هامش أول ــ مصر ــ مارس ٢٠١٢: أزمة وقود لا يصاحبها مخطط إسقاط مصر.
عادت أزمة النقص الحاد فى البنزين والسولار. وكانت مصر قد شهدت أزمة مماثلة قبل شهرين وتحديداً قبيل مظاهرات الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لثورة يناير، والتى تزامنت وقتها مع إعلان عسكري عن مخطط دولي "لإسقاط مصر ومؤسسات الدولة خلال المظاهرات“. الأزمة تعكس نفسها فى طوابير بالمحطات تمتد ٤ كيلومترات وتخنق المرور بالقاهرة، وتطيح بالمخابز البلدية بعد توقف عدد منها عن إنتاج الخبز البلدي المدعوم. الأزمة تضرب فى المحافظات، وتتسبب فى موجة من المشاجرات سقط فيها قتيل، وتخلق سوقاً سوداء ساخنة. آثار النقص فى المواد البترولية تمتد من النقل إلى قطاعات جديدة منها مراكب الصيد وصناعة السكر. رد فعل المواطنين يتفاوت بين إلقاء اللوم على حكومة الجنزوري والمجلس العسكري الذى يدير البلاد، وبين اتهام الثورة بالتسبب فى تدهور الأوضاع.
هامش ثان ــ شيلي ــ أكتوبر ١٩٧٢: المصالح القديمة تخنق النقل والعمال يحبطون الخطوة.
مرت سنتان على وصول سلفادور ألليندي عبر صندوق الانتخاب لحكم شيلي، التي سيطر عليها محافظون يمينيون لسنوات بالتحالف مع العسكر. كان نجاح ألليندى رئيساً تعبير عن ثورة سياسية حقيقية فى بلاد قام حكمها لعقود على ظلم اجتماعي بالغ وقمع سياسي غاشم. مثل الرئيس الجديد تحالفاً من ستة أحزاب لكن كسره لسيطرة المحافظين لم يكن ليتم دون صعود هائل فى الاحتجاج الاجتماعي فى الريف وفي المدينة. فبينما اكتفت حكومة فراي التي حكمت بين ١٩٦٤ و١٩٧٠ ببعض الإصلاح الزراعي والاجتماعي البسيط فى محاولة لإرضاء الفلاحين والعمال الغاضبين، تصاعدت الحركة الفلاحية، التي تحدت كل شيء بالاستيلاء على الأراضي، واشتعلت إضرابات العمال احتجاجاً على تدني الأجور. وارتفع عدد الإضرابات عام ١٩٧٠ إلى أكثر من ٥٠٠٠ إضراباً شارك فيها أكثر من ٣٠٠ ألف عامل. وبدأ العمال فى السيطرة على بعض المصانع وإدارتها ذاتياً ليرتفع عدد هذه المصانع بشكل مضطرد من ٢٤ عام ١٩٦٩ إلى ١٣٣ فى ١٩٧٠ إلى ٣٣٩ مصنعاً عام ١٩٧١.
جاء ألليندي على خلفية هذه التحولات ومستنداً عليها. لكن كان عليه أن يعقد اتفاقاً مع الجيش والمتحكمين في اقتصاد شيلي من كبار الرأسماليين فيما سمي بخطاب الضمانات يتعهد فيه بعدم امتداد برنامجه السياسي والاجتماعي لجوانب محددة كانت الحركة الجماهيرية تطالب بها.
لكن حركة الاحتجاج الاجتماعي تجاهلت اتفاق ألليندي كما ظهر من الأرقام مما بدأ يشكل تهديداً للسيطرة والمصالح الاقتصادية والأمنية ذات العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. واشتعلت المواجهة بين تحالف رأس المال - العسكر وبين الفقراء المحتجين.
سيطر العمال والفلاحون في أنحاء كثيرة على عملية الإنتاج لكن عملية التوزيع كانت خارج أيديهم. ومن هنا جاءت هجمة المصالح القديمة. في ١١ أكتوبر ١٩٧٢ أوقف أصحاب العمل عملية النقل عبر البلاد لخنق العاصمة وخلق أزمة حادة في الغذاء والوقود ومن ثم الضغط على حكومة ألليندي لتبني موقفهم في مواجهة العمال والفلاحين. أغلقت المحال التجارية الكبرى أبوابها خاصة في العاصمة وتوقف بعض المهنيين ومنهم أطباء ومحامون عن العمل. وعمل الرأسماليون الكبار على إيقاف الماكينات في مصانعهم. وبدا و كأن الحياة ستتوقف، لكن ليس هذا ماحدث. فقد تصدى العمال والفلاحون للتوقف، الذي كان ليترك آثاراً مدمرة على الاقتصاد وعلى حياتهم، بعد أن أخذوا زمام الأمور في أيديهم وتأسست لجان بالمصانع لتوزيع المنتجات على الأحياء وحمايتها من السرقة وذلك في غياب المديرين. خرج العمال في مظاهرات حاشدة تهتف ببناء سلطة الشعب. تم دحر الهجمة وازدادت ثقة الفقراء في أنفسهم.
هامش ثالث - مصر – مارس ٢٠١٢: أزمة مصنوعة.
يوم السبت الماضي قال وزير التنمية المحلية وشؤون مجلسي الشعب والشورى د.محمد عطية في تصريحات نشرتها صحيفة "الأهرام“ إن هناك أياد خفية وراء أزمة البنزين والسولار المتصاعدة. وأكد "أن الظاهرة ليس لها مبرر خاصة مع ضخ كميات كبيرة من البنزين والسولار أكثر من الكميات اللازمة“.
في اليوم نفسه، أكد الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين، في تصريحات له نشرتها الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء، على الفيس بوك، أن إنتاج وتوزيع المواد البترولية أكثر بكثير من الاستهلاك المحلي المطلوب، مطالباً الحاكم العسكري بإصدار قرار بتجريم وتغليظ العقوبة على من يقوم بالإخلال والتلاعب في منظومة توزيع وتداول المواد البترولية ومراقبة الأسواق. اتهم الوزير فلول وأعضاء الحزب الوطني المنحل وأعضاء بمجلس الشعب السابق بلعب دور كبير في تلك الأزمة لمصالح شخصية، بالإضافة إلى أن "مصر تتعرض لضغط متعمد من الأصدقاء والأشقاء قبل الأعداء“.
هامش رابع – شيلي – ١٩٧٣: انقلابان عسكريان.
احتدمت المعركة بين الحركة الاجتماعية والمصالح القديمة في الشهور الستة الأولى من عام ١٩٧٣، وصار ألليندي يلعب دور المتفرج أكثر فأكثر. في يونيو تكررت أحداث أكتوبر ١٩٧٢بشكل أكثر كثافة. فقد وقع انقلاب عسكري يميني تصدى له العمال باحتلال المصانع وتشكيل اللجان التي تدافع عنها وتوسيع نطاق السيطرة على المصانع. ومثلما فعل في أكتوبر، واجه الليندي هذا الموقف بإعلانه حالة الطوارئ ووضع الأمور مرة أخرى في أيدي الجيش. ومرة أخرى، كانت مهمة الجيش هي إعاقة الحركة الاجتماعية.
في أوائل أغسطس شكل ألليندي وزارة جديدة غلب عليها العسكريون، حيث رأى أن المهمة الأساسية هي إعادة "النظام“. مهدت هذه الحكومة الأرض لانقلاب عسكري دموي ثانٍ قاده الجنرال بينوشيه، أحد أعضاء حكومة الجنرالات التي شكلها ألليندي. وأطاح الانقلاب، الذي تم بتنسيق كامل مع المخابرات الأمريكية والشركات الأمريكية الكبرى المتضررة من إصلاحات ألليندي والقلقة من تطور الأمور، بحكومة ألليندي، الذي انتحر، بينما اقتحم الجيش، الذي تدربت أغلب قياداته في الولايات المتحدة، القصر الرئاسي.
قتل ٣٠ ألف شخص أغلبهم من المناضلين الاشتراكيين والنقابيين خلال الأثنى عشر شهراً التالية للانقلاب، كما تعرض الآلاف للاغتصاب والتعذيب والموت جوعاً.
هامش خامس – مصر – ٢٤ مارس ٢٠١٢: يوروموني إخواني.
في فندق فاخر بالتجمع الخامس، يجتمع أكثر من ألف شخص بدعوة من رجل الأعمال حسن مالك، القيادي في جماعة الاخوان المسلمين، لتأسيس الجمعية المصرية لتنمية الأعمال "إبدأ“. كان من ضمن المتحدثين رجل الأعمال والعضو السابق في الحزب الوطني، محمد مؤمن، بينما تضمنت الشركات الراعية للحدث وللجمعية: السويدي للكابلات وجهينة ودالتكس وحديد المصريين بالإضافة إلى شركتين عالميتين هما برايس ووتر هاوس كووبرس، وهي شركة متخصصة في الاستشارات مقرها في لندن، لعبت دوراً مهما في عمليات الخصخصة أثناء حكم النظام السابق، وهيل انترناشيونال شركة الإنشاءات والمقاولات الأمريكية. المشهد، الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الأكثرية البرلمانية بحضور أعضاء في لجنة الخطة والموازنة يشبه لحد كبير، في وجوه الحاضرين وطريقة التنظيم وجدول الأعمال، مؤتمرات ترويج الأعمال التي شهدتها مصر بشكل مستمر منذ عام ٢٠٠٠.
هامش سادس – شيلي -نوفمبر ١٩٧٠: اتفاق.
كان الشرط الأساسي الذي قدمه الجيش والرأسماليون الكبار للسماح لألليندي بالوصول للحكم هو أن يوقع اتفاق ضمانات بأن تحافظ حكومته على "مؤسسات الدولة“. تضمن الاتفاق بنوداً منها: ضمان استمرار النظام السياسي مع الحريات الفردية في النشاط الاقتصادي والإبقاء على النظام القانوني وأن القوات المسلحة والشرطة "ستستمران في ضمان الديمقراطية“.
وفي نهاية ١٩٧١، وبعد سلسلة من التأميمات التي قام بها، كتبت صحيفة بريطانية تقول: "لم يعد ألليندي قادراً على إرضاء ملاك الصناعة ولا الطبقة العاملة. وعليه أن يختار أحد الطرفين. غير أن أحدهما مسلح والثاني لا“.
هامش سابع – مصر ٢٥ مارس ٢٠١٢: عمال النقل العام أمام مجلس الشعب.
شهران ونصف مضيا على انعقاد البرلمان دون أن يخرج من النواب المنتخبين تشريع واحد يتعامل مع قضايا العدالة الاجتماعية، أو تخفيف أعباء الإضطراب الاقتصادي على الفقراء. وهاهم عمال النقل العام، الذين أعلنوا إضراباً شاملاً على مدى أسبوع، يتوجهون لمجلس الشعب لتأكيد مطالبهم. ويبلغ عدد عمال الهيئة ٤٥ ألفاً بين سائقين ومحصلين وعمال هندسة وتتراوح أجورهم الشهرية بين ٥٠٠ و٧٠٠ جنيه عن ساعات عمل تصل ل ١٠ ساعات تبدأ فى الرابعة فجراً.
وبينما دفع المجلس العسكري بأتوبيسات مكيفة لكسر الإضراب في خبر إحتل مانشيت "الأهرام“، من ناحيته أكد علي فتوح، عضو مجلس إدارة النقابة العامة لعمال هيئة النقل العام المستقلة بأن القنوات الفضائية، وخصوصاً الحكومية، تنشر أخباراً كاذبة عن إضرابهم، وأن قناة النيل للأخبار قد أتت أثناء ،عرضها لتقرير مصور عن أزمة البنزين، بصور قديمة لأتوبيسات الهيئة تسير في الشوارع، وكأنها صور الآن، كما أتت بصور أتوبيسات داخل الجراجات، على أنها في المواقف، وذلك لتوحي للمشاهدين كذباً بأن الإضراب قد تم فضه، ويؤكد فتوح أن عمال الهيئة مستمرون في إضرابهم لحين تحقيق مطالبهم.
[عن جريدة "الشروق" المصرية.]