولة أو عنف عام وشرعي ومنظم. أو أن سجن تدمر هو سجن نظامي. الواقع أن أجهزة الأمن هي أقرب ما تكون إلى جيش احتلال، يخترق المجتمع كله بعنف وعدوانية وتعال شبه عنصري، ويمنعه من الحركة، أو يجعل مقاومته غير ممكنة إلا في سياق ثورة عامة، على ما نشهد اليوم. وفي عنفه الوحشي وسريته ونظامه الصارم، كان سجن تدمر مصنع الرعب الوطني طوال عقدين من السنين.
وتتكثف العلاقة لعضوية بين الشبيحة والنظام في الطرفة المأساوية التالية التي يرويها المرحوم ممدوح عدوان في "حيونة الإنسان": كان شخص "يقف بسيارته الحمراء على شارة المرور الحمراء، وحين تخضر الإشارة يحرك سيارته ليتقدم، وإذا بدراجة نارية، يقودها "شبيح" تأتي من الزاوية الأخرى حيث الشارة صارت حمراء،وكاد الاصطدام يقع ، ولكن تم تفاديه، ومع أن الشبيح هو الذي خالف قانون السير إلا أنه نزل وراح يشتم سائق السيارة على عدم تبصره، فقال السائق: يا أخي الشارة خضراء والطريق لي، فرد عليه الشبيح وهو يلكمه على وجهه" الطريق لك أنت؟ ألا تعرف أن البلد كله لنا؟"! والنجن التي يحيل إليها الشبيح تمتزج فيها السلطة بالطائفة. وكان أشباه هذا "التبلي" المهين شائعا جدا في ثمانيات القرن العشرين، حتى أن اللهجة العلوية غدت سلاح ترويع عام حينها. وكان يحصل أن ينتحلها غير علويين للاستفادة من مردودات سلطوية أو مادية مرتبطة بها.
4
تعمم مدرك الشبيحة كثيرا في شهور الثورة السورية، وصار يطلق على الميليشيات غير النظامية التي يزجها النظام في مواجهة المحتجين في جميع مناطق البلاد. ومع تعممه، انفصل عن مهده وروابطه الأصلية. في حلب ينحدر الشبيحة من أسر محلية ممتدة، من أشهرها آل برّي، يُعرف عنها اشتغالها بالتهريب، من المخدرات إلى السلاح، وعلاقتها الوثيقة بـ"النظام"، وصراعها أحيانا مع "الدولة"، القوانين والشرطة والإدارة. انتهى الأمر إلى ضرب من التعايش. تحكم هذه الأسر ورجالها أحياءها الطرفية بما يقارب استقلالا تاما، وهي تتصرف بـ"مسؤولية" تجاه النظام، وتشرك رجاله المحليين بأرباحها.
وما تطلق عليه الفضائيات العربية اليوم الشبيحة في مدن سورية مختلفة له التكوين ذاته: رجال عنيفون من أصحاب السوابق والخارجين على القانون، تطورت علاقة مركبة بينهم وبين ضباط المخابرات والشرطة، بحيث يستخدمهم هؤلاء ويتقاسمون معهم المنافع، ويحمون من يديرون شبكات تهريب أو دعارة منهم، دون أن يمنع ذلك من ضرب بعضهم أو اعتقالهم بين حين وآخر. من يتعرضون للأذى الأكبر منهم هم الصغار والمبتدئين، فيما يبقى القادة متمتعين بقدر كبير من الحصانة إلى حين قد تقتضي صراعات في المراتب العليا التضحية ببعضهم.
المشترك بين ظاهرة الشبيحة في مهدها الأصلي، وبين نسخها الأحدث هو قوة روابط التبعية الشخصية، الأسرة الممتدة والعشيرة. وهو ما يقربها أيضا من شبكات الجريمة المنظمة التي تعمل بالتهريب وتجارة المخدرات، ويتواتر في حلب أن تكون نواتها الصلبة أسرا كبيرة، تسكن أحياء طرفية، شبه خارجة عن سلطة الدولة. وحتى حين لا يكون الأمر كذلك، تدين هذه الشبكات بولاء كبير لـ"المعلم" على نحو يحاكي شبكات المافيا الإيطالية. وهذا يقربها أيضا بقدر ما من أجهزة الأمن التي يحرص قادتها على علاقات تبعية شخصية قوية بعناصرهم. وهو ما يجمعها أيضا بالرابطة الطائفية التي هي شبكة محسوبيات داخلية(14)، قائمة على القرابة الحقيقية أو المتخيلة. وما يقربها قبل الجميع من النظام، القائم بدوره على التبعية الشخصية والولاء للرئيس. ومعلوم أنه بدءا من النصف الثاني من الثمانينات صار يوصف بأنه "الأب القائد"، وينتظر من جميع محكوميه أن يظهروا حياله ما يظهره الأبناء حيال أبيهم. ولعل التقارب البنيوي بين هذه الظواهر هو ما يشدها إلى بعضها، أو يدرجها في العالم الاجتماعي والسياسي نفسه.
لكن كما للنظام نواة صلبة، سياسية أمنية، للشبيحة نواة صلبة، هي تلك التي يمتزج فيها العنف بالطائفية بالامتياز، ويتجسد فيها اللاشعور السياسي للنظام كما سبق القول. ومصير النواتين مترابط، أكثر من ترابط "النظام" مع "الدولة" من جهة، وأكثر من ترابط الشبيحة الأصليين بظاهرة الشبيحة المعممة التي ظهرت بعد الثورة. بل إنه إذا حصل وانهار النظام، كان محتملا جدا أن تتحول النواة الأمنية بالذات إلى شبيحة، أي أن يخلع عنف النظام غلالته الرسمية الرقيقة ليظهر عنفا منفلتا، كله عشوائية وخصوصية. يُسهِّل من ذلك ما أشرنا إليه من امحاء الحدود القائم منذ الآن بين أجهزة الأمن الظاهرة المعاكسة: يقوم الشبيحة بدور أمني بالتفاهم الأكيد مع الأجهزة الأمنية.
5
لكن هل عموم الشبيحة العلويين مستعدون للدفاع عن النظام حتى آخر رمق؟ عتبة دفاعهم عنه أدنى من غيرهم بتأثير مفعول الطائفية التعبوي والاستتباعي كما سبقت الإشارة، ما يجعلهم أسهل تطوعا للدفاع عنه. لكن حتى دفاع هؤلاء الشبيحة الأصليين ليس مضمونا أو بديهيا في كل حال. في الأمر أيضا عنصر اقتصادي "عقلاني". يستبسل كثيرون في الدفاع عن النظام، ليس فقط لأن عتبة تماهيهم به أخفض من غيرهم، وإنما كذلك لأن الدفاع عنه مجز وقليل الكلفة. يقال اليوم أن عناصر الشبيحة ينالون ما بين 7000 و10000 ليرة على العمل أيام الجمعة، وألفين على الأقل في الأيام الأخرى(15). ومعلوم أن كلفة العمل متدنية بفضل الطابع السلمي العام للانتفاضة(16). فإذا انخفضت موارد التشبيح من جهة، وارتفعت نسبة الخطر من جهة ثانية،كان محتملا جدا أن يتوقف البعض عن العمل(17). وقد قيل فعلا أن شبيحة أضربوا في شهر تموز 2011 بسبب انخفاض مواردهم، وعاد بعضهم إلى قراهم وبلداتهم في الساحل(18). ولعل في هذا ما يسوغ اعتبار عموم الشبيحة بروليتاريا قمع: يبيعون قوة قمعهم لـ"رأسماليي" السلطة.
على أن معلومات متواترة تفيد أن النهب الشائع المساكن والممتلكات الخاصة في بؤر الثورة يندرج في سياق تأمين تمويل ذاتي للشبيحة من قبل نظام تتراجع موارده المالية. يقول تقرير مهم صدر في تشرين الأول عن "لجان التنسيق المحلية"، المصدر الأكثر موثوقية للمعلومات في شأن الثورة السورية، إن ميليشيات الشبيحة في تلكلخ تمارس أعمال "التخريب وسرقة ممتلكات المواطنين كالمجوهرات"(19). أما في الرستن فيقول التقرير: "قام الشبيحة والأمن بنهب المحلات التجارية بنهب المحلات التجارية سرقة أغلى المعدات منها وتحميلها في شاحناتهم"(20). يجري التعامل مع ممتلكات المواطنين المنهوبة كغنائم شرعية في حرب النظام ضد المجتمع.
تواترت كذلك معلومات عن اعتقالات عشوائية في غير منطقة، إدلب بخاصة، من أجل الحصول على المال مقابل إطلاق سراح المعتقلين(21).
6
ما نرى من المشروع الخلوص إليه من هذا العرض المجمل، المحتاج دونما شك إلى مزيد من التفاصيل الميدانية، هو أن التشبيح نزوع متأصل في بنية النظام السوري، يرتد إليه النظام في أوقات الأزمات المصيرية، فيظهر كشبيح عام.
ولقد ظهر هذا بوضوح في ثمانينات القرن السابق. كان أسلوب الحكم في عموم البلاد شبّيحيا، واستمرت ظاهرة الشبيحة في اللاذقية في الوقت نفسه، وتطور ما يناظرها على نطاق أضيق في كل مكان من البلد. يمكن القول إن الشبيحة هم الشبح الملازم للسلطة الأسدية، حضوره أكبر وآثاره أقوى كلما اقتربنا من مواقع السلطة الحقيقية.
نخلص أيضا إلى وجود تناسب طردي بين أسلوب الحكم الشبيحي وبين انتشار الشبيحة والظواهر والممارسات الشبيحية. كلما تصرف النظام كشبيح عام، ظهر بكثرة شبيحة خواص يبذلون له ولاء غير منقوص، مقابل استقلالهم بعوائد التشبيح الخاص: تسهيلات، امتيازات، إعفاءات، غض نظر عن مخالفات متنوعة، امتيازات في التعليم والجامعات(22) ، فضلا عن أجور التشبيح المباشر وغنائمه، كما في مواجهة الثورة اليوم.
بين منتصف تسعينات القرن الماضي وبداية الثورة تراجع الأسلوب الشبيحي في الحكم والظواهر والممارسات الشبيحية في آن، لكنهما تراجعا إلى موقع الغريزة، الأساس الذي لا يرى، رغم أنه موجود دوما هناك، ويمكن أن يظهر في المجال العام في أي وقت. وهو ما وقع بالفعل، وبصورة فورية، مع تفجر الثورة.
أما الخلاصة العملية لكل ذلك فهي أنه إذا دانت الكلمة العليا للنظام في مواجهة الانتفاضة، فسيسود الطابع الشبيحي لنظام الحكم، و ستُحكَم البلاد بالشبيحة وبالأسلوب الشبيحي، وسنرى مستويات من الفظاعة والتمييز ربما تفوق ما عرفته البلاد في ثمانينات القرن العشرين. ليس "إصلاحا" من أي نوع هو ما قد يعقب سحق الثورة، بل بالضبط التشبيح الفاشي طوال سنوات. النظام الحالي لا يستطيع أن يحكم بغير هذه الطريقة، فإن استكان له الناس استعبدهم، وأن ثاروا في وجهه قتلهم ما استطاع. الانتهاء من الشبيحة والأساليب الشبيحية يقتضي الانتهاء من نظام الحكم الشبيحي.
هذا ما كثفه شعار رفعه المتظاهرون من بلدة تلبيسة الحمصية في آب الماضي: "نريد دولة مدنية تحكمنا، لا دولة شبيحة تقتلنا"!
7
على أن التشبيح بالمعنى الذي تناولناه أعلاه علامة على وجهة أعم في السياسة والسلوك السياسي ميزت نظام حافظ الأسد، بل في الواقع الحكم البعثي منذ بداياته.
بدرجة تتناسب مع ضعف شرعيتهم الشعبية، لجأ البعثيون منذ أيامهم الباكرة إلى ما يمكن تسميته التشبيح الإيديولوجي، أي المزايدة والتخوين ورمي الاتهامات في كل اتجاه، والعمل الدؤوب على صنع حالة بارانويا عامة، بحيث يشك عموم المحكومين بمؤامرات متنوعة تعتمل حولهم، وليكون كل منهم مشروع متهم في وطنيته، ويكون العالم من حوله مكانا شريرا خطرا ينبغي الحذر منه وعدم الوثوق به.
ولقد كان التشبيح الإيديولوجي عنصرا أساسيا في إضعاف التفكير النقدي والسلوك الانشقاقي في سورية. المزايدة ليست اختراعا سوريا، ولا بعثيا. للأمر صلة على الأرجح بضعف تشكل القوى الاجتماعية وبحاجتها إلى ترميم ذاتها بالعقائد المعصومة والأفكار السامية المجردة. لكن المزايدة وأخواتها ارتفعت في سورية البعثية إلى مرتبة سياسة دولة، وبلغت ذرى غير مسبوقة من انفصال الخطاب المعلن عن الواقع المعاين وممكناته. ظل الحكم البعثي يزايد في مواجهة إسرائيل إلى حين تسبب بهزيمة حزيران الفاجعة. وظل يزايد على الجميع وطنيا وقوميا واشتراكيا، وهو يمزق المجتمع السوري، ويضرب الفلسطينيين واللبنانيين، ويثري أتباعه، ويتسبب في تأخر وجمود ما كان واحدا من أكثر المجتمعات العربية تقدما.
ولقد أفسد التشبيح الإيديولوجي اللغة العربية، اللغة السياسية بخاصة. فقد رفع منسوب الكذب فيها، وطبّع انفصال الدوال عن المدلولات، فحرم الجمهور العام من الأداة الرئيسية للتعبير عن شكاويه ومطالبه، وفرض كلغة وحيدة صحيحة لغة الحكم المصممة أولا وأساسا لسلب المحكومين القدرة على التعبير المستقل عن أنفسهم. ولعل للافتقار إلى لغة الكلام دور في الاحتجاج بالأجساد الذي كان اللغة الأساسية لأنشطة الانتفاضة. كان الاحتجاج بالكلام الفصيح، الممازج بدرجة خطرة غالبا لكلام النظام، هو وسيلة الاحتجاج الحصرية للمعارضة التقليدية، ولا ريب أنه في أصل ضعفها وعجزها. وكان ما تعرض له أكثر المنخرطين في صفوفها من اعتقال وتعذيب قد أخرج أجسادهم من الصراع مع النظام. لم يبق من جيلنا غير كلمات، ومعارضتنا ارتدت إلى معارضة أشباح، أرواح منفصلة عن أجسادها، لا يكاد يكون لها وزن حيال نظام هو جسد كثير العضلات، وكثير الألسنة أيضا، لا يكف عن الكلام. وبفعل طابعها الشبحي، لم يقتل ولو شخص واحد منحدر من المعارضة التقليدية، لكن حبس عدد قليل.
المعارضة الجديدة المتمثلة في شباب الثورة تزج الجسد في الثورة وتخاطر به. وهناك نحو 5000 جسد دمرت في هذه المواجهة حتى يومنا(23).
ولاستيلاء النظام على اللغة العامة دور أيضا في نأي لغة هتافات الثورة وشعاراتها عما يقرّبها من لغة النظام وكليشيهاته. لا تستطيع أن تنفصل عن النظام دون أن تنفصل عن لغته وعالمه الرمزي. هذا شيء لا يدركه من يطالبون الثورة السورية بمواقف وشعارات "قومية". يفوتهم شيئان. أولا أن شعارات النظام كانت تشبيحا لا أساس له من الواقع، إلى درجة أنه قضى على مفهوم الحقيقة ذاته، فصار النقاش يدور بين تفضيلات إيديولوجية لا تتضح صلة أي منها بالواقع، أو تتساوى في انفصالها عنها، وتاليا في ذاتيتها واعتباطها. لم تكد الجامعة العربية تصدر قرارا بتعليق مشاركة الطرف السوري في اجتماعاتها يوم 12/11/ 2011، حتى كان متكلمون على الأقنية التلفزيونية السورية يتكلمون على "عربان" متخلفين، ويتحدث بعثيون عن أمة سورية مكتملة التكوين لا شأن لها بالعرب، ويهتف الموالون للنظام في الشوارع: طز بالعروبة!
وثانيا أن الثورة جهد شامل للانفصال التام عن النظام، قد تطور مقاربة وفهما مختلفا للقضايا المعنية. بل إن هذا محتم في تقديري، وسيكون فهما أكثر نزاهة وإخلاصا. لكن تركيزها الآن هو على لحظة الانفصال والتباعد.
8
ثم أن النظام الذي اعتمد الشبيحة أداة حكم مهمة في الداخل السوري، عمل أيضا كشبيح على المستوى الإقليمي، أي كبلطجي قوي القلب يحكم بالقوة الخام والإرهاب في محيطه، على نحو ما يفعل في سورية ذاتها. ولقد اقتضى ذلك أن يكون ممثلي النظام، في لبنان بخاصة، شبيحة حقيقيون: عنيفون، فاسدون، بلطجية، وأن يعملوا على تشبيح الدولة والسياسية اللبنانية، أي إعادة إنتاج أنفسهم ونهجهم في لبنان، كي يخلدوا في حكمه، مثلما هو الحال في سورية أيضا. وكان آخرهم، رستم غزالة، جديرا بقيادة قوات مكافحة الإرهاب في سورية بعد عام 2005، جريا على التقليد اللغوي الأورويلي الأصيل.
على أن الأهم في التشبيح هو جني الثروات بالقوة. يتجاوز الأمر هنا ظاهرة الشبيحة الأصلية والجديدة، إلى التشبيح كنظام اقتصادي قائم على الاستيلاء والنهب والسخرة والخوات، أي توسل للقوة كأصل اقتصادي. أثرياء سورية الجدد الذين حولوا نظامها الاقتصادي إلى "اقتصاد السوق الاجتماعي" في عام 2005، هم أبناء آبائهم الذين كانوا في السلطة، ودرت عليهم السلطة ثروات مهولة. سياستهم المسماة "التطوير والتحديث" هي نهد لتحقيق الأشياء نفسها، الثروات المهولة والسلطة الكاملة الدائمة، بوسائل أقل خشونة. بعد الثورة يعود جيل الأبناء إلى نهج الآباء المجرب(24).
والواقع أن طبقة الإقطاعيين الجدد الذين يسيطرون على الاقتصاد السوري اليوم حصلوا على ثوراتهم عن طريق التشبيح الكبير، تمييزا عن التشبيح الصغير الذي يعتاش منه عامة الشبيحة. الشبيحة الصغار يعتدون على معارضي النظام وجمهور الثورة مقابل أجور وغنائم. هم ميليشيات ترتزق من النظام. الشبيحة الكبار يستخدمون الدولة، ويديرون النظام، ويجمعون المليارات. وهم من يواجهون الثورة اليوم بالقوة المنفلتة. الشبيحة الكبار هم من يحكمون سورية.
وإذ لم يظهروا بعد ثلثي العام أدنى استعداد لتغيير نهج الإخضاع بالقوة، أو إعادة النظر في بنية النظام، فلأن دولة الشبيحة دولة خلدونية، لها عمر طبيعي، تدول ثم تزول. لا تتفاوض، ولا تمارس السياسة، ولا تستطيع إصلاح أمرها. لكن لعلها أقصر عمرا من دول ابن خلدون التي تعيش أكثر من قرن.
9
ما الذي يجمع أشكال التشبيح هذه كلها؟ توسل القوة الخام للحكم، محليا وإقليميا، ودون تمثيل؛ المزايدة الإيديولوجية المنفصلة عن الواقع والممكن؛ جني الثروات باستخدام سلطة الدولة ودون قانون؟ الانفصال. انفصال الثمرات عن العمل، والكلمات عن المعاني، والأوضاع عن المؤهلات والكفاءات. التشبيح جوهريا تعطيل للعمل، وللقوانين الذي تربط العمل بالدخل، والإنتاج بالثروة. وهو أيضا تعطيل لإنتاج الكلام المفهوم، الذي يثمر ارتباط الدوال بالمدلولات فيه معاني مفهومة للجميع. وهو تعطيل للسياسة، كإنتاج للتمثيل، أو الربط بين المصالح الخاصة والدولة العامة.
وهو أيضا ضرب للتمثيل عموما. تمثيل المحكومين في هيئات سياسية، وتمثيل الأعمال بدخول، وتمثيل الدلالات بدوال.
وعليه فإن التشبيح نمط إنتاج مادي (لا ينتج ثروات، بل يستولي)، ونظام حكم سياسي (لا يسوس، بل يقمع)، وصيغة دلالة (لا تنتج معاني جديدة) في آن. إنتاج دون عمل، وحكم دون تمثيل، ودلالة دون فاعلية تعرّف مستقلة.
هذا يوجب على الثورة السورية أن تكون جهدا لإعادة الاعتبار للعمل كمصدر أساسي للقيم المادية والمعنوية، وللتمثيل وسياسة المصالح الاجتماعية كأساس لشرعية الحكم، وللواقع المختبر كسند للمدركات والأفكار. أي أيضا إعادة الاعتبار للإنتاج، المادي والمعنوي والسياسي. فهي بالفعل مشروع إعادة تأسيس كبير، لا بد من العمل على أبعاده الثلاثة، وليس على واحد منها فقط، البعد السياسي.
[عن مجلة "كلمن" – بيروت]
هوامش
(1) http://harpers.org/archive/2011/06/hbc
(2) ممدوح عدوان: حيونة الإنسان، الطبعة الأولى، دار ممدوح عدوان للنشر، دمشق، 2007؛ ص 134.
(3) انظر ملفا عن الشبيحة من إعداد خولة غازي، وكتاب ممدوح عدوان نفسه، الصفحة نفسها.
(4) عدوان، سبق ذكره، ص 134. ويصف عدوان "الخال" بأنه "مظلة الشبيحة"، وهو "فوق القانون، ويكتسب هذه الصفة غالبا لأنه ابن أحد المسؤولين أو قريبه". ص 138.
(5) تفجر في اللاذقية عام 1993صراع بين شبيحة فواز الأسد (ابن جميل الأسد) وشبيحة بيت ديب (بزعامة رباح ديب، أمه من بيت الأسد)، وأوقف بالنتيجة رباح ديب في سجن اللاذقية. لكن شبيحته هاجموا السجن وخلصوا زعيمهم، وقتل بعض عناصر الشرطة حينها. أنوه إلى أنه بسبب قلة المصادر المكتوبة أعتمد في كثير من المعلومات الواردة هنا على معلومات أتاحها لي أصدقاء، وأقتبس المؤكد والمتواتر منها فحسب.
(6) قتل الشاب حسان الأعسر عام 1994 لأنه دافع عن فتاة احتمت به من الشبيحة في حافلة نقل عام.
(7) قارن مع: ميليشيات «الشبيحة».. قوات خاصة فوق القانون، جريدة الشرف الأوسط
(8) مقالة روزا ياسين حسن: عن الشبيحة وسادتهم وذاكرة بلون الخوف! تقول الكاتبة إنها أتت على سيرة أبي رماح تلميحا في وقت سابق للثورة، ولم تتجاسر حينها على ذكر اسمه.
(9) يقول ممدوح عدوان، ولعله الكاتب السوري الوحيد الذي تكلم عن الشبيحة والتشبيح قبل الثورة: "والتشبيح كلمة ممتلئة بالمعاني، فهي مزيج من الزعرنة والسلبطة والتبلي، وهي كل ما يقفز فوق القانون علنا"، مصدر سبق ذكره، ص 135.
(10) في صيف عام 1997، وكنت في معسكر تدريب عسكري جامعي صيفي، اتهم طالب بعثي ملازما يدربنا بالطائفية، لأنه قال شيئا طريفا عن الحماصنة! أمسكه من تلابيبه وزعق في وجهه: أنا من أمن القيادة القطرية!
(11) الفيديو متاح على هذا الرابط.
(12) على أن هناك فراقا بين المهرب والشبيح. المهرب "زلمة ليل، شجاع يغامر ويخاطر وقد يصطدم بالدولة"، في حين أن الشبيحة "يستخدمون سيارة الدولة ويُهرِّبون في عز النهار وفي شارع مزدحم يعرقلون المرور فيه". عدوان، سبق ذكره، ص 136. ويحيل هذا الفارق إلى الموقع الحصين للشبيحة في النظام.
(13) بقيادته، هاجموا في وضح النهار شركة الهرم للصرافة في دمشق عام 2005، واستولوا على ما فيها من مال. وكانوا "يتبلّون" السجناء السياسيين في عدرا عام 2006.
(14) ربط أحمد بيضون في غير عمل له بين المحسوبية والطائفية في النظام اللبناني. مثلا: مغامرات المغايرة: اللبنانيون طوائف وعربا وفينيقيين، الطبعة الأولى، دار النهار، بيروت، 2005؛ ص 20.
(15) نشرة كلنا شركاء
(16) لا ريب أن من شأن العسكرة المتسعة النطاق للثورة أن تغير الحال، إن باتجاه تراجع مساهمة الشبيحة، أو أخطر باتجاه تسليحهم.
(17) عرف من ممولي الشبيحة في اللاذقية رجل الأعمال نزار أسعد. وقد شملته القائمة الثالثة من العقوبات الأوربية التي صدرت في الثلث الأخير من آب 2011. وكذلك رجل الأعمال محمد جابر الذي قالت القائمة الأوربية إنه مساعد العميد ماهر الأسد الخاص بـ"الشبيحة"، انظر الرابط.
(18) كلنا شركاء: الرابط نفسه.
(19) ص 15 من التقرير المتاح على الرابط التالي.
(20) المصدر نفسه، ص 17. جدير بالذكر أن لاستباحة ممتلكات المواطنين غير سابقة تاريخية، أبرزها استباحة حماة في شباط 1982
(21) معلومات من صفحة Ismaeel Alhamed، وهو طبيب محترم من منطقة جبل الزاوية في إدلب، على الفيسبوك، يوم 25/8/2011. المبالغ تتراوح 25 ألف ومليون ليرة سورية. ويبدو أن هناك صناعة سمسرة مرتبطة بالأمر. من لا يدفعون يبقون قيد التوقيف حتى إشعار آخر.
(22) في سياق حرب النظام الأولى ضد المجتمع السوري، عام 1980 وما بعد، كان عناصر سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد والوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر والفرقة الرابعة بقيادة شفيق فياض يضعون مسدساتهم على المقاعد أثناء تقديم امتحانات الشهادة الإعدادية (الصف التاسع) أو الثانوية (البكالوريا)، ويغشون علانية، فلا يجرؤ أحد على اعتراضهم. وبدءا من العام نفسه صارت تمنح علامات إضافية للكتائب الطلابية المسلحة المشاركة في حرب النظام، تسهل لهم الدخول إلى الكليات التي يرغبون، وكانوا بالطبع الأسوأ خلقا وعلما. ومنهم اليوم غير قليل من أساتذة الجامعات السورية. وكان الفنان على فرزات "أكل علقة" من سرايا الدفاع في ذلك الوقت لأنه رسم طالبا مظليا يهبط بمظلته على كلية الطب!
(23) أرقام النشطاء السوريين، الصادرة عن "لجان التنسيق المحلية" بصورة خاصة، أوثق من أرقام الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية. وهم يعتمدون معايير صارمة في تعميم المعلومات، فوق ارتباطها الحي المتفوق على أية منظمات دولية، بالثورة في ميادينها الكثيرة. الثورة لا تمارس التشبيح الإعلامي.
(24) تواتر الكلام على استعانة النظام برجال الأب الأمنيين، علي دوبا وأضرابه. لكن يصعب التيقن من صحة هذه المعلومات.