مثلما فتح سقوط النظام البعثي السابق أبواب العراق على مصاريعها وجعلها مشرعة للجميع ، فإنه وفي الوقت ذاته فتح الأبواب لدخول الكثير من القيم والمفاهيم الجديدة إلى العراق، المحرمة طوال عقود، بفعل الزخم الإعلامي والتضخيم والوعود التي أطلقتها أمريكا لمرحلة عراق ما بعد صدام والبعث تتمثل في الترويج لمفاهيم وقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الأنسان والتعددية السياسية والقضاء على إرث القيم والممارسات الدكتاتورية والاستبدادية، قيم كان من السهل استخدامها ببراعة أمام مجتمع منهار وشعب يعاني الويلات بفعل الاستبداد والقمع السافر والحروب المتواصلة والمهلكة وسلطة الحزب الفاشي الواحد الذي أستلب من العراقيين كل مبادرة للنهوض أو مواجهة ما يتعرضون له من اضطهاد وممارسات إجرامية أوصلتهم الى حافة اليأس والأنهيار وانعدام الأرادة. وكذلك بفعل القرارات والعقوبات الدولية الكارثية التي جعلت من المجاعة والفقر والأمراض كوارث حقيقية مارست سطوتها على المجتمع العراقي منذ 1990 وحتى التاسع من نيسان من عام 2003، أي طوال فترة الحصار والعقوبات الاقتصادية على العراق.
وعلى الرغم من ضرورة إشاعة مفاهيم الديمقراطية والحرية والحقوق المدنية الأساسية في العراق إلا أن مفاهيم وقيم أخرى كانت حاضرة و متحفزة للانطلاق. ولم تترد قوى سياسية في إطلاقها من قمقمها ولكن تحت ستار الديمقراطية والظلم الذي عانى منه الشعب العراقي ومكوناته فأصبح العراق ساحة للنزاعات والحساسيات القومية والطائفية ولم تترد القوى السياسية ذاتها في أن تكون حامية لتلك القيم ومغذية لها بشكل سافر، كونها الأداة التي تمكنها من تحقيق مصالحها القومية والطائفية.
لقد حضر الجميع في ساحة صراع المفاهيم والقيم الاجتماعية والثقافية الجديدة أو تلك التي أطلق لها العنان لتكتسح الشارع وتتحول إلى لغة وخطاب سياسي وإعلامي وثقافي وأداة في صراع الهويات بشكل منفر ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول ما حدث في العراق. وأصبح الحديث عن قيم الديمقراطية والحرية يتم من زاوية اتساقها وتماهيها مع المصالح والنزعات القومية والطائفية ومصالح القوى السياسية المتنفذة والحاكمة.
لم تكن المواطنة، لا كمفهوم ولا كمقولة سياسية واجتماعية أو ثقافية ولا كهوية، حاضرة في كل تلك الصراعات، حتى وإن استدعاها شخص أو قوى سياسية وحزبية ما، فإنها تستدعى باستحياء وخجل تام وكأنها لوثة وخارج صراع المفاهيم والقيم السياسية والاجتماعية الجديدة ولا تشكل أولوية في صراعات القوى والهويات وإن القصد منها إزاحة السائد من القيم والاعراف وزعزعة سلطتها و التحول إلى بديل لها.
الكثير من الساسة زجوا بمفردة المواطنة في خطاباتهم وتصريحاتهم وأستخدموها أينما ذهبوا إلا أن الامر ليس سوى محاولة للاستهلاك الإعلامي وإفراغ المواطنة كضرورة اجتماعية وسياسية أساسية ومصيرية بالنسبة للعراق من أي محتوى لها وجعلها أداة لممارسة خداع مفضوح في حملة تسويق أنفسهم في سوق السياسة العراقية وخداع المتلقي البسيط . و إذا ما أردنا تتبع خطابات الساسة والحكام في العراق واستحضارهم لقيم وثقافة المواطنة فإن عملية كهذه سوف تكشف لنا حجم الهوة الشاسعة التي تفصل ما بين ادعاءاتهم حول الديمقراطية والمواطنة وبين الواقع الذي يعملون على ترسيخه وجعله واقع حال قائم ليس من السهل تجاوزه أو العمل على تغييره . وفي نفس الوقت فإن المواطنة أصبحت تتردد كذلك في خطابات رجال الدين وقادة أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب القومية، الكردية والعربية وكأنهم يسعون لتحقيق دولة المواطنة أو السعي من أجل ان تكون المواطنة هوية إنسانية فاعلة في العراق.
حين نتحدث عن المواطنة فإننا نتحدث عنها كباقي المفاهيم والقيم التي دخلت الى العراق بعد التاسع من نيسان من عام 2003 ومارست سيطرة واضحة على ذهنية المواطن العراقي وأصبحت جزء من لغته وأمنياته بعد أن تحولت إلى مفردات أساسية في لغة الخطاب السياسي والإعلامي والصراعات السياسية في العراق، لأن المواطنة كانت مغيبة أصلاً ومن القضايا التي لايجوز الإفصاح عنها وإثارتها واعتبرت من القضايا التي تهدد وجود النظام القائم آنذاك، أسوة بالديمقراطية والحرية والحقوق المدنية والتعددية السياسية والمشاركة فيها ،وأصبحت عبادة الفرد والقائد الضرورة والخضوع لسلطته منفذاً وآلية يتم تعريف المواطن العراقي وإخلاصه وحساسيته إزاء القضايا الوطنية والمصيرية من خلالها، أو من خلال أرتباطه بسلطة الحزب الواحد ومبادئه واستعداده لتنفيذها حتى لو كانت بالضد من مبادئه وقناعاته وأفكاره ووجوده.
وعلى الرغم من أن الكثير من العراقيين يدركون تماماً ما تعنيه المواطنة وضرورتها الحياتية والمصيرية بالنسبة لهم إلا أن الزخم المخيف الذي أحدثه تنامي النزعات القومية والطائفية والعشائرية ،النزعات التي تريد ابتلاع الدولة والمجتمع وفرض هوياتها وسلطتها ،قد حجمت من إمكانيات تنامي نزعة المواطنة . وهذا ما سينتج عنه أن يعيش العراقيون في حالة المواطنة الهشة أو المواطنة التي لاتتمكن من مواجهة المد الطائفي والعشائري، المدعوم سياسياً ودينياً، الذي يسعى لفرض قيمه وأعرافه وهوياته المتعددة كهويات أساسية يتم تعريف المواطن العراقي على أساسها ، بمعنى أن تقول فلان شيعي أو كردي أو سني أولاً قبل أن تقول إنه عراقي.
المواطنة دين مدني
في كتابة القيم “الأمم والنزعة القومية منذ عام 1780” يشير أريك هوبسباوم مستنداً الى ما أشار إليه جان جاك روسو سابقاً إلى أهمية الوطنية وضرورتها في تأسيس الدول الحديثة أو الدول التي تقوم على أساس ائتلاف مجموعات بشرية مختلفة دينياً وعرقياً ودمجها في كيان سياسي وجغرافي واحد وتأسيس دولة منها ذات كيان سياسي وحدود جغرافية. فهذه المجموعات تسعى للإبقاء على أعرافها وقيمها الثقافية وتتخذ منها وسيلة للدفاع عن وجودها ومحاولات تذويبها ودمجها في كيان جديد يسعى لفرض قيم الدولة الجديدة المتمثلة بالقوانين والدستور والسلم الاهلي والمشاركة السياسية، وضرورة الانصياع لها . إزاء مجموعات مختلفة ومتناقضة كهذه فإن الوطنية تكون مثل دين مدني يتم الزج به لكي يؤمن به الأفراد والجماعات الذين ينتمون إلى الدولة الجديدة أو الذين تم جمعهم في هذه الدولة وعُرفوا كمواطنين فيها. دين مدني يدعو إلى الوحدة الوطنية والتلاحم والتعايش السلمي وفض النزعات والتخلي عن المطامح والأهداف السابقة للدولة والقائمة أصلاً على أساس الأحاسيس والتعصب القومي أو الطائفي وأن هذا الدين المدني، أي الوطنية ، يمكنه أن يساهم في ترسيخ أسس بناء دولة تقوم على أساس المشاركة والحقوق والحريات الأساسية وبما يمكن من توفير الأجواء الطبيعية والضرورية لبناء كيان الدولة. وهو الدين الذي تسعى الدول إلى تعزيز قيمه والتمسك به حينما تتهاوى العلاقات السياسية والإجتماعية السائدة في البلد والناظمة لقضية تلاحم المجموعات البشرية المنظوية تحت لواء الدولة الواحدة أو كما يقول هوبسباوم “لو أن الدولة لم تنجح ، بالمصادفة، في استمالة مواطنيها إلى الدين الجديد قبل أن يصغوا الى المبشرين المنافسين لها، لكانت قد ضاعت تماماً “.١
إن الوطنية التي نتحدث عنها تأتي هنا بمعنى الانتماء للوطن وحمل هويته وأداء الواجبات التي يحددها الدستور والقوانين النافذة للمواطن إزاء وطنه وإن ذلك يدفع بأتجاه تعزيز قضية المواطنة وشعور الفرد بأنه مواطن في هذا البلد أو ذاك حينما يجد أن ما يقدمه وطنه لابد وان يقابل بقضية أساسية تجعله يتمسك بهذا الوطن ويعمل على تعزيز مكانته ودوره . الحقوق المدنية الأساسية والحريات والمشاركة السياسية وإشاعة قيم المساواة بين الأفراد في البلد الواحد، هي القضايا الأساسية التي تعزز مسألة المواطنة وتجعلها تتحول هي الأخرى إلى دين مدني فاعل في المجتمع المعني والمؤلف من مجموعات بشرية وافراد مستقلين يكون تعريفهم على أساس الهوية والانتماء الوطني أولاً وقبل أي انتماءات أخرى دينية وطائفية وقومية. أي أنتماءات ما قبل دولة المواطنة والناقضة لها أو الانتماءات التي تحمل دائماً بذور انهيار دولة المواطنة وتعريضها إلى مخاطر الانهيار أو التقسيم.
حين تم تأسيس الدولة العراقية في عام1921، فإن المجموعات البشرية المختلفة الأعراق والديانات والانتماءات الطائفية ( أكراد ، عرب ، شيعة ، سنة ، تركمان ، مسيحيون) التي تم جمعها داخل كيان الدولة الجديدة كانت تجد في الكيان الجديد انتقاصاً لوجودها وتطلعاتها السياسية ويحد من رغباتها في العيش داخل كياناتها الخاصة القائمة على أسس قومية وطائفية مختلفة فيما تواجه قيمها الاجتماعية والثقافية تهديداً مباشراً من القيم الجديدة التي تعمل الدولة الحديثة وسلطاتها ومؤسساتها على إشاعتها في أوصال الدولة والمجتمع الجديد. لقد تم الزج بالمواطنة كدين مدني حتى يؤمن به الجميع وحتى تتمكن هذه المكونات من الاندماج والتعايش فيما بينها على أساس الانتماء الوطني وأن الدولة العراقية حديثة النشوء هي دولة ووطن الجميع . وعلى الرغم من كثرة الصراعات السياسية وتنافس الزعامات وشيوع الكثير من الأساليب الانتهازية في العمل السياسي إلا أن الدولة الحديثة سارت بشكل مثير للأهتمام وقطعت خطواتها الأولى نحو تعزيز القدرات وبناء مؤسسات مجتمع معاصر تحكمه الضوابط القانونية والدستورية والمشاركة السياسية وإشاعة التعليم وتوفير فرص العمل والاستمرار بالعمل على تعزيز إمكانيات المواطن وإحساسه بالأمن والسلم في بلده. إلا أن تلك الخطوات واجهت أولى انتكاساتها في أول أنقلاب عسكري في العراق في 29 تشرين الاول من عام 1936 (انقلاب بكر صدقي) وضع الجهود التي بذلت منذ تاسيس الدولة العراقية على حافة الهاوية والضياع وشكل تحدياً سافراً لمسيرة بناء الدولة الحديثة في العراق.
الانقلاب المذكور شكل أولى بوادر تحرك الساسة وكبار ضباط الجيش والمؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية في العراق وممارسة دورهم في تعطيل مسيرة بناء دولة حديثة ومعاصرة لاتقوم على أساس التمييز بين مواطنيها على أسس العرق والطائفة والانتماء الديني و كما اشار إلى ذلك دستورها الأول وأصبح العراق ساحة للكثير من الأنقلابات العسكرية والتحركات الحزبية التي أوصلت قضية المواطنة إلى طريق مسدود خصوصاً أن تلك الانقلابات قد ترافقت مع تنامي وتصاعد الحركات القومية الانفصالية أو المطالبة بتقرير مصيرها كالحركة الكردية المسلحة بقيادة ملا مصطفى البارزاني.
عثرات دولة المواطنة
إن تتبع سيرورة بناء الدولة العراقية يكشف لنا أن هذه العملية واجهت عثرات كثيرة ولم يتمكن القائمون على السلطة وصناع القرار من تذليل العقبات التي تواجهها مما ترك أكبر الأثر على مسار بناء وترسيخ دولة المواطنة على الرغم من التحركات ومظاهر المشاركة السياسية التي يمكن تلمسها إذا ما احصينا عدد المرات التي أجريت فيها أنتخابات برلمانية في العراق . إن ما حدث هو تغييب تام لقضية المواطنة وأصبحت السلطات الدكتاتورية تمارس كل ما من شأنه أن يزيد من مظاهر الاستبداد والقمع وخنق الحريات الاساسية ومصادرة الحقوق المشروعة للعراقيين. أصبحت الحرب والعسكرتارية أدوات السلطة في تهميش دور المواطن في رسم مستقبل ومصير بلاده أو تحديد شكل وطبيعة النظام السياسي الذي يحكمه ووسيلتها الأساسية في إدارة المجتمع.
الأنظمة الشمولية والدكتاتورية القائمة على أساس سلطة الحزب الواحد أو الأنظمة التي تختصر هوية البلاد وكل تاريخها ومكانتها السياسية والحقوقية في شخص الزعيم أو الرئيس والقائد الأوحد، تعد أنتهاكاً حقيقياً لقضية المواطنة والانتماء الوطني، لأنها تجردها من كل الاعتبارات الاجتماعية والثقافية وتعتبرها مجرد أحلام ومعاداة للنظام القائم . وفي نفس الوقت فإن الأنظمة التي تقوم على أسس قومية أو دينية لا تختلف بشيء عن الأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي تحدثنا عنها. فأنظمة كهذه تحمل بذور التسلط والاستبداد والتمييز ضد مواطنيها أو تفضيل مجموعة على حساب أخرى وتسعى لأن تكون الدولة والمجتمع الذي تحكمه وفقاً لقيمها وأعرافها وتحقيقها لهذا الأمر لابد وأن يكون على حساب الحريات والحقوق الاساسية وإشاعة التمييز والظلم القومي أو الديني في المجتمع وما يتبع ذلك من مظاهر تعصب وعنصرية لابد وان تتنامى وتتمظهر على شكل صراعات أو كراهية قومية وطائفية متبادلة وزعزعة السلم الأهلي . وعلى الرغم من كل الأحاديث حول الوطنية والانتماء الوطني الذي عادة ما يثار في أوساط المجتمعات التي تواجه أزمات كثيرة تهدد وجودها ، فإن المواطنة هي الرابط الوحيد القادر على إدامة وجود الدولة المعاصرة والقائمة على أسس ديمقراطية حقيقية.
إن الاحزاب السياسية في العراق، ورغم الدور الذي لعبته في إيجاد حراك فكري وثقافي مشهود في المجتمع العراقي و تحقيق استقطابات سياسية اجتماعية واضحة ، لم تكن في يوم ما عاملاً أساسياً في تعزيز ثقافة وقيم المواطنة في العراق، وتحولت إلى أداة في إدامة الصراعات والاحتقان الاجتماعي وكان أكثر ما يشغل الأحزاب هو تمكنها من تحويل المواطنين، إلى أداة في فرض شروطها وإن صراعات عقود الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تكشف لنا عن مدى الاستغلال الذي مارسته الأحزاب السياسية لإمكانيات المواطنين وزجهم في الصراعات والهيجانات الجماهيرية التي تحركها هذه الأحزاب ضد بعضها البعض وكانت أداتها من أجل حيازة مكانة سياسية في البلاد وفي الصراع على السلطة أيضاً.
في مجتمع تتنامى فيه التيارات الدينية والقومية والعشائرية وتتواصل فيه عملية تقسيم المجتمع على أسس عرقية وطائفية فإن المواطنة ستكون خارج أولويات المعنيين بأمر المجتمع ولا تحتل مكانة في سلم أولياتهم. فكل جهة تريد أن تعزز مكانتها وسط من احتكرت تمثيلهم وأن تعيد صياغة المجتمع الذي تنفرد بالنفوذ فيه وفقاً لمعطياتها الخاصة ولأهدافها وتوجهاتها. القوى المذكورة عملت باتجاهات عدة وكلها تؤدي إلى فرض تراجع حاد على من يريد تعزيز ثقافة ودور المواطنة وإعلاء شأن ثقافة الطائفة والقومية والعشيرة بما تحمله من انعزالية مرضية ومخاوف فقدان للثقة بالمحيط الاجتماعي والسياسي.
أسلمة المجتمع بشكل دائم من قبل التيارات الإسلامية والمليشيات المسلحة التي تتمتع بنفوذ واسع في مناطق معينة وتمارس عمليات التحشيد الديني وممارسة الشعائر الدينية بشكل واسع النطاق، يقابله تعزيز الشعور القومي المتعصب تجاه الفئات والمجموعات التي يتكون منها المجتمع العراقي بشكل متعال ويحمل الكثير من العنصرية والكراهية في حين تبقى العشيرة والأعراف العشائرية ورقة بيد من يستطيع تطويعها وفقاً لمصالحه. في مجتمع كهذا فإن المواطنة تواجه عثرات ومعوقات كثيرة وإن الارتقاء بها وتحويلها إلى قضية أساسية في المجتمع يحتاج إلى جهود جبارة ومضنية.
العلاقة بين المجتمع المدني والمواطنة علاقة مصيرية هي الأخرى، فوجود مجتمع مدني فاعل يعني أن أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية ستتعزز أكثر، إلا أن المجتمع المدني في العراق يواجه عوائق كثيرة وإن عملية ترسيخ مجتمع مدني في العراق وسط أوضاع الاضطراب السياسي والتناحرات الطائفية وممارسات الإقصاء والتهميش ليست أمراً هينا وتحتاج إلى قدرات كبيرة . وعلى الرغم من وجود كم هائل من منظمات المجتمع المدني في العراق إلا إنها لم تتمكن من الرسوخ الفعلي ولم تتمكن من تعزيز مكانتها كشريك أساسي في إدارة المجتمع وأن يكون هدفها وممارستها الواقعية والعملية إيجاد مجتمع مدني في العراق . فما موجود حالياً من منظمات مجتمع مدني في العراق يغيب عنها طابع الاستقلالية عن الممارسة السياسية. والكثير من المنظمات الموجودة هي واجهات للأحزاب أو للمؤسسات الدينية، إذا ما فهمنا أن الميزة الأولى لمنظمات المجتمع المدني هي بعدها عن الممارسة السياسية واستقلاليتها عن الأحزاب والتزامها الجوانب القانونية والإدارية في عملها وسعيها إلى إشاعة ما تحمله المواثيق والمعاهدات الدولية من قيم، خصوصاً ما يتعلق منها بحقوق الإنسان وقضايا الحريات المدنية وإدارة المجتمعات وتعزيز الجوانب المدنية. إن فصل الدين عن الدولة إحدى مميزات المجتمع المدني الفاعل . لقد تحولت الكثير من منظمات المجتمع المدني إلى وسيلة لكسب الموارد المالية واكتساب الخبرات بالنسبة للأحزاب السياسية في العراق، مما حول هذه المنظمات إلى شريك أساسي في تعزيز مظاهر الفساد الإداري والقانوني والسياسي وأصبحت الكثير من الدول المانحة والداعمة لمنظمات المجتمع المدني على صعيد العالم تنظر إلى ما يحدث في العراق على أنه استنزاف للإمكانات المالية والجهود المضنية في إقامة ورش العمل والمؤتمرات التي تقام من أجل تعزيز القدرات والخبرات الذاتية.
دولة المواطنة من الخيال الى الواقع المشوه
احتلال العراق وانهيار بنية الدولة المتهالكة والمحكومة بقوة العسكرتارية والاستبداد فتح المجال واسعاً أمام مساعي إعادة بنائها مجدداً وقد رافقت عملية إعادة البناء هذه حملة واسعة النطاق لتصوير المكتسبات الكبيرة التي ستتحقق للعراقيين جميعا عند اكتمال هذه العملية، أي اعادة بناء الدولة وفقاً لمتطلبات العصر والحداثة ووضع القوانين المعاصرة والضامنة للحقوق والحريات التي حرم منها العراقيون لعقود طويلة، أي المتطلبات التي أعلنتها الادارة الأمريكية كأحدى مبرراتها لاحتلال العراق . حملة كهذه رافقتها تنظيرات كثيرة ومسهبة حول تصورات أمريكا للدولة العراقية التي تريد إعادة بنائها بالتركيز على أهمية بناء وتعزيز قدرات المجتمع ازاء الدولة ، أي جعل المجتمع أقوى من الدولة وقادراً على التحكم فيها، عبر بناء مؤسسات المجتمع المدني (رؤية الليبرالية الجديدة) وقد جاءت هذه على عكس التصورات البريطانية التي ساهمت في تأسيس وبناء الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي وركزت على وجود دولة قوية أولاً ، حتى تتمكن من فرض السيطرة على مجتمع حديث النشوء ويحتوي على الكثير من مظاهر الاضطراب وفقدان الثقة ومخاوف التذويب القسري وفقدان الهوية الثقافية نتيجة الاختلافات العرقية والطائفية بين المجموعات البشرية التي تم جمعها في كيان واحد إسمه الدولة العراقية.
إن تقوية المجتمع وبنائه في العراق بما يجعله أقوى من الدولة وقادراً على التحكم فيها في مثل هذه الأوضاع التي يعيشها الآن أمر فيه الكثير من الألتباس وانعدام الدقة . أولاً، لأن أمريكا عندما احتلت العراق لم تكن تمتلك رؤية واضحة عن العراق والدولة العراقية تحديداً ولا عن كيفية بنائها مستقبلاً أو إدارتها وأنها ساهمت في إطلاق يد قوى ما قبل الدولة لتمارس دورها في تعطيل أي مشروع يريد إعادة بناء الدولة العراقية وفق تصورات معاصرة وإن أية محاولة مستقلة ومحايدة لوضع تصورات للمساهمة في إعادة بناء الدولة العراقية واجهت انتكاسة لايمكن إغفالها بعد أن أصبح العراق ساحة حرب متقدمة بالنسبة لأمريكا من أجل استقطاب من تصفهم بالإرهابيين والجهاديين الإسلاميين الذين يعملون على زعزعة الأمن القومي الأمريكي ويشكلون تهديداً مباشرا للمصالح الأمريكية . تأسيس مجلس الحكم على أسس طائفية وقومية كان اللبنة الأولى التي وضعتها أمريكا في مسار انعدام أفق الدولة العراقية المزمع بنائها مجدداً، فقد عزز هذا المجلس كل مؤشرات الانقسام السياسي والاجتماعي في العراق. كما أن القوى التي أنضوت فيه كانت محملة بالمشاريع والبرامج وقد أعدت عدتها مسبقاً وفي مؤتمر لندن الذي سبق الحرب الأمريكية على العراق بوقت قصير لتفرض منطق المحاصصة والتقسيم العرقي والطائفي.
ثانياً، إن مراجعة متأنية لتصريحات أقطاب الإدارة الأمريكية حول الوضع في العراق تكشف عن غياب مشروع وبديل حقيقي وجدي يمكنه أن يكون بمستوى الدعاية والتضخيم الإعلامي الذي رافق الحرب الأمريكية على العراق، إذ ترك كل شيء لمنطق الفوضى الخلاقة الذي أشاعته الإدارة الأمريكية وخلق واقعاً دموياً مريراً زاد من حدة الخراب ،وتراجعت إزاءه كل التصورات والآمال والتوقعات وأصبح الأمن ووقف نزيف الدم والحملات الإرهابية والحرب الطائفية أهم بكثير من التفكير والتنظير لعملية إعادة بناء العراق كدولة معاصرة وحديثة. ثالثاً، إن القوى المشار اليها لم يكن يعنيها وجود دولة أو مجتمع متماسك قوي وقادر على ممارسة دوره في مسألة توجيه هذه الدولة والحد من سلطاتها كسلطة فوقية فكما أشرنا في موضع من هذا البحث، فإن قوى ما قبل الدولة تمكنت من العودة مجدداً ولكن بخبرات واسعة وإمكانيات كبيرة كلها تصب في صالح تحقيق مجتمعاتها الخاصة، طائفية وقومية وعشائرية، وبما يضعف من قدرات الدولة والمجتمع معاً ويعرضهما لمخاطر الانهيار. وفي نفس الوقت فإن مطالب هذه القوى وتصوراتها حول طبيعة وشكل نظام إدارة الدولة كشفت عن كم هائل من اللاتجانس وفقدان الثقة وكل ما يتم طرحه هو من أجل تعطيل سيرورة بناء الدولة العراقية مرة أخرى، تعطيل يعزز من إمكانات هذه القوى وسلطاتها وإمكاناتها في مواجهة الدولة.
قضايا المواطنة وحقوق الانسان والمساواة والعدالة والديمقراطية أصبحت من المفردات التي يتم تكرارها داخل أوساط واسعة من العراقيين ،خصوصا وإن الامال العريضة التي اعتملت في صدورهم بمجرد سقوط النظام البعثي وانهيار سلطاته ومؤسساته وأجهزته القمعية والبوليسية بدت لهم ليست بعيدة المنال. وفي نفس الوقت فإنهم بدأوا مسيرة البحث عن دول شبيهة أو مرت بمراحل سياسية وتاريخية، استبداد وقمع وحروب، كالتي مر بها العراق. لم تغب ألمانيا واليابان ولاحتى أمريكا عن مخيلتهم وهم يستحقون العيش في بلد يحفظ كرامتهم وحرياتهم دون قمع أو تعسف ويعيشون برفاه وحياة هانئة إذا ما تم أستغلال الثروات والأمكانات المالية الضخمة في البلد من أجل حياة ومعيشة أبنائه وأن يمتلكوا القدرة على المشاركة في رسم مصيرة ومستقبله. خصوصاً وإن هذه الدول قد قطعت مسافات شاسعة في مسار التقدم والتحضر وإحلال قيم الديمقراطية والتحرر والمواطنة والمساواة واحتلال مكانة متقدمة عالمياً على الصعيد الأقتصادي والعلمي وتمارس أدواراً مختلفة في قيادة العالم.
لم تغب حكاية دولة القانون و المؤسسات وتحولت إلى مفردات يومية تتردد بشكل متواصل كلما تحدث بها مسؤول حزبي أو رئيس حكومة وقيادي في أحد الأحزاب المشاركة في حكم العراق عن هذه الدولة وضرورة تعزيز سلطتها لأنها الضامنة لتحقيق الأمن والاستقرار وإن كل ما يحدث من عنف ودمار وصراعات دموية هو بسبب غياب هذه الدولة.
دولة المؤسسات والقانون التي يتم الحديث عنها والتي تحولت الى شعار في الحملات الانتخابية ، تتطابق مع توجهات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحزبه، أو أي رئيس وزاء آخر يحدد عوامل الضعف في سلطته ويريد أن يكون بوضع أقوى يمكنه من حيازة الشرعية السياسية والاجتماعية ،لأنه يجد فيها أداة مناسبة للتصدي لمنافسيه من القوى والأحزاب والمليشيات المتصارعة في العراق الذين يمارسون أدواراً مختلفة لأضعاف سلطاته وتهميش مكانته ولأنه يسعى إلى تكريس صورة الحاكم المتمسك بالقانون وبشرعية المؤسسات وقانونيتها وأهميتها في ترسيخ سلطة الدولة.
على الرغم من أهمية الأمن الذي تحقق نتيجة المواجهات المسلحة والحرب ضد المليشيات والعصابات الإجرامية، إلا أنه لا يعد المنجز الأهم في مسار دولة القانون والمؤسسات كما صوره رئيس الوزراء نوري المالكي وحزبه. إذ أن قضايا الفساد السياسي والإداري والمحاصصة الطائفية واحتكار الوظائف وامتيازات السلطة، كلها جعلت من دولة القانون والمؤسسات تواجه الفشل في تحقيق مشروعها. إن شعور المواطن بالأمن يدفعه نحو مزيد من التطلع لتحقيق متطلبات حياته في العمل والرفاه والحياة الإنسانية الكريمة. غير أن ذلك لم يتحقق وحياة أعداد كبيرة من العراقيين تواجه مصاعب كثيرة.
إن دولة المؤسسات والقانون التي يتم الحديث عنها ليست دولة المواطنة ولا هي الدولة الديمقراطية مطلقاً، على الرغم من مظاهر التعامل والممارسة الديمقراطية، خصوصاً في مسألة الانتخابات البرلمانية أو مجالس المحافظات وإن السعي لتصويرها كذلك إنما يتم من أجل فرض منطق وتصورات الأحزاب الحاكمة التي تريد إدامة سلطتها وصراعاتها وتأكيد قدرتها على تطبيق القانون وحماية العراقيين وتوفير أجواء السلم والامن. أصبح الدفاع عن دولة المؤسسات والقانون وسيلة لكسب الشرعية بالنسبة للأحزاب الحاكمة، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بتوفير الأمن وحماية أرواح المواطنين، غير أن هذه الدولة تقوم وفقاً لتصورات الأحزاب الحاكمة ومرجعياتها الطائفية والقومية ونظرتها إلى الدولة وقضايا الحقوق والحريات.
إن معظم الحكومات الاستبدادية في العالم وكل الحكومات التي تقوم على أسس قومية ودينية طائفية هي الأكثر تمسكاً بدولة القانون والمؤسسات والأشد دفاعاً عنها، فالقوانين التي تريد من الجميع الالتزام والتقيد بها هي القوانين التي تحمي سلطتها وتعزز إمكانياتها في التحكم بمصير البلاد و المواطنين وتحجيم قدراتهم وتغييب دورهم وحرمانهم من حق المشاركة في بناء الدولة والمجتمع المعاصر. ولعل إيران والسعودية والسودان والغالبية العظمى من الدول العربية هي أقرب الأمثلة لنا في هذا الشأن. هناك يمكن تلمس مدى الاستبداد والتعسف وانتهاك كرامة الأنسان بأسم القانون والمؤسسات. حكومات احتكرت حق تمثيل المواطن وحق التفكير عنه قسراً ودون ارادته. إن السجون والمحاكم وأجهزة القمع من جيش وشرطة وأجزة أمن ومخابرات هي المؤسسات التنفيذية لقوانين الحكومات في الدول التي نتحدث عنها وهي ذاتها المؤسسات التي تدافع الحكومات عن شرعيتها وتعتبرها علامة مميزة من علامات التقدم الحضاري .
لا تتحقق دولة المواطنة دون أن يكون المواطن عنصراً فاعلاً فيها وفي رسم مصيرها عبر مشاركته السياسية الفاعلة دون ضغوط واعتبارات للقيم والأعراف المتناقضة مع أسس دولة المواطنة. ولن يكون بهذه الفاعلية مالم يشعر أنه في مكانه الحقيقي الذي يفتح أمامه مجالات واسعة للتعبير والخلق والإبداع، عندها تتحول المواطنة إلى قاعدة أساسية في تعريف الدولة ومسار بنائها وركيزة أساسية لتماسكها وإشاعة قيم التعايش والسلم الاجتماعي . ومثلما لاتتحق المواطنة في الدول التي تقوم على أسس قومية ودينية، فإن الدولة المدنية الديمقراطية هي المكان الأسلم والأصلح لتعزيز وإشاعة قيم المواطنة. بل إن المواطنة ما وجدت إلا من أجل أن تكون أداة فاعلة في تعزيز قيم ووجود الدولة المدنية الديمقراطية.
هل يمكن إنجاز دولة المواطنة في العراق في المدى القريب أو في المستقبل؟ ربما تكون الإجابة عسيرة على سؤال كبير كهذا إذا ما تلمسنا عمق الصراعات وعمق مطامح القوى السياسية المتصارعة وارتفاع سقفها إلى درجة مثيرة للشكوك حول مصداقيتها وأدعاءاتها حول المشاركة والتمسك بكيان الدولة العراقية ووجودها وحدودها ومكانتها السياسية والتاريخية . وإذا ما تلمسنا أيضاً مخاطر أن هذه الصراعات تقوم أصلاً بين قوى دينية طائفية تسعى لتحقيق مشروع الدولة الإسلامية وإشاعة مظاهر أسلمة المجتمع قسراً بما يحمله هذا الأمر من تمييز وتعصب ومحاربة كل مظاهر الحداثة والمدنية والانفتاح الاجتماعي من جهة و،بين قوى قومية متعصبة تعمل على تعزيز التعصب والتمييز القومي الذي يشكل ركيزة من ركائز عملها ووجودها . لقد احتكرت هذه القوى، الطائفية والقومية، قرار تمثيل جزء كبير من المجموعات البشرية التي يتكون منها المجتمع العراقي لصالح توجهاتها ومن أجل تحقيق مصالحها الحزبية أولاً . إن قوى تعمل من أجل إقصاء بعضها البعض والانفراد بحكم البلاد ومقدراتها ستجعل من المواطنة خيالاً وتبطراً عبثياً في واقع مشوه.
اليوم وحينما تطالب هذه القوى بإعادة بناء الدولة العراقية فإننا نكون إزاء موقف شائك حقاً ويحمل الكثير من التساؤلات حول مصير ومستقبل العراق. فما تريده هذه القوى هو أن يتم بناء الدولة وفقاً لمعاييرها ومطالبها ومخاوفها التي تتناسب مع مراحل ما قبل تأسيس الدولة العراقية. إن الاصرار على مفاهيم لامركزية الدولة ونظام الأقاليم أو الفدراليات، على الرغم من نجاحه في الكثير من الدول المتحضرة في العالم ، إلا أنه بالنسبة للقوى السياسية في العراق وسيلة لتحقيق مكانتها ووجودها وإعلاء قيمها وهوياتها الثقافية في مواجهة حضور ومكانة الدولة. فكلما ضعفت الدولة تعززت مكانة هذه القوى وأصبحت لها القدرة على إدامة وجودها بشكل مستقل ووفقاً لنوازع وقيم قومية وطائفية شديدة التعصب.
حلم العيش والبقاء على قيد الحياة كان هاجساً لأعداد هائلة من العراقيين الذين سحقتهم قسوة الاستبداد والقمع المنفلت لسلطة دكتاتورية كان آخر ما تفكر فيه أن يكون للإنسان كرامة في ظل سلطتها. هذا الإنسان الذي حولته العقوبات الاقتصادية طوال 13 عام إلى شبح بفعل الجوع والفقر والأمراض وجاءت لتزيد من حجم معاناته وبؤس حياته . تحقق هذا الحلم والعيش بكرامة وحياة آمنة ومرفهة كان مقروناً بسقوط نظام إجرامي كنظام البعث، سقوطاً فتح جميع الأبواب أمام تنامي الآمال بتحقق كل ما يعتمل في النفوس . لم يكن حلم العيش بحرية وكرامة وحده الذي يعتمل في صدورالعراقيين، بل رافقته احلام كبيرة ايضاً. دولة مدنية متحضرة وحياة سياسية عقلانية خالية من العنف والانقلابات وسطوة الحزب الواحد وممارسة الحقوق السياسية للجميع دون تعسف أو إكراه وأن يتم النظر للعراقيين كمواطنين أحرار وأن تكون المواطنة القاسم المشترك بين الجميع.
لم تنهر أحلام العراقيين بعد كل ما جرى منذ سقوط نظام البعث وما عاشوه من آلام وإرهاب ومفخخات وأحزمة ناسفة تلاحقهم وتهدد حياتهم وحروب وتهجير وتصفيات طائفية وقومية أعادتهم وبقوة الى نقطة الصفر. ولكن الذي انهار وسقط هو الوهم الذي تلبس الجميع وفرض سطوته بقوة، وهم أن الخلاص من الدكتاتور وبطشه سيحقق الحرية والسلام والديمقراطية. فهذه كلها تهاوت حينما اصبح الإنسان وكرامته بلا معنى ووسيلة من أجل حيازة السلطة والتنافس عليها بين قوى متصارعة يزداد ابتعادها عن بعضها البعض بقدر ابتعادها عن كل ما يهم المجتمع وأنعدام أبسط السمات الأنسانية لممارستها السياسية.
الدفاع عن المواطنة،قيماً وثقافة، يتأتى من الشعور بالحاجة الملحة والمصيرية للمواطنة في بلد كالعراق، بلد تتزايد مصاعبه يوماً بعد آخر ويتواصل غرقه في مخلفات صراع الساسة والأحزاب. صراعات كهذه ستبعد البلاد وأهلها عن الأمن والاستقرار والحياة الكريمة . ولأن المواطنة تعني، وبكل بساطة، الارضية القوية لتحقيق التماسك الاجتماعي والإحساس بالمسؤولية المشتركة بين المجموعات البشرية التي يتكون منها المجتمع، وإن كل ذلك مرهون بارادة القوى السياسية والأجتماعية التي تعي أهمية المواطنة وضروة أن يشعر الأنسان أنه يعيش في بلد يعامله كمواطن كامل الأرادة .
١. “الأمم والنزعة القومية منذ 1780” أريك هوبسباوم، دار المدى (ترجمة عدنان حسن، مراجعة وتحرير . د . مجيد الراضي) الطبعة الأولى 1999 .ص .90 .