بدلاً من أن تشتري عروساً لتلهو بها، كعادة الفتيات الصغيرات في كلّ أصقاع الأرض، تتحوّل هي إلى واحدة. بدلاً من أن تحلم بأميرٍ وتنتظر قبلةً تمنحها الحياة، تقتصّ منها شفتان غلاظ ورجولةٌ حمقاء.في كلّ مرّة تموت فيها الضحية يلتفت العالم التفاتة بسيطة لما يحدث هناك. شجبٌ واستنكارٌ ثم نسيان، لتتكرر بعدها الحادثة مع تغيير بسيط باسم العروس/الجثّة.
لم يتوقف زواج القاصرات في اليمن رغم كلّ الجهود التّي تبذلها بعض المنظمات المدنية، ولم تستطع التشريعات والقوانين أن تتسع لتشمل في دائرة تطبيقها مناطق نائية وعشائر وقبائل ما يزال مثل هذا الزواج يلقى رواجاً فيها. ولم تستطع ضغوط بعض الفتيات والنساء المتعلمات من خرق عقول متحجرة ترى في تحديد سن زواج الأنثى خطراً داهماً يستلزم مظاهرة مليونية قد لا تحشدها أخرى تطالب برغيف خبز وحلّ للفساد.
إلهام مهدي (13 عاما) آخر عرائس الموت التي كشف عنها الإعلام، توفيت بعد زواجها بثلاثة أيام جرّاء إصابتها بنزف حاد ناجمٍ عن تمزّق كامل أعضائها التناسليّة. رفض زوج إلهام الاعتراف بجريمته، معتبراً أنّ الطفلة كانت تعاني من إعياءٍ ومرضٍ قبل زواجهما. وهي تزوجت ضمن ما يُعرف بزواج البدل، الرائج في اليمن، حيث لا تملك الفتاة خيار البتّ في مصيرها وتتحوّل إلى فريسة سهلة لضغوط أب جاهل وأم عاجزة عن حماية ابنتها من وحش فتاك. في زواج البدل لا حاجة إلى مهرٍ أو دفع أموال. مقايضةٌ سريعة تبقي مصير جميع الأطراف مترابطاً، وتحفظ الثروة والميراث، إن وجدا. هو نوعٍ من التبادل بين العائلات، شاب العائلة يتزوّج فتاة عائلة أخرى، فتزوج اخته من أخ الاولى.
ليس الفقر وحده ما يدفع العائلات اليمنية للإقدام على تزويج فتيات يكن أحياناً دون الثالثة عشرة، من رجال تتفاوت أعمارهم لتبلغ حدّ الشيخوخة. فزواج القاصرات تشرّعه أيضا عادات وتقاليد وطريقة تفكير لم تدرك بعد أنّ الأنثى ليست متاعًا يُمتلك ويُساوم عليه. تعمي مؤسسات الدولة وكل حكومة عيونها كي لا ترى النتائج المأساوية، ويقبل به تفكير موروث من عقائد دفعت بعض رجال الدين للتهديد بحشود بشرية هائلة إذا ما أقرّ قانون يحدّد سنّ زواج الفتيات ويقاصص من يخالفه.
في اليمن، يقرّر الأهل تزويج فتياتهن طلباً للعفة وخوفاً من قصص تغذيها خيالات الناس. أو سعيًا وراء وجاهة، أو ارتباطاً بمركز عشائري أو حكومي، أو لقاء مبلغ من المال. لا يُنظر الى أجسادهن النحيلة لا يُسأل إن كانت قادرةً على حمل الأطفال وتحمّل آلام الوضع والأمومة.
" الطفلة نجود، عمري عشر سنوات ومطلقة" . نجود هي من أهم نساء العالم لعام 2011. قصّتها أطلقت شرارة العمل التوعوي تجاه ظاهرة زواج القاصرات في اليمن. زوِّجت من رجل يكبرها بثلاثة أضعاف. لم تتحمل عذاب أم زوجها النهاري ولا عذاب زوجها الليلي فهربت من قريتها النائية إلى العاصمة صنعاء، ليسمع بقصّتها محام عمل جاهدًا لنشر قضيتها وإيصالها للرأي العام.
أحدثت قضيتها نوعاً من التحوّل في ظاهرة زواج القاصرات، كقضيةٍ كبرى في دولةٍ يتم تزويج أكثر من نصف فتياتها قبل أن يبلغن السن القانوني المعترف به عالمياً. الطفلة نجود تروي قصّتها في كتابٍ يرى في تحديد سن الزواج في اليمن خطوة أولى على طريق الألف ميل.
اليمن على شفير كارثة اجتماعية يقودها 10 ملايين جائع، والفقر (والتخلّف) يجعل من زواج الصغيرات إزاحة لعبء اقتصادي. ثم أن الامر مطابق لتقاليد وعادات وأفكار دينية. ثلاثة بواحد! من يقول أفضل!!
ليس اليمن الدولة العربية الوحيدة التّي تنتشر فيها مثل هذه الظاهرة، لكنّ ضحاياها غالبًا ما تقع هناك. السعودية أيضًا ومصر دولٌ يشجّع فيها على تزويج الفتيات باكرًا لأسباب غالبًا ما تتعلّق بعاداتٍ وتقاليد وأواصر اجتماعية.
في بنغلادش أقرّت الدولة راتبًا شهريًا للآباء للحد من ظاهرة زواج القاصرات الذي يعد الأب فيه ركنًا أساسيًا في تدبيره وإتمامه. فهل يكون مثل هذا القانون حلاً للحدّ من آفة تزويج القاصرات في اليمن؟
[نشر هذا المقال بالإتفاق مع ملحق "السفير العربي“ الصادر عن صحيفة ”السفير“ اللبنانية.]