محاولات ضرب العمال ”كلاكيت تانى مرة“، فقد كانت المرة الأولى عقب تنحي مبارك مباشرة، حيث وجدنا بعض القوى السياسية، وفي المقدمة منها الإخوان المسلمون يقودون حملة إعلامية ضد العمال وإضراباتهم، متهمينهم بتعطيل الإنتاج، وبمحاولة ركوب الثورة التي لم يشاركوا فيها، ووصموا مطالبهم بالفئوية، ثم يأتي المجلس العسكري بعدها مباشرة ويصدر قانون تجريم الاعتصام والإضراب، بالإضافة إلى الاعتداء المباشر على العمال المضربين سواء من قبل الشرطة العسكرية أو الشرطة العادية، هذا بخلاف البلطجية الذين يستأجرهم أصحاب الأعمال للاعتداء على العمال المضربين والمعتصمين بأماكن عملهم خصوصاً فى المناطق الصناعية مثل السادات والعين السخنة بالسويس، والعاشر من رمضان.
ولكن ما فشلوا فيه جميعاً هو وقف الإضرابات والاعتصامات العمالية حتى الآن. والآن تخرج علينا نفس الأبواق للتحدث عن أن العمال والمعتصمين حول قصر الرئاسة وفي الأماكن المختلفة هم مأجورون من قبل النظام السابق، وذلك لإسقاط الرئيس محمد مرسي، وإظهاره فى صورة العاجز عن تحقيق مطالب الشعب. ويقود هذه الحملة أيضا قيادات الإخوان، كما أن الكثير من البرامج التلفزيونية الشغل الشاغل لها الحديث عن ضرورة الصبر، وترك «الرئيس يشوف شغله».
تعالوا معاً نفند كل ما قيل، ونرى إلى أي مدى أن هذه أقوال مغلوطة، وأن الهدف منها إيقاف استمرار الثورة، والتى تعتبر اعتصامات وإضرابات العمال أحد أهم مظاهر استمرارها، من أجل استحقاقات اجتماعية واقتصادية، وليست فئوية كما يحلو لكل وسائل الإعلام أن تسمها، وأن هذه الاستحقاقات لن يتم تحقيقها سوى بعد أن تتغير سياسة الدولة المنحازة لأصحاب الأعمال ضد العمال، وبعد أن تصبح مصر دولة ديمقراطية، بما تعنيه من اختيار الشعب المصري لمن يحكمه، وتنظيم نفسه سواء فى أحزاب أو نقابات أو روابط أو لجان شعبية.
●●●
وفيما يلي الرد على كل الافتراءات على العمال والحركة العمالية، والحركة الاحتجاجية بشكل عام:
1- بالنسبة للحديث عن كون المعتصمين أمام القصر الجمهوري مأجورين من النظام السابق، تعالوا نرى من هم المعتصمون أمام القصر الجمهوري أو حتى في أماكن عملهم فى الأيام الماضية: عمال سيراميكا كليوباترا، عمال شركة بيريللى للإطارات، العاطلون عن العمل، المحالون على المعاش المبكر بشركة الأسمنت، عمال الشركة العالمية للنترات، العمال المؤقتون بجامعة طنطا، العمال المطرودون من عملهم بشركة النظافة بطنطا، أوائل الخريجين بكلية الشريعة والقانون، الشركة التركية للغزل والنسيج.
تعالوا نرى أياً منهم ينطبق عليه لفظ مأجور، فمثلاً عمال سيراميكا كليوباترا، والذين رأيناهم طوال العام والنصف بعد الثورة، وهم يضربون ويعتصمون من أجل حقوقهم، حتى يجبرون أبو العينين رجل النظام السابق، وأحد المتهمين فى موقعة الجمل، على الجلوس على مائدة المفاوضات ويوقع على اتفاقية عمل جماعية تصبح بمثابة قانون، ثم يخرج من المفاوضة ليرفض تنفيذها، فيضطر العمال مرة أخرى لمعاودة الكرة بالإضراب أو الاعتصام. وبعد أن أمعن أبو العينين في التعسف والبلطجة بفصل قيادات العمال ومن ضمنهم نقابيون، وامتنع عن دفع مرتبات العمال، لجأوا للرئيس بعد أن خذلتهم كل الأجهزة الحكومية بداية من وزير العمل إلى رئيس مجلس الوزراء، فكيف نطلق عليهم أنهم مأجورون؟ ولماذا لا ننتصر لحقوقهم، ونتخذ مواقف حاسمة تجاه أصحاب الأعمال الذين يضربون بالقانون عرض الحائط؟ تعالوا لنرى مثالاً آخر، وهم عمال شركة بيرللى بالإسكندرية الذين أضربوا بشركتهم لأكثر من شهر بعدما أرسلوا لكل المسؤولين مطالبين بتنفيذ اتفاقية العمل الجماعية التي وقعتها إدارة الشركة مع العمال في حضور وزارة القوى العاملة، وقام العمال قبلها بإخطار كل الجهات بالإضراب، كما ينص القانون، ولم يحرك أحد ساكناً ثم تأتى الشركة، وإمعاناً فى التعسف تقوم بفصل قيادات الإضراب، ومنهم نقابيون، وتمتنع عن صرف مرتبات العمال، بل وتهدد الإدارة الايطالية بإغلاق المصنع فى مصر، فلديها أكثر من 25 فرعاً فى دول العالم. معنى هذا أننا إما أن نخضع ونكون عبيداً لدى إدارة الشركة ولا نطالب بأي حقوق، أو تهددنا الإدارة بأنها سوف تغلق الشركة. أي حكومة لها سيادة على أراضيها الوطنية يمكن أن تقبل هذا؟ وعندما يستنفد العمال كل وسائل الضغط في الإسكندرية، ويلجأون للرئيس فأى جريمة في هذا؟
2 ــ الكلام عن الصبر: كيف أطلب من عمال مفصولين، أو محرومين من رواتبهم أن يصبروا، ومن أين يطعمون أبناءهم، ولماذا لا أنتصر لهم ولحقوقهم في الحال؟ لماذا العمال والفلاحون والفقراء هم من نطالبهم بالصبر فى حين أننا نحقق لضباط الشرطة الذين قتلوا الثوار مطالبهم بمجرد وقفة واحدة فى زيادة رواتبهم 100% في العام الماضي، وأفراد الجيش وضباط الجيش الذين تضاعفت رواتبهم خلال العام والنصف السابق، وآخرها بعد أحداث العباسية، وكأن المجلس العسكري كان يكافئهم فى كل مرة ينفذون فيها الأوامر بالقتل والسحل ضد الثوار في الميادين، ثم يأتي الرئيس مرسي، لكى يسترضيهم وبعد كل هذه الزيادات يزيد رواتبهم بنفس النسبة التى زاد بها العمال والموظفين.
3- الحديث عن كون الرئيس والحكومة ”هتجيب منين علشان تنفذ لكم مطالبكم“، أولاً ليس مطلوباً من الحكومة أن تدفع من ميزانيتها أي اموال لعمال القطاع الخاص. كل المطلوب منها كأي حكومة رأسمالية أن تطبق القانون المصري (الظالم للعمال والذي لا بد من تغييره)، وأن تتخذ تجاه أصحاب المصانع والشركات الذين يخالفونه الإجراءات الواجبة، ولا تخضع لضغوطهم تحت حجج مثل تشجيع الاستثمار أو تهديدهم بإغلاق المصانع وتشريد العمال، فهم يكسبون من استثماراتهم فى مصر، ولابد أن يلتزموا بكل حقوق العمال من أجور، وأرباح وبدلات للمخاطر وغيرها.
كذلك فيما يخص احتجاج أوائل الخريجين ضد الفساد في اختيار أبناء المستشارين في وظائف النيابة الإدارية. فماذا يكلف هذا موازنة الدولة؟ ألم تقم الثورة ضد الفساد والتوريث؟ إن مثل هؤلاء ممن يطالبون بالوقوف ضد الفساد علينا أن نشكرهم، لا أن نتهمهم بالعمالة.
4- تتحدثون عن الموازنة ومن أين تأتي الحكومة والرئيس، هل تعلمون أن الزيادة 15% (في الوقت الذي كان ينتظر فيه العمال والموظفون منظومة أجور عادلة) تعني في المتوسط زيادة حوالى 50 جنيهاً على أجور موظفي الحكومة شهرياً، هذا في الوقت الذي ما زال يتقاضى فيه الوزراء والمستشارون، وقيادات المجلس العسكرى ملايين الجنيهات شهرياً. وما زال رجال الأعمال يتهربون من الضرائب في حين تقومون بخصمها من أجور صغار الموظفين قبل أن يقبضوها، وترفضون تنفيذ سياسات الضرائب التصاعدية، وما زال من يتلاعبون باقتصاد البلاد بالبورصة لم نفرض عليهم أي ضرائب، ومازلنا نترك من يتصرفون في ثروات البلاد كأنها ملك خاص لهم.
إنكم تعرفون من أين تأتون بما يحقق مطالبنا، لكنكم مازلتم تتبنون نفس السياسات التي انتهجها حسني مبارك ونظامه، وما زلتم تنحازون للبيروقراطية التي مازالت تحكم وتتحكم في اقتصاد البلاد بل وسياستها، مازلتم تنحازون لأصحاب الأعمال الذين يعملون على استغلال بل استعباد العمال.
5- وفيما يخص الحديث عن عدم مشاركة العمال في الثورة، فهذه كذبة كبرى. من هم الملايين الذين اعتصموا فى المدن الصناعية مثل المحلة والسويس والإسكندرية إذا قلنا إن العمال لم يشاركوا؟ ألم يكن لدخول العمال بمئات الإضرابات في اليوم الواحد في شتى مدن الجمهورية في الثلاثة أيام الأخيرة قبل تنحي مبارك تهديد نظام الحكم نفسه، مما أجبر المجلس العسكري للتضحية بحسني مبارك وإجباره على التنحي.
وأخيرا أقول للرئيس ولقيادات الإخوان، لقد مارستم سياسة معاداة الثورة سابقاً عبر الامتناع عن المشاركة في الاعتصامات التي كانت تطالب باستكمال الثورة، وبمحاسبة قتلة الثوار عندما تصورتم أن هذا القدر من التغيير كافٍ طالما أنه سيأتي بكم إلى المجالس التشريعية وإلى كراسي الحكم، كما أعلنتم عداءكم الواضح للطبقة العاملة ولإضراباتها، ولكنكم عدتم للاعتصامات عندما كشر المجلس العسكري عن أنيابه وأراكم أنه يستطيع تجريدكم من كل شيء خصوصاً بعد أن ضعفت شعبيتكم بسبب أدائكم في مجلس الشعب، عدتم تحاولون الإلتحام بالجماهير والقوى السياسية، وتعتذرون عما ارتكبتموه من أخطاء، وتستخدمون الاعتصامات سلاحاً وحيداً حتى من أجل عدم التزوير ضدكم في انتخابات الرئاسة، ثم الآن تعودون لمعاداة الجماهير والعمال عندما أصبحتم في كراسي الحكم. ونقول لكم سنكمل ثورتنا، وسنظل نضرب ونعتصم حتى نأخذ كل حقوقنا ومطالبنا. فلا تنتظروا منا التراجع حتى لو كلفنا ذلك حياتنا نفسها، فليس لدينا طريق آخر. أما أنتم فمن مصلحتكم أن تعملوا على تنفيذ مطالب فقراء الشعب المصري، فالضغط بالجماهير سلاحكم الوحيد، فإن عملتم ضد مصالح هذه الجماهير، فماذا يتبقى لكم؟
[عن جريدة "الشروق" المصرية]