هَل جرى إفشالُ صفقةِ القرن؟

[المصدر: موقع فلسطين الان] [المصدر: موقع فلسطين الان]

هَل جرى إفشالُ صفقةِ القرن؟

By : George Giacaman جورج جقمان

ربما من غيرِ المفيد البدءُ بمسعى لتحديدٍ دقيقٍ لعناصر "صفقة القرن" المختلفة،على الرغم مما جرى تناقلُهُ في وسائل الإعلام عنها، وما أضيف إليها أو ألصق بها بعد كل تصريحٍ جديدٍ للرئيس الأميركي دونَلد ترَمب، أو أحدِ مستشاريه، وذلك لسببين: أولاً،أنه لم يجرِ الإعلانُ عنها رسمياً. ثانياً، وهو الأهم، أنه، في تقديري، يجب أن نفترضَ أن هذه الصفقةَ قابلةٌ للإضافة أو الحذف، بحدودٍ معينة، بفعلِ المداولات والمشاورات وردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية أيضاً.على الرغم من هذا، سأقترحُ أن جوهرَ هذه "الصفقة" يكمنُ في جانبين: العودةُ إلى مسار تفاوضي جديد بمقوماتٍ، إلى حد ما، مقبولةٍ إسرائيلياً، وإيجادُ تهدئةٍ طويلةِ الأمدِ في قطاعِ غزة، مع تحسينِ شروطِ المعيشةِ فيه؛ منعاً لأي انفجارٍ جديدٍ بفعلِ ظروفِ الحياة غير الإنسانية فيه.

وأقول "إلى حدٍّ ما مقبولة إسرائيلياً"؛لأن هناك أحزاباً ممثلةً في الحكومة الإسرائيلية لا تريد أي مسار سياسي مهما كان، نظراً لأن الوضعَ الراهنَ مناسبٌ تماماً مرحلياً من وجهة نظرها. فالمشروعُ الصهيونيُّ مستمرٌ على قدمٍ وساق من ناحيةِ سرقةِ الأرضِ في الضفةِ الغربية، بعد أن اكتمل فيما يتعلق بالأرضِ في مناطق الـ48. وهم يخشَوْن أن أيَّ مسارٍ سياسيٍ قد يؤدي إلى التخلي عن أجزاءٍ من الضفةِ الغربيةِ لصالحِ السلطة الفلسطينية مهما كان حجمُهَا.

أما موضوعُ نقلِ السفارةِ الأميركية إلى القدس، فيمكنُ النظرُ إليه بشكل مستقل عن "الصفقة"، أو تمهيداً لها إرضاءً لقوى اليمينِ في إسرائيل، أو تلكَ داخلَ الولاياتِ المتحدة، أو الاثنينِ معاً، والأمرُ هنا، إلى حد ما، مسألةُ تعريف. كذلك الأمرُ بالنسبةِ إلى إيقافِ الدعمِ عن الأونروا، ومسعى تقليصِ عدد اللاجئينَ الذينَ تعترفُ بهم الولايات المتحدة. أما مسعى إيجادِ تحالفٍ علنيٍّ بينَ إسرائيلَ وعددٍ من الدولِ العربيةِ في مواجهةِ إيران خاصةً، فيمكن النظرُ إليه على أنه من التبعاتِ المنشودةِ للصفقة، أو من أهدافِها، دونَ أن يكونَ جزءاً من الصفقة. وفي كل الأحوال، كما أشرتْ، هذا إلى حدٍّ ما مسألةُ تعريف.

(1)

وسأبدأُ بما هو أهم في نظري، بنوعٍ من الإطارِ التحليلي الذي قد يوفرُ تفسيراً لمسعى إدارة ترَمب لإيجادِ حلٍّ ما للصراعِ الفلسطيني الإسرائيلي، لعله يربطُ عدداً من الخيوط بعضها ببعض. وتشكل الانتفاضاتُ والثوراتُ العربيةُ التي بدأت في تونس في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، وبخاصة ثورةَ 25 يناير 2011 في مصر، نقطةَ انطلاقي هنا؛ ذلك أن خشيةَ عددٍ من الدولِ العربيةِ من انتقالِ هذه الانتفاضاتِ إليها أمرٌ معروف، وبخاصةٍ بعد اندلاعها في مصر. وقد شكلتْ عددٌ من الدول العربية الركنَ العربيَّ من الثورةِ المضادة، أهمها المملكةُ العربيةُ السعودية، ودولةُ الإمارات. وقد راقبتْ السعوديةُ بدقة مسارَهَا وتطورَهَا، وبخاصةٍ في مصر، بما في ذلك موقفُ إدارةِ الرئيسِ أوباما مباشرةً بعد اندلاعها.

وقد حصل تطورٌ تدريجيٌ في موقفِ إدارةِ أوباما خلال عشرةِ أيامٍ أو ما يقارب ذلك بعد 25 يناير، وانتقالٌ متدرجٌ من الدعوةِ إلى المحافظةِ على "الاستقرار"، إلى الدعوةِ إلى مغادرةِ مبارك لمنصبه. وقد شكلَ هذا الموقفُ الأخيرُ غضباً كبيراً في عددٍ من الدولِ العربية، وبخاصة في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ التي كان ردُّ فعلِهَا حنقاً وسخطاً كبيرين يشوبهما الهلع، "لتخلي" الولاياتِ المتحدة عن "أصدقائها"، بعد أن كان التصورُ عن هذه "الصداقة" أن المطلوبَ منها أساساً أن توفرَ الحمايةَ لهذه الأنظمة، وتضمنَ ديمومتَهَا وأمنَهَا. وقد خرجَ عددٌ من الناطقين بلسانِ النظامِ في السعودية، بما في ذلك جوقةٌ من الكُتَّابِ في الصحفِ الممولةِ سعودياً، خرجوا علناً في نقدهم لموقفِ إدارةِ أوباما، في سابقةٍ ليست معهودةً كثيراً في تاريخِ هذه العلاقة.

أنا أتحدثُ، هنا، عن الفترة ما بين 25 يناير واعتزالِ مبارك في 11 شباط/فبراير، وما بعد ذلك، وبخاصةٍ أن السعوديةَ عرفت أن عزلَ مبارك تمَّ بالتنسيقِ بين الولاياتِ المتحدةِ والمجلس الأعلى للقواتِ المسلحة، كضرورةٍ لا بدَّ منها للسيطرةِ على الثورة، الأمرَ الذي أتمَّهُ المجلسُ الأعلى للقواتِ المسلحة بعد ذلك من خلالِ خارطةِ طريقٍ رَسمَتْ معالمَهَا "الإعلاناتُ الدستورية"، وانتهاءً بالانقلابِ على الرئيسِ مرسي، وبعد ذلك على شبابِ الثورة. وكانت السعوديةُ والإماراتُ خلال فترة تزيد على عامين، وحتى الثالث من تموز/يوليو 2013، وما بعد ذلك أيضاً، كانتا طرفاً في الثورةِ المضادةِ بتمويلٍ سخيٍّ للنظامِ كما هو معروف.

لم يكن هذا السببَ الوحيدَ في عدمِ رضا السعودية عن سياساتِ الولاياتِ المتحدة في المنطقة، وبخاصةٍ فيما يتعلقُ بإيران، بما في ذلك قيادةُ إدارة أوباما المفاوضاتِ التي انتهت بتوقيعِ اتفاقيةٍ في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، بين الأعضاءِ الدائمينَ الخمسةِ في مجلسِ الأمن زائد ألمانيا والاتحادِ الأوروبي، مع إيران. فإضافةً إلى الثورةِ في مصر، تطابقَ هذا، أيضاً، مع موقفِ إسرائيلَ من الاتفاقِ مع إيران، التي ناهضتْ أي اتفاق منذ بدأتْ المفاوضاتُ في العام 2006. وفي العام 2010، كانت إسرائيلُ، بقيادة نتنياهو، على وشكِ قصفِ إيران، وقد أفشلَ هذا المسعى عددٌ من قيادات جيشه في حينه.[1]

وفي مسعى لرأبِ الصدعِ مع السعودية تحديداً، قام الرئيس أوباما بزيارتها في نيسان من العام 2014. وكانت زيارةً باردة، سعى أوباما من خلالها إلى التأكيدِ على دور الولاياتِ المتحدةِ في "تأمينِ أمنِ المنطقة"، كما قال، أي حمايةَ الأنظمةِ التي فقدتْ الثقةَ بالولاياتِ المتحدة بعد عزلِ مبارك، وبعد الاتفاقِ مع إيران حول الملفِ النووي.[2]  وأصبح من الواضحِ أن هذه الأنظمةَ في حاجةٍ إلى حليفٍ آخر قويٍّ لغرضِ هذه الحمايةِ دون ضرورةِ التخلي عن الولايات المتحدة. لكن سياسةَ أوباما في المنطقة، بما في ذلك في سوريا، زعزعتْ هذه الثقةَ إلى حدٍّ كبير. وبدا أن إسرائيلَ قادرة ،إلى حد ما،على أن تقومَ بهذا الدور.

هذا التطابقُ في المواقفِ بين مصالحِ عدد من الأنظمةِ العربية، وبخاصةٍ في الخليج العربي، وإسرائيل، تَعَزَّزَ بعد انتخابِ الرئيسِ ترَمب. وكانت السعوديةُ قد خرجتْ علناً حول حاجتها إلى تقاربٍ أوثقَ مع إسرائيلَ من خلال زيارةِ وفدٍ بقيادةِ الجنرالِ المتقاعدِ أنور عشقي إلى إسرائيل في تموز 2016 عشيةَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ الأميركية. وكانت إحدى الرسائلُ الأساسيةُ التي تم إيصالُها في اجتماعاتٍ عدة مع مسؤولين إسرائيليين وأعضاء كنيست، أن هذا التقاربَ، والتطبيعَ مع الدول العربية عامةً، يلزمُهُ حل للصراع مع الفلسطينيين.[3]  وكانت السعوديةُ ودولةُ الإماراتِ في الفترةِ نفسِها على تواصلٍ مع عددٍ من مستشاري ترَمب لغرضِ التأثيرِ على سياساتِ إدارة ترَمب المستقبليةِ فيما يتعلقُ بإيرانَ والموضوعِ الفلسطينيِّ أيضاً. وبحسبِ أحدِ المصادر، مع زيارةِ ترَمب إلى الرياض في أيار 2017، كانت المعالمُ الرئيسيةُ للخطة التي سُمِّيت بـ"التحالفِ الاستراتيجيِّ للشرقِ الأوسط"، والتي تضمنتْ "صفقةَ القرن"، قد تم الاتفاقُ حولَهَا بين جاريد كوشنير ومحمد بن سلمان. وقد قال محمد بن سلمان لأحدِ الزائرينَ الأميركيين في وصفها: "سأتولى أنا أمرَ الفلسطينيين، وسيتولى ترَمب أمرَ الإسرائيليين".[4]

(2)

أشرتُ سابقاً إلى أنه يمكن اعتبارُ مسعى إيجادِ حلٍ سياسي ما، وتهدئةٍ طويلةِ الأمدِ مع غزة، العنصرين الأساسيين في صفقةِ القرن. ويمكن اعتبارُ نقلِ السفارةِ الأميركية إلى القدس، ضمن "تولي أمر الإسرائيليين" حسبَ قولِ محمد بن سلمان، أُضيفَ إلى ذلك لاحقاً، إيقافُ دعمِ الولاياتِ المتحدةِ للأونروا، ومسعى إلغاءِ وجودها، وتقليصِ عددِ من تعتبرهم الولاياتُ المتحدةُ لاجئينَ من بين الفلسطينيين. أما الجانبُ المتعلقُ بالمسارِ أو التسويةِ السياسية، فقد جرى إفشالُه حتى الآن بسببِ رفضه من الجانبِ الفلسطيني. أما الشق المتعلق بقطاع غزة، فبان في البداية أنه قابل للتنفيذ باستقلال عن المسار السياسي، وبخاصةٍ أن عدداً من عناصره، بما في ذلك التهدئةُ طويلةِ الأمد، كانت جزءاً من تفاهمات 2014 بعد العدوانِ في حينهِ على قطاعِ غزة.

لكن، حتى الآن، لم يتم التوافقُ على شروط المصالحةِ المطلوبةِ للتهدئة طويلةِ الأمد التي يتفقُ الطرفان الفلسطينيان على أنها ضرورية، ولأسبابٍ غير واضحة تماماً. والسؤالُ هنا هو: ما هو المقصودُ بالمصالحة؟ إذا كان المقصودُ هو آخرُ اتفاقيةٍ رسميةٍ مفصلةٍ من اتفاقياتِ القاهرة، تلك الموقعةُ في العام 2011، التي طلبَ أحدُ الناطقين بلسانِ حماس العودةَ إليها بعد فشلِ المحادثاتِ الأخيرةِ حسب ادّعاءِ أحد أعضاءِ اللجنةِ المركزيةِ لفتح،[5]  فإن بنوداً أساسيةً منها غير قابلةٍ للتطبيق كما يعرف الطرفان. وأشيرُ إلى ثلاثةٍ منها بإيجاز: 1.دمجُ الأجهزةِ الأمنيةِ في الضفةِ والقطاع. ومن الجليِّ أن هذا غيرُ ممكن في الضفة لأن إسرائيلَ ستعتقلُ من تنسبهم حماس لهذا الغرض. 2.إصلاحُ منظمةِ التحريرِ الفلسطينية، بحيث تنضمُ حماس إليها.  ومن المرجحِ أن النتيجةَ ستكونُ إعلانَ منظمةِ التحريرِ منظمةً إرهابيةً من قبل إسرائيلَ والكونغرسِ الأميركي، ولن تقبلَ السلطةُ الفلسطينيةُ هذا. وستشكل هذه الخطوة بداية صراع مفتوح مع إسرائيل والولايات المتحدة، وقد أحجمت السلطة الفلسطينية عن هذا حتى الآن. 3.إجراءُ انتخاباتٍ نيابيةٍ ورئاسية. لا توجدُ أيُّ ضمانةٍ أن إسرائيلَ لن تعتقلَ مرشحي حماس قبل الانتخاباتِ أو بعدها، كما فعلت قبلَ انتخاباتِ  2006 وبعدها. ولا توجدُ أيُّ ضمانةٍ أن الحكومةَ الإسرائيليةَ الحاليةَ ستسمحُ بمشاركة الفلسطينيين في القدسِ كما تم سابقاً، ولن يُقبلَ أن تُعقد انتخاباتٌ دونهم.

وإذا صحَّ أن موقفَ فتح، حسبَ قولِ عضو اللجنة المركزية لفتح محمدِ اشتية، هو تنفيذُ تفاهماتِ أو اتفاقِ تشرين الأول/أكتوبر 2017، فمن غيرِ الواضحِ أن السلطةَ الفلسطينيةَ فعلاً تريد ذلك. فالاتفاقيةُ في بندها الأول تنصُ على "تمكينِ حكومةِ الوفاقِ الوطنيِ من ممارسةِ مهامها، بشكلٍ كامل، والقيامِ بمسؤولياتها في إدارةِ القطاع كما الضفةِ الغربية".[6] وهذا لا بد أن يتضمنَ تولي كافةِ المسؤوليات "الأمنيةِ" في القطاعِ أيضاً. وقد أوضحَ أبو مازن ما هوَ المقصودُ في خطابِهِ أمامَ المجلسِ الوطنيِ الذي انعقدَ بينَ 30 نيسان/أبريل و3 أيار/مايو 2018، إذ أشارَ إلى الجانبِ الأمنيِّ بقوله إن السلطةَ يجبُ أن تتولى مسؤوليةَ ما هو "فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرض".ولكن من غيرِ الواضحِ أن السلطةَ الفلسطينيةَ تريد فعلاً هذا، أو أنها قادرةٌ علية. وتكفي هنا الإشارةُ إلى أن إسرائيلَ ستحمِّلُها مسؤوليةَ أيِّ صاروخٍ يُطلقُ من قطاعِ غزة كما تفعل الآن مع حماس، بغضِ النظرِ عمَّن قامَ بذلك. ومن غيرِ الواضحِ أنها قادرةٌ على تحمُّل هذه المسؤوليةِ التي أعيتْ حماسَ في الكثيرِ من الحالات. هذا إضافةً إلى ما هو متوقعٌ من طلباتٍ أخرى ولو بعد حين، مثل إغلاقِ أي مصانعَ موجودةٍ لصنعِ القذائفِ المحلية، وانتهاءً بجمعِ الأسلحةِ من الفصائلِ والمجموعاتِ المسلحة كافة كما هو الأمر في الضفة الغربية. وتضافُ إلى كل هذا، مسؤوليةُ إعادةِ إعمارِ القطاع، وجلبِ الكهرباءِ والماء، وإيجادِ فرصِ عمل، وأعباءٌ أخرى من النوعِ الذي تنوءُ بحملِهِ السلطةُ في الضفةِ الغربيةِ أصلاً، مضافاً إلى ذلك نقلُ توقعاتِ الجمهورِ في قطاعِ غزةَ المتعلقة بالإعمار والبطالة والمياه والكهرباء ومساحة الصيد في البحر، من بين أمور أخرى، نقلها إليها بدلاً من حماس.

(3) 

إزاءَ توقفِ مسارِ التهدئة في قطاعِ غزَّةَ وإعادةِ البناء، أيْ ما اقترحتُ أنه الشقُّ الأول من صفقةِ القرن، من غيرِ المستبعدِ أن تتمَّ محاولةٌ أخرى من قِبَلِ إدارةِ ترَمب للضغطِ على السلطةِ الفلسطينية للذهابِ إلى مسارٍ سياسي باتخاذِ إجراءاتِ إضافية ضدها، وبخاصةٍ بعد فشلِ محمد بن سلمان في "تولي أمرِ الفلسطينيين". لا توجد مؤشراتٌ واضحةٌ بهذا الاتجاه، ولا يمكنُ الركونُ إلى تصريحاتِ ترَمب كمؤشرٍ لخطواتٍ قادمة، منها ما قاله في الأممِ المتحدةِ في أيلولَ الماضي من أنه سيعلنُ عن تفاصيلِ الخطةِ خلالَ ثلاثةِ أشهر، أو أنه يفضلُ قيامَ دولةٍ فلسطينيةٍ كما قال. وفي المدى الأطول، إذا قُيِّضَ لترَمب كسبُ ولايةٍ أخرى، ربما ليس من المستحيلِ أن تتم العودةُ إلى الجانبِ السياسيِ في صفقةِ القرن، وبخاصةٍ في مرحلة ما بعد أبو مازن، إن أتتْ خلال هذه الفترة، بوجود قيادةٍ أضعف لها مصلحة في بقاءِ السلطة، تقريباً بأيِّ ثمن، كما هو الوضعُ الحاليُّ الآن لدى أوساطٍ واسعةٍ في السلطةِ الفلسطينيةِ وفي القطاعِ الخاص. 

غير أن القضيةَ الأساسيةَ الماثلةَ أمامَ الفلسطينيين اليومَ لا تتعلقُ بالمصالحة، على أهميتِها، أو بصفقةِ القرن، على خطورتِها؛ ذلك أن المشروعَ الصهيونيَّ مستمرٌ على قدمٍ وساق، الآن في الضفةِ الغربية، بعد أن تُمِّمَ هذا المشروعُ من ناحية الأرض في مناطق الـ48. فالاستيطانُ مستمرٌ، وسرقةُ الأرض والمياه والمصادر الطبيعية مستمرة. نظامُ فصلٍ عنصريٍّ  يترسخُ يوماً بعد يوم: طرقٌ مستقلةٌ للمستوطنين، نظامٌ قانوني لهم مستقلٌ عن الأوامر العسكرية، حصصٌ في المياه أضعافَ ما يحصلُ عليه الفلسطينيون، فصلٌ جغرافيٌّ وعدمُ تواصلٍ بين مناطقِ التجمعِ السكانيةِ الفلسطينية، حريةُ حركةٍ وتواصلٍ بالطرقِ بين المستوطناتِ ومناطقِ الـ48، ... وهكذا. كلُّ هذا وتبدو السلطةُ الفلسطينيةُ مستكينةً لهذا الوضع، لا حولَ لها ولا مبادرة سوى رفضِ التعاملِ مع الولاياتِ المتحدةِ بعد نقلِ السفارةِ إلى القدسِ مؤخراً، على أهميةِ ذلك. فهي تخشى اتّخاذَ خطواتٍ جريئةٍ أخرى حتى لا تدخلَ في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع إسرائيلَ والولاياتِ المتحدة، وتضعُ حياتَهَا نَفْسَها على المحك. ولعلَّ ما تخشاهُ السلطةُ، أيضاً، هو فتحُ ملفاتِ فسادٍ كما حصلَ في العام 2011 قبل توقيعِ اتفاقيةِ القاهرة، لرأبِ الصدعِ الداخليِّ المشارِ إليها سابقاً، بتزامنٍ يصعبُ أن يكونَ من بابِ المصادفة. فقد قامتْ لجنةٌ فرعيةٌ منبثقةٌ من لجنةِ الشؤونِ الخارجيةِ لمجلسِ النوابِ الأميركي بعقد جلساتِ "استماع" حولَ الفسادِ في السلطةِ الفلسطينية، وأصدرت بعد ذلك تقريراً حول الموضوع كان عنوانه "الفساد داخل الطبقة السياسية الفلسطينية"، جرى التعرض فيه إلى عدد من الأشخاص بالاسم.[7] ويمكنُ قراءةُ هذا التقريرِ على أنه إنذارٌ لما يمكن أن يكونَ قادماً في ظروفٍ أخرى.

ما هو ضروريٌ الآن، إذاً، قبل رأبِ الصدعِ الداخلي الفلسطيني، والذي هو أسبقُ منطقياً على المصالحة، إذا كان حلُّ الدولتين قد انتهى، هو تفكيرٌ تفصيليٌ معمق في الخياراتِ الممكنة، لوضع برنامجٍ سياسيٍ جديد، أو استراتيجيةٍ جديدةٍ للأمدين القريب والبعيد، تكونُ هي أساساً للمصالحة. دون ذلك، لن تتعدى المصالحةُ تقاسمَ الحصصِ بالطرقِ السابقة البائسة. لا يوجد مغنمٌ في تقاسمِ سلطةٍ تحت الاحتلال، ولا يوجد ربعُ قرنٍ آخرُ للمفاوضات، تستكمل فيه إسرائيلُ المشروعَ الصهيونيَّ في ما تبقى من فلسطين. لقد وصلت السلطةُ الفلسطينيةُ إلى نهايةِ الطريق؛ وصلتْ إلى الطريقِ المسدود للمرة الرابعة على الأقل، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في تموز/يوليو من العام  2000، وفشل مفاوضات طابا في كانون ثاني/يناير 2001، وفشل مفاوضات أولمرت-عباس في نهاية العام 2007، وفشل جولات كيري المكوكية في العام 2014، ولم تستخلص أية عبر حتى الآن، ولا تصور لها حول المستقبل، سوى مسعى البقاء من أجل البقاء.

هوامش

[1] Anshel Pfeffer, “The Israelis who Prevented a War with Iran, Foreign Policy, May 11, 2018. Accessed October 11, 2018.

[2] Martin Chulov, “Is America's relationship with Saudi Arabia broken beyond repair?,”  The Guardian, March 28, 2014. Accessed  October 11, 2018.

[3] Tovah Lazaroff, “Saudi Delegation to Israel: Ending Palestinian Conflict Critical for Ties with Arab States,” The Jerusalem Post, July 24, 2016. Accessed October 11, 2018

[4] Adam Entus, “Donald Trump’s New World Order”, The New Yorker, June 18, 2018. Accessed October 11, 2018.

[5] صوت فتح الإخباري، 30 سبتمبر 2018. دخول بتاريخ 12-10-2018.

[6] قدس الإخبارية، 14-10- 2017. دخول بتاريخ 12-10-2018.

[7] http://archives-republicans-foreignaffairs.house.gov/112/74960.pdf . Accessed October 11, 2018.

 
  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • العالم العربي ما بعد الكورونا

      العالم العربي ما بعد الكورونا

      لقد كان من تبعات انتشار وباء الكورونا أن أدى إلى تكاثر الكتابات حول شكل العالم ما بعد انتهاء الوباء، أو حتى كيف سينتهي إن انتهى.  وقد سبقت هذا الوباء أوبئة أخرى في العقود الثلاثة الماضية، منها وباء الإيبولا، والسارس، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، وجنون البقر، من بين أوبئة أخرى قبل ذلك.

    • هكذا سيتم تنفيذ خطة ترَمب

      هكذا سيتم تنفيذ خطة ترَمب

      بعد جولة وفد الولايات المتحدة برئاسة جاريد كوشنير في المنطقة في نهاية شهر حزيران الماضي، ظهرت في عدد من وسائل الإعلام أخبار مفادها أن الوفد عائد بعد الجولة بتوقعات منخفضة حيال إمكانية تنفيذ "صفقة القرن". وظهرت أيضا تصريحات متفائلة من قبل بعض المسؤولين الفلسطينيين حول فشل هذه الخطة. غير أن هذه الأخبار في الواقع غير صحيحة أو، كحد أدنى، غير دقيقة. والتصريحات المتفائلة مبكرة وتغفل أمرا أساسيا في الخطة، وهو أنه ليس من الضروري لها أن تنفذ دفعة واحدة كصفقة متكاملة، وأنه من الممكن تنفيذها على مرحلتين على الأقل بعد خلق أمر واقع جديد يفرض نفسه على جميع الأطراف.


    • السؤال الغائب في الوضع الفلسطيني الراهن

      السؤال الغائب في الوضع الفلسطيني الراهن

      يوجد سؤال واحد رئيسي غائب عن النقاش العام في الوضع الفلسطيني الراهن. وهو سؤال يبرز بوضوح وبقوة بفعل الإجابة السلبية على عدد من القضايا الملحة،أو على مطالبات هي قيد التداول في الحيز العام منذ سنوات عدة. وسأعود إلى السؤال الغائب بعد قليل، لكن دعوني، في البداية، أوضح كيف ينشأ هذا السؤال.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬