قصة قصيرة
ليلة مقمرة، لا أقل ولا أكثر. وأشجار سرو، كانت تؤرقني كلما تأملتها. كانت تحيط بساحة المدرسة وتبدو لي تافهة مكتوفة الأيدي، غير قادرة على تحريك أغصانها بحرية. وكنت أعتقد ألا نفع منها، لا بثمر ولا بظل، إلا بسهولة رسمها في كراريسنا.
أشجار سرو، تحوطني هذه الليلة ولكن ليس في ساحة المدرسة. تترنح ذات الشمال وذات اليمين، وكأنها تعاكس الريح. أما أنا فكنت بطيء النمو ونحيفاً مثلها وربما هذا ما جعلني أُكثر من تأملها وأنا لم أقطع سنواتي العشر بعد.
كنا ننام أربعتنا، أنا وأختي ندى ووالداي، منذ ليال خمس في كوخ يطقطق المطرعلى صفيحه فينزل على مسامعي كرمي حجارة من السماء. أبي قال إنهم يحيطون بحيفا وآمن لنا أن ننام في البيارات، إلى أن تهدأ الأمور ونعود إلى بيتنا في وداي النسناس.
كنت أحب النوم في أحضان والدي وعندما أحس بشهيقه وزفيره أشعر أن كل شيء سيكون على ما يرام. لم يحدثنا أبي كثيراً عما يحدث قال إننا سنذهب إلى بيارة أحد الأصدقاء ونعود حالما تهدأ الأمور. لكن هذا الهدوء عكره في ليلتي السادسة ما كنت أخشاه طوال الوقت.
نهضت من نومي واكتشف المصيبة التي وقعت. تسللت من فراشي المبلل وخرجت مرعوباً، خوفاً من أن تفيق والدتي وتبدأ بتقريعي ولا أدري عندها ما يمكنني أن أفعل. إعتقدت أن ذلك السرو العملاق، الذي إزداد حجمه حجماً في ليل الخوف والبيارات وكان يتحرك بكل الإتجاهات، سيسقط كالمطرقة فوق كوخنا ويهدمه على رؤوسنا.
- ماذا بك؟
أفزعني سؤال أبي وكان يقف بجانبي ببنطاله المبلل. وخجلت منه لأنني بللت بنطاله وهو نائم بجانبي.
- سينكسر هذا السرو ويسقط فوق الكوخ ويقتلنا... أريد أن أعود إلى وادي النسناس.
ضحك أبي وجلس إلى جانبي يتأمل السرو.
- أتعرف يا إميل أن السرو ينام بالنهار ويفيق بالليل ليحرس البيارات ومن فيها. وهو يتحرك بهذا الشكل كي يخيف الأعداء القادمين من بعيد إلينا.
- صحيح!
- نعم حبيبي لا داعي للخوف يمكنك الآن النوم بهدوء فلن يسقط السرو فوق رؤوسنا...
في الليلة السابعة أصرت أمي على أن أنام على مرتبتي وفرشت تحتي غطاء من النايلون تحسباً لتبولي بفراشي. ولم يكن أمامي غير الخضوع لإصرارها.
فقت في الليل لسماعي خرخشة في الخارج. تحسست بنطالي فكان ناشفاً وشعرت بارتياح شديد. خرجت من الكوخ وكان أبي مقرفصاً أمام الكوخ يجهش.
- لن نتمكن من العودة إلى حيفا الآن. سقطت حيفا...
قالها بصوت مخنوق وأمي تقف بجانبه شديدة الشحوب تبكي بصمت. السرو خلفها لا يتحرك كالعسكر المهزوم وكأن الريح قد ماتت فلا شيء يدفع الأشجار ويحركها لا ذات الشمال ولا ذات اليمين، ورأيت السماء كلها قد سقطت فوق رؤوسنا. وأصبحوا يسمون ذلك اليوم بيوم النكبة.