تحت ضوء عمدان الإنارة البرتقالي، امتلأ الميدان بالهتافات. هتافاتٍ متفرقة على كل ناصية؛ كان الشهر السادس من العام 2012، في الفترة بين الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية، وكانت الثورة في حالة ارتعاشٍ. بينما لعبت السياسة لعبتها وراء الأبواب المغلقة.
كان الميدان ممتلئاً بعددٍ كبير من المتظاهرين، ولكنه خلا من أي روحٍ كانت؛ جاء الإخوان المسلمون يهتفون لمرشحهم محمد مرسي وضد المرشح الآخر، أحمد شفيق، والسلفيون عموماً ظهروا محتارين بعد قرار استبعاد مرشحهم الذي بذلوا دماءهم في مساندته، لكنهم كانوا يميلون أكثر إلى جانب الإخوان. أما الثوريين فقد حملوا حمدين صباحي (الذي حل في المركز الثالث بعد مرسي وشفيق في الجولة الأولى) على الأكتاف وطافوا به في الميدان وتصنّع جميعهم احساس امتلاك رمزٍ قائدٍ يوحِّد صفوفنا.
تشارك ميدان التحرير ظمأ الثوار لقيادةٍ مُوحِّدة، مع ظمأ الإخوان وطمعهم في تاجٍ من ورق يلوِّح به المجلس العسكري للمتبارين. من وسط الزحام، ظهر الصغير بوجهٍ باسمٍ مألوف، مد يده وصافحني مصافحة الألتراس، فعرفت مصدر الألفة. لكنه لم يزل يلمح نسياني اسمه، فقال:
"مش فاكر؟ إحنا الاتنين نعرف أسامة." ابتسمت محرجاً: "آه طبعاً فاكر! رابط رأسك ليه؟ دخلت عركة ولا إيه؟"ردّ بمرارة: "ليلة البارحة، كنا بنهتف ضد الإخوان، قاموا اتجمعوا وهاجمونا وضربوني أنا وإثنين من أصحابي."همهمت بمرارةٍ موازية: "عمرهم ماهيتغيروا ... هيفضلوا نفس الأصل الوسخ، هاه؟" لكنه أطبق قبضة يده وردّ حاسماً: "يلا، أنا والعيال هنجيب شماريخ (صواريخ نارية) بكره وهنعرّفهم."
بعد دقيقةٍ أو اثنتين، تذكرت أني فعلاً أعرفه وقد قابلته من قبل ... أكيد كانت تلك المرة، آخر مرةٍ قابلت فيها أسامة؛ كانت بالصدفة كالعادة في ميدان التحرير، قبل ما يزيد عن الشهر، في أوائل مايو، كان ذاك الصغير مع أسامة، وغنينا معاً أغاني الألتراس، ورقصنا لنغمها من مكبرات الصوت الكبيرة على منصة الألتراس في التحرير. كان أسامة يقضي ليلهُ في ذاك الوقت مع شباب الألتراس في حماية تلك المنصة الوحيدة من سيطرة السلفيين عليها، وحفظها لتكون منصةً لجميع القوى الثورية التي يحاول السلفيون إقصائها.
***
لم أتمكن من تذكر تلك الليلة دون تذكر ما لحقها بليالٍ معدودة؛ أحداث العباسية من صداماتٍ مع الجيش وبلطجيته. في واحدة من ليالي ذاك الصدام الدامية، كنت قد قضيت ليلتي في الكتابة، و لم أدر أي موقف اتخذ شخصياً من تلك المعركة بالذات؛ فالظروف كانت محيّرة، ومعظم جموع المتظاهرين كانوا سلفيين ممن لم يظهروا سوى مرتين أو ثلاث خلال العام والنصف الماضي، وكان كل ظهورهم في أيام جُمعٍ (أيام التظاهرات الحاشدة عادةً) للسيطرة على الميدان واستقصاء كل غيرٍ، في استعراضٍ للعضلات لايدوم إلا لساعات الظهيرة القليلة، قبل اضطرارهم للرجوع لقراهم قبل الغروب. وعموماً لم يكن السلفيون حشداً معتاداً في الصفوف الأولى من القتال في معاركنا المتكررة مع الأمن المركزي وقوات الجيش.
ومرةً واحدة ذات صباح استيقظ السلفيون خلال اعتصامهم بالتحرير (اعتراضاً على قرار استبعاد مرشحهم حازم أبو اسماعيل) وقد واتتهم الشجاعة وقرروا التحرك واقتحام وزارة الدفاع في العباسية ... مرة واحدة هكذا!
العباسية بشوارعها الضيقة المستقيمة وقلة مخارجها وعدم موالاة سكانها للثورة في المعتاد هي فخ حقيقي لأي متظاهر. كانت لنا تجربة في العباسية من عامٍ مضى؛ حيث حوصرت إحدى المسيرات لساعاتٍ خلال توجهها للتظاهر أمام وزارة الدفاع، وهوجم المتظاهرون من جميع النواحي وأسطح العمارات، حوصروا من البلطجية من ناحية، ومن الناحية الأخرى من عساكر الجيش الذين وقفوا وراء ساتر الأسلاك الشائكة المنصوب خصيصاً لاعتراض التظاهرة. ورفضوا السماح للمتظاهرين بالمرور والهرب، وشاهدوا دماء المتظاهرين تسيل بأيدي البلطجية بدمٍ ساقع ... مما جعل إمام جامع العباسية يصرخ في الميكروفون باكياً ومستنجياً من الله حقن دماء المصريين. في تلك المسيرة من عامٍ مضى جُرح الكثيرون وقُتل شابٌ بضربة حجرٍ مباشرة في الرأس. سالت دماءٌ أكّد بها الجيش دون جدال حُرمة محيط وزارة الدفاع.
مر عام على تلك المسيرة، وفجأةً قرر السلفيون التوجه بمثل نيةٍ للعباسية هذه المرة دون اعتبارٍ للدرس من العام الماضي. وجد السلفيون أنفسهم بين نارين: عساكر جيش كانوا قد استساغوا دم الثوار مرات عدة من قبل، وبلطجيةٌ أطلق الجيش أيديهم عبثاً. كنت أعلم في قرارة نفسي أن: "شباب الألتراس أكيد هناك ... عمرهم ما يفوّتوا أي ضرب في عساكر الحكومة."
أمضيت تلك الليلة وأنا أختلس نظرةً وأخرى على استحياءٍ على "الفيسبوك" بحثاً عن الأخبار بين حين وآخر. وفي إحدى تلك المرات رأيت أن رامي عصام قد نشر للتو صورة لأحدهم...مستلقٍياً على نقالة مستشفى حديدية ساقعة بيضاء، ورأسه مستقرٌ على هالاتٍ متشابكة من الدم المُلغْوَط ... وعينان ربع مفتوحتين باستراحة. تأملت في الوجه لأتأكد ... وإذا به هو ... أسامة. "أسامه مات شهيد." ... هكذا علّق رامي عصام على الصورة، وهكذا وصلني الخبر.
***
عدت من حرشة ذكرياتي، وحدّقت في وجه الصغير، وقلت له عازماً: "أنا ناوي أكتب عن أسامة. دا اللي أقدر أعمله ... وهأعمله لروحه." واعترفت للصغير بقلة معرفتي بأسامة وانحصارها حول ميدان التحرير؛ فلم أعرف لا اسمه الأخير ولا أين سكناه ولا أي شئٍ عن حياته خارج الميدان.
وبتكراري ذكر أسامة، أرسل الصغير عيناه في رحاب المدى الواسع للميدان وأردف بعد حين: "أسامة كان ساكن في حلوان، في نفس منطقتي. كنا بناخد المترو دايماً مع بعض من التحرير." أنهى الصغير كلماته على مهل ثم أشار لي على أبي أسامة وأمه وأخته ... مفترشين ناصية الرصيف نفسها التي قابلت أسامة عندها مراراً، متحامين بظل الميدان الذي لا يطوله نور أعمدة الإنارة.حييت أخته، وأحرجَت عينيّ الدامعتين بابتسامتها المتماسكة، ثم حييت أباه بجلبابه المتواضع وأمه بخمارها البسيط اللذين بديا كأبوين ليس لهما في هذه الدُنا الوسيعة سوى فلذة أكبادهما.
"كنت لسه شاري له مكنة (موتوسيكل) ومنعته حبيبي يركبها قبل ما أرخّصها من المرور؛ علشان مايضايقهوش أي عسكري مرور من غير لازمة،" قالها الأب في حزن، "وتعرف؟ حتى لما راح ابني أسامة، كمّلت في الإجراءات وخلّصتها من اسبوع. ومركونة هيا دلوقتي تحت البيت مش عارف أعمل بيها إيه ... مش عارف أعمل إيه..."
***
قضيت دقائق أستمع لكلمات أبو أسامة بينما تكاثفت عليّ الذكريات؛ أخذتني إلى لميع تلك الرصاصة الذهبية الرفيعة، في ليلةٍ باردة في مارس الماضي، أخرجها صديقي "الماجيك" (ألتراس وايت نايتس) من جيبه وأخذ يحدق في بريق ذهبها الداكن، وهو يدوّرها بين اصبعيه.
قلت متسائلاً: "لقيتها فين دي؟" فرد: "لقيتها جنب سور المتحف المصري، أكيد وقعت من واحد من عساكر الجيش في واحدة من المرات اللي طاردونا فيها." ثم عاد "الماجيك" بنظره للرصاصة الأنيقة، وساءل نفسه بصوتٍ عال: "بقى هي دي اللي قتلت صاحبي محمود؟ البتاعة الصغيره دي؟"
أسكتني تساؤله في حينها، وبعث بنظري هارباً بعيداً في مدى الميدان، ولازال ظل بريق تلك الرصاصة بين إصبعيه يقبع في ركن عيني. لكني لم اتصور في ذلك الوقت أن شهوراً ستمضي وسأجد نفسي واقعاً في ذات التساؤل؛ "بقى هي دي اللي قتلت صاحبي أسامة؟ البتاعة الصغيرة دي؟"
ولِم الحياة إذاً؟ ولِم الثورة إذاً؟ إن لم يكن للواحد منا الكمال حتى في الثورة، ومهما كان منه للثورة، فسينتهي في لحظةٍ من اللحظات، وسيُطلب من الجميع تقبّل تكملة القصة دون التوقف كثيراً عند دوره المنتهي... لولم يكن في ثورتنا ثورةً أيضاً على الزمن وفِعل الوقت، فما فرق الثورة إذاً عن عاديّ الحياة؟
***
كانت أقصى متع أسامة وأصدقائه من الألتراس تبادل القصص والحكاوي التي كانت في أجزاءٍ منها سهواً في المبالغة أو الأسطورة. لا يتحاكون أبداً عن الأهل أو الدراسة أو أي معاشٍ خارج ميدان التحرير بالعموم. يناولون بعضهم البعض قصصهم من الثورة، على صفوفها الأولى، ومن أيامها الأولى على بوابات تأمين حدود الميدان مثلاً. يناولون بعضهم قضماً من نفسهم التي لا حياة لها إلا في تلك القصص ولا مكان لحكيها دون ميدان التحرير.
والثورة بالنسبة لهم قد بدأت بالفعل منذ خمس سنين (منذ إنشاء مجموعات الألتراس) في منازلاتهم لعساكر الأمن المركزي الذين احتقروا ملاعب الكرة ومشجعيها لدرجة دخول الأمن الملاعب بالخيّالة وتدنيسهم لأعلام الألتراس. يعتبر الألتراس مدرجات الكرة مملكتهم، وفيها بدأت ثورتهم ضد اضطهاد الأمن المركزي (الداخليه) ومنها تنتهي ثورتهم تلك في ثورة التحرير، في جنبات الميدان المتفرقة ... حيث كل نهايةٍ هي بعثٌ من جديد.
بينهم وبين الله يحفظون خطاً رفيعاً، لا أكثر ولا أقل. وعند كل واحدٍ منهم وجه صديق قد قضى واستشهد بين أذرعه أو فداء له. في مذبحة الألتراس في بورسعيد في فبراير الماضي، والتي نجا منها صديقي معتز(ألتراس أهلاوي)؛ كان الزحف فوق أكوامٍ من جثث أصدقائه ووجوههم الدامية هو طريق خلاصه الوحيد ونفاذه من مخرج الاستاد المشؤوم. "صاحبي اللي استشهد، الله يرحمه،" هي جملةُ لا اعتراضية يمرون بها كثيراً في حديثهم. وبين كل ذلك، يجدون بالتأكيد فسحةً للتراقص في حفلات الأفراح الشعبية في حاراتهم، والتغامز عن البنات الحلوات. بعد كل هذا قد يقول البعض أن كلنا نشطاء في الثورة، فقط كلٌ بطريقته. أما معرفتي فهي أن أياً من شباب الألتراس لم يقض وقته في الحديث عن الثورة على "تويتر"، من على شاطئ البحر كغيرهم.
***
أمعنت في أسئلتي عن أسامة، وكلما زاودتُّ في أسئلتي، زاود أبوه في إعطائي ذات الإجابة؛ أخذ في الحديث عن الظلم والنظام الفاسد والثورة كلها في كل مرةٍ سألته عن أسامة وَحده. ظل يكررها كثيراً حتى أنه طلب مني تكرارها وراءه: "إذا غاب العدل والحق فلا تتوقع أن يقابلك سوى الظلم والطغيان."
رأيته أباً يفتقد صحبة ابنه الوحيد. قلت له متسائلاً: "رأيك إيه في كل الناس اللي بتتظاهر هنا في التحرير الليلة دي؟" نظر حوله سريعاً، وأشار باصبعه في نصف دائرة، وقال حانقاً ومتمللاً: "دول؟ كلهم هيجيلهم وقت ويروّحوا بيوتهم، والدنيا يابني هتمشي عادي."
***
خلال كتابتي لهذا المقال، ثـقـلَ علىّ التفكير المشلول في زيارة قبر أسامة؛ رأيت أنها ضرورة ولم أعرف كيف أضع السؤال عند الاتصال بأهله: "أروح أزور أسامة فين؟"—سخيفة، "أسامة مدفون فين؟"—ثقيله ، "قبر أسامة فين؟" ، ولا أعرف أيهم اخترت عند الاتصال.
ولم أزر قبره حتى الآن...
لكني كتبت:
ترقد في سمادٍ مبطنٍ...
برطوبةٍ مشاع
يخرج منه زهر الصبّار
ونبتةٌ جهنميةٌ...
رقيقٌ خصرها خفيفة الروح
وقد ترقد في جمود ألوان الشوارع، وجفاف رسوم الحوائط
الحي فيها صخرٌ يأكل منه موج الخرطوش و المسيل للدموع
والحُرّ فيها شهيدٌ
ويتهامسون؛ أحقاً اسمه شهيد؟
ولا يعرفون همس خشب الصناديق حديثة الطلاء
ولا نَسَمهَا في الداخل
صندوقاً وراء آخر ... نودع فيها زهرنا ... مُنقشاً بأحمر الدم
وإذا أردنا الزيارة، نتصل بأحد الأقارب ... ليأتي بمفتاح المقابر
نتلمس مسامحة روحنا التائهة في قسمات ترابٍ أسودٍ داكن
ولا تأتي
دون ذلك ... هي حياة تسير
وفي أحاديثنا، نتحدث عن موتانا و نحن نرتشف شاياً ثقيلاً
وهي في قولنا جملةً عادية ... ليست اعتراضية
نقولها وننصرف
***
أتساءل كثيراً ... أين تذهب أجيال كل ثورةٍ بعد انقضاء آخر عُرسٍ في ثورتها؟ يستمرون في حياتهم وقضاء الأشياء، لكنهم بالتأكيد يتوقفون عن أي فعلٍ ثوري، وقد يرضون حتى بالظلم لعقودٍ أخرى. قد يعوّض بعضهم قلة فعله الثوري بأحاديث حنينٍ لماضِ راح وانتهي مع تناقص الأصدقاء... لكن كيف يطغى عندهم التشبث بضمانات الحياة وتلابيبها على الثورة؟ متى يحدث ذاك التحوّل؟
مثلاً الحركة الطلابية القوية التي ازدهرت في السبعينيات، وانتفاضة 1977 التى كانت انتفاضةً شعبية حقيقية؛ أُجهضت تلك الثورة، وسمّاها من قامت ضده في الأصل، فسمّاها السادات: "ثورة الحرامية" ولاعجب. وعاش ذاك الجيل ليكون منه آباؤنا الذين قبلوا العيش لعقودٍ تحت حكم مبارك، وحتّى أنه لمّا جاءت ثورة يناير، عارضها بعضهم.
نعم، انتصر الظلم على جيل تلك الانتفاضة، لكن الظلم لم يكن بجديدٍ عليهم؛ قد عرفوا الظلم بالفعل وإلا لما قاموا بانتفاضة 1977 في الأساس، لم تتغير عناصر المعادلة، لكنهم انقلبوا من ثورتهم لقبول الظلم لسنين عدة، وحتى مناهضة الثورة عليه من البعض منهم في منتهى المطاف.
بعد الثورة بشهورٍ قليلة، قضيت بضعة أيامٍ أحاور البعض من المثقفين والفنانين والثوريين ممن كانوا في عشرينياتهم في السبعينيات ووقت انتفاضة 1977. اجتمع كل من حاورتهم في قول ذات الشئ: "الواحد منا عاش التلاتين سنة اللي فاتوا بشغله وأسرته والتزامات حياته على ناحية، وعلى ناحية التانيه بأمنية؛ أمنيه إن الواحد يشوف ثورة كاملة تقوم في حياته قبل انتهاء العمر، وجاءت ثورة يناير لتحقيق الأمنيه دي."
استمعت لكلمات أحدهم المُكررة وأنا أسترق النظر خلال نافذة المقهى متابعاً الجموع المتجهة للتحرير، وساءلت نفسي: أأكرر أنا ذات الحديث بعد ثلاثين عاماً من الآن؟ هل تنضب الثورة، وأعيش ثلاثين عاماً في انتظار ثورةٍ أخرى ألحقها قبل الممات؟ ربما تُصبغ الثورة بصبغةٍ شخصية عند الواحد منا في لحظة ما، وتضيف تلك الصبغة توحّداً مع الثورة ينقلها من كونها ثورةً في قلب الواحد منا وعقله لثورةً تقبع حتى في تكوين زفير الواحد وشهيقه ... وعندها يصبح وجود الفرد في ذاته ثورة.
ربما...
أما عن أسامة فأظن أن راحتي تستقر في التصالح مع جمود الحقيقة؛ قد عشنا التحرير معاً، كانت لكلانا عينٌ ربيت رؤاها في جنبات الميدان، وقلبٌ تعلم الأسماء من همس الثورة. جاءت تلك الرصاصة التي أخذت حياة أسامة، وفرقت ثورتينا ... كلاً في مسار، وعلى ذلك تستمر الحياة ... والثورة.
***
في الليلة التى علمت فيها باستشهاد أسامة، كتبت هذه القصيدة سريعاً:
كلها كلماتُ منتهاها
كما هو منتهاه؛ في الهواء...
انتهى هو حيث نبدأ نحن يوماً جديداً...
مروراً بغربانٍ تقزقز رفات نسياننا...
موتى الليلة السابقة
ثورة ثورة!
إعقلها و توكل...
في بيتك جوة
تطوي ابتسامتك و تتجهم قليلاً
قد تبكي قصيراً
ثم تطوي يومك و تهتف اليوم اللاحق
"الثورة مستمرة!"
قلها
فأنت نصفُ من كل شئٍ
وأنت فقط تكمل في الشهادة...
أهي حقاً شهادة؟
صدقها فذلك أفضل كثيراً...
وأيضاً رددها "الثورة مستمرة"...
فتعدادك في قولها
هو تعداد أنفاسك
قبل وصولك الكمال.
***
في النهاية، أظن أن الثورة هي نفضة عشق الزمن ... التى تداعب المنصرف عنها ولاتدل طالبها على طريقٍ، لن تدعك تفقد الأمل ورغم ذلك لن تخلصك من الحيرة المستمرة. هي إيمانٌ نـقـتات عليه نحن فقط ونحتاجه دون الغير. قد يقول البعض أننا متطرفون في مطالبنا أو أننا جهلةٌ بقيمة تقدير مرور الزمن والصبر والانتظار، والحقيقة هي أننا بالفعل متطرفون في مطالبنا، لا ترضينا أنصاف الحلول وإلا ما يميز إذاً زمن الثورة عن غيره من أزمان الانكسار؟ وبالفعل نحن لا قيمة عندنا لحلول انتظار الزمان ولا لفضيلة الصبر؛ في الثورة يفقد الزمان والمكان كل معانيهما التقليدية، ولذلك لن تجد على وجوهنا حفر الزمن ولا فعل سنين العمر. أبعث إليك بهذه الكلمات، إن وصلتك صديقي فاعلم ... أن الثورة بخير.