إنك لا تجني من الشوك العنب والدولة المستبدة لا تنجب الحرية، إنما الحرية تولد من رحم الأحرار. وهل يمكن لدولة تعتقل أكثر من ١٪ من مجمل مواطنيها وتغيبهم وراء ضوء الشمس في سجون الرأي ومصادرة الحرية وتنكل بهم لتجعلهم عبرة لمن يعشق الحرية ويسعى لها أن تتغنى بالحرية أو حتى ترسم رسماً كروكياً لها؟ هل يمكن لنظام كهذا أن يهب للناس حريتهم التي كفلها الله لهم؟ وهل يمكن لدولة كهذه أن تسير بشعبها على صراط العدالة والعيش المشترك؟ لا أظن ذلك.
إن كنا نفهم ذلك بالسليقة، فعلينا أن نفهم أن كل قانون يستصدره الاستبداد إنما يسير ضمن الهدف الأوحد وهو بقاء التسلط ودوام الدكتاتورية، ويهدف لأن يغيب الوعي لدى المواطن ولأن تموت الرغبة لديه في الديمقراطية والحياة الكريمة. وعلينا أن نفهم أنه لو ولدت في مثل هذه الأجواء هيئات أو جمعيات تماماً كتلك التي نراها لدى الشعوب المتمدنة المتحضرة، فهي لا تهدف إلى محاكاة تلك الشعوب في مضامين ما تعيشه من قيم ديمقراطية وتعايش مشترك، فما هي إلا أسلوب جديد من أساليب الضحك على الذقون لبقاء التسلط عن طريق مخدرات إرضاء الشعوب بشيء من شكليات الحرية.
ففي الوقت الذي تصادر فيه الحريات على المكشوف وتلعب فيه الصحافة لعبة الحكاواتي ضد المتظاهرين المطالبين بالحرية في المنطقة الشرقية والغربية، يجتمع عدد من كبار الصحافة وأرباب الإعلام في جزيرة العرب تحت مظلة ما يسمى هيئة الصحفيين السعوديين بحثاً لهم عن رئيس ينتخبونه! وعن دور يلعبونه على أنفسهم قبل أن يصدقه عامة الناس. ألا تعجب معي أيها القارئ لنقابة بلا نقباء! ألم يكن الأجدر بالمجتمعين أن يعلنوا حدادهم على صلب الحرية طيلة العقود الماضية؟ حيث لم يكن لهم يوماً لسان كباقي البشر!
عذراً يا مشايخ الصحف والمجلات، لقد أنجبت لكم وزارة الإعلام هيئة على شكل تابوت خشبي. فما تكونون وأنتم بداخله؟ تتناقشون حول تسمية الهيئة وتحاولون الزحف باسمها إلى اتحاد للصحفيين خجلين من أن تسموها تسمية الدول الحية وشبه الحية بـ "نقابة صحافيين" خوفاً من أن تجرحوا مشاعر أصحاب المعالي والسمو إذ لا نقابة إلا نقابتهم ولا رأي إلا ما رأوا! فما فائدة هذا التجمع إذا كان تجمعاً زاحفاً زحفاً جيولوجياً نحو الحرية بدلاً من أن يكون سائراً إليها بخطىً ثابتة راسخة مطمئنة؟
وإذا كنتم رجال صحافة ولم تتحدثوا عن حرية الآخرين وعن حقهم في الكلمة، ولم تعتصموا يوماً للمناداة باسم كل الصادقين الذين صدحوا من أجل الحرية، ولم تطالبوا بلسان طلق غير ذي علق بأبسط الحقوق، فهذا يعني أن تجمعكم هذا خارج خريطة الحرية وبعيداً عن مضامينها، ولا علاقة لكم بأي تجمع يتعلق بالصحافة إلا في الشكل فقط. عذراً لكم أيها السادة، فكل الأحرار قد واراهم الاستبداد في مقابر الأحياء، فعن أي هيئة تتحدثون؟